بقلم: أحمد نسين
أنقرة (زمان التركية) – رأى الكاتب التركي عبد القدير سيلفي المعروف بقربه من النظام أن الامتناع عن الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برونسون يعكس وجود أوامر من شخصيات أخرى غير الرئيس التركي في هذه القضية، ملمحًا إلى دور لتنظيم “أرجنكون” أي الدولة العميقة في هذه المسألة.
منذ أشهر يدور في ذهني سؤال أفكر فيه ولم أستطع إيجاد جواب له ألا وهو “هل يمتلك أردوغان نظرة عالمية سياسية؟”. هل تعتقدون ذلك؟ ارجعوا بخيالكم إلى ما قبل الفترة التي شغل فيها منصب رئيس الوزراء بل إلى ما قبل الفترة التي شغل فيها منصب رئيس بلدية إسطنبول واطلعوا، حينها فقط سترون التغيير الفكري المستمر لأردوغان.
لم أر في حياتي شخصًا ينكر أقاويله ويفعل عكسها بقدر هذا الرجل الذي يمتدحه ويصفه الكثيرون بـ”زعيم العالم”. أردوغان يحطم أرقاما قياسية في الهذيان في السياسة، ولو كان هناك مجال كهذا لتصدره أردوغان في موسوعة جينيس.
تدير تركيا مجموعة “أرجينكون” وليس أردوغان!
مهما أرجعنا ارتفاع الدولار خلال الأسابيع الأخيرة إلى أزمة القس برونسون، لكن الجميع بما فيهم الخبراء المؤيدون لحزب العدالة والتنمية الحاكم يعلمون أن لب الأمر ليس كذلك.
هذا الأمر ليس مسألة مساعي الولايات المتحدة لتأسيس دويلات في الشرق الأوسط وإقامة دولة كردية بالمنطقة. جميعها قضايا مهمة جدا، ولكن هناك قضيتان أساسيتان لا يرغب أحد في مناقشتهما.
الأولى هي نقاشات الناتو ومنظمة شنغاي القائمة داخل الجيش، والثانية هي سبب اتصال أردوغان بمجموعتين في فترتين مختلفتين.
“أرجنكون” التي تعرف بالدولة العميقة ومنظمة شنغهاي هي مجموعة ترى أن حلف الناتو عبء على تركيا، وسجن أردوغان هاتين المجموعتين مع ضباط حلف الناتو بواسطة قضية أرجنكون التي بدأت في عام 2007.
وفي تلك الفترة عمل أردوغان مع البيروقراطيين المتعاطفين مع فتح الله كولن، على الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، وكان حينها أردوغان بحاجة إلى فتح الله كولن وضباط حلف الناتو.
ما فعله كان صائباً، فما كان لرئيس وزراء دولة ترغب في الانضمام للاتحاد الأوروبي أن يعادي حلف الناتو.
أردوغان شخص يعاني من جنون العظمة بالقدر الكافي وليس هناك من لا يدرك هذا، ولهذا فإن إدارة البيروقراطيين المتعاطفين مع فتح الله كولن للبلاد أزعجه كثيرا. وهناك سبب لبدء صراع أردوغان مع كولن في موضوع مدارس حركة الخدمة ألا وهو أن تلك المدارس كانت تقوم بتنشئة هؤلاء البيروقراطيين، فيما لم تخرج مدارس الأئمة والخطباء التي تخرج منها أردوغان أيضا رجالا جديرين بالقيادة لا كمًّا ولا كيفًا.
وعندما عادى أردوغان فتح الله كولن اضطر إلى معاداة حلف الناتو وضباط الحلف أيضا، لأنه كان بحاجة إلى قوة عسكرية تدعمه. وعندما انفجرت كارثة فساد 17-25 ديسمبر/ كانون الأول عام 2013 انقطعت الروابط كليا وأمر أردوغان بتبرئة أفراد أرجنكون.
كان عنوان مقال كتبته حينها “تبرئة أرجنكون ومباشرته إدارة تركيا”، ومنبع المشكلة التي تعاني منها تركيا منذ أشهر هو هذا. وسيضطر أردوغان لمواجهة كل هذه المشكلات عندما يتجه لشراء نظام صاروخي من دولة تابعة لمنظمة شنغهاي وشراء مقاتلات إف 35 من دولة عضو بحلف الناتو ومن ثم حبس كل ضباط الناتو بصفوف الجيش حتى من كانوا بالدول الأوروبية.
غدا قد يتحالف أردوغان مع شخصيات وجماعات لم تخطر على البال كي لا يحاكم بسبب كارثة 17-25 ديسمبر/ كانون الأول ولكي ينجو من المحاكمة بسبب التعاطف الذي أظهره تجاه داعش في تلك الفترة.
لا أمزح، أردوغان ليس هو من يدير تركيا اليوم بل جماعة أرجنكون. الامتناع عن الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برونسون على الرغم من حديث الوزراء والكاتب المعروف بقربه للسلطات التركية عبد القدير سيلفي عن احتمالية الإفراج عن برونسون يعكس وجود أوامر لشخصيات أخرى في هذا الأمر.
عندما كتبت ليلة الانتخابات عن انقلاب يلوح في الأفق هاجم الناس بعضهم البعض على تويتر وفتحت تحقيقات ضدي، لكن لم أكن أقصد انقلابا جديدا سينفذ بل انقلابا جديدا عبر انتخابات 24 يونيو/ حزيران وهذا الانقلاب الأخير لم يكن من صنع أردوغان بل من صنع أرجنكون.
رئيس الأركان السابق ووزير الدفاع الحالي خلوصي آكار كان شخصًا يمكنه عرقلة هذا، لكن تم إحالته للتقاعد مثلما حدث في 15 يوليو/ تموز. ستفهمون ما أقوله بالنظر إلى المناصب التي بلغتها اليوم كل الجنرالات الذين حكموا ضمن قضية انقلاب باليوز وأفرج عنهم بفضل أردوغان.
تركيا باتت تُدار بتحالف أرجنكون وباليوز، وأردوغان أصبح مهتما فقط بإنقاذ نفسه وإلا ما كان لزعيم سياسي أن يقضي ثمان سنوات من حياته يدافع عن حلف الناتو وبقية حياته في الدفاع عن منظمة شنغهاي.