القاهرة (زمان التركية)ــ جاء في مقال تحليلي للكاتب المصري مصطفى بركات، نشر في صحيفة (فيتو) أن نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “صنيعة أمريكية” لكنه خرج عن السياق المعد له فبدأت الولايات المتحدة عقابه، وقال الكاتب أن الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برونسون ليس المطلب الأمريكي الوحيد وإنما يأتي ضمن قائمة مطالب عديدة، وبعضها يريد أن يضع حدا للتدخلات التركية في الشأن العربي.
وجاء في المقال: ماذا يحدث بين الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان؟ سؤال بدأ يطرح نفسه بقوة على الساحة السياسية، عقب اندلاع أزمة اقتصادية تشهدها «أنقرة» تعد الأعتى في تاريخها.
بالون اختبار
البعض أرجع الخلافات إلى السبب المعلن، وهو مطالبة واشنطن للجانب التركى، بالإفراج عن القس الأمريكى «أندرو برونسون»، الذي يقيم في تركيا منذ أكثر من 20 عاما، واتهامات تتضمن تقديم الدعم لأنصار فتح الله كولن؛ رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة، الذي تقول السلطات التركية أنه دبر محاولة الانقلاب عام 2016.
وعمليا؛ وطبقا لمتابعة الملف التركي، إنه صعود حزب العدالة والتنمية (الحاكم) إلى رأس هرم السلطة، كرئيس للوزراء، وبعدها كرئيس للبلاد، جعلت منه الولايات المتحدة «بالون اختبار» في المنطقة برمتها، كتجربة حية لصعود لنجم تيار الإسلام السياسي في المنطقة برمتها، ووجدت فيه نموذجا للإسلامي الليبرالي كنموذج قابل للتطبيق في باقي الدول خصوصا العربية، واعترف الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، في آخر حوار له مع مجلة “أتلانتيك” الأمريكية، بهذا الأمر، لكنه أردفه بعبارة «خاب أملي في أردوغان» وهي العبارة التي تحمل التفسير لما يحدث في تركيا الآن، وما دبر لها منذ أعوام.
صناعة أردوغان
فرائدة صناعة الأنظمة– أمريكا- أرادت القضاء على فكرة دعمها للديكتاتوريات الحاكمة، وهو الاتهام الذي شكل طعما للتنظيمات الإرهابية في اصطياد المتطرفين، بهدف محاربة الشيطان الأكبر، الذي يعادي تمكين الإسلام، من خلال دعمها لأنظمة قمعية تضيق الخناق على هذه التيارات التي تزعم رفعها لراية الإسلام، وتهدف لتطبيق مبادئه.
إلا أن أردوغان «نموذج المحاكاة» خيب أمل واشنطن، بالممارسات القمعية لنظامه، وتضييق الخناق على باقي التيارات الإسلامية– حركة الخدمة- وتعاون مع تنظيمات متطرفة لتحقيق مصالحها الشخصية– عدة تقارير أمريكية أثبتت التعاون الوثيق مع القاعدة وداعش في سوريا.
أيضا الخلافات مع أوروبا واستغلال أزمة اللاجئين السوريين لابتزاز دول القارة العجوز، لم تكن بمنأى عن تقييم الحسابات الأمريكية الجديدة تجاه الخليفة العثماني.
تحالفات مرتبكة
كذلك ممارسة البراجماتية الغير مدروسة تجاه التحالفات الخارجية، ومحاولة اللعب بورق الكل ضد الكل، سواء مع إيران وروسيا والصين، حتى الدول الأفريقية لم تكن بعيدة عن الذهن التركي المتردد والبعيد عن منطق الدبلوماسية الحكيمة في رسم العلاقات الخارجية، على ما يبدو أنه دفع واشنطن لاتخاذ قرار التخلص من حليف مزعج تملكه الغرور، ويحمل في يده فاتورة مطالب مزعجة من وجهة نظر البيت الأبيض.
إضافة إلى تدخله في قضايا إقليمية جعلت إدارة ترامب تستشعر بخطورة الدور التركي داخلها، والتي برزت مع الملف السوري واتخاذه قرارا بالتدخل العسكري بها والسيطرة على “عفرين” ومقارعة واشنطن في “منبج”.
أزمة المقاطعة مع قطر هي الأخرى ليست بعيدة عن رغبة أمريكا في حرق ورقة أردوغان، بعدما انحاز الرئيس التركي بشكل فج للأمير القطري تميم بن حمد، وكثرت شكاوى حلفاء الخليج من تدخلاته بالشأن الإقليمي، وتحويل بلاده إلى منصة لأبواق المعارضة التي تحرض على استقرار عواصم هذه الدول.
أيضا المقارعة التركية المعلنة في غاز البحر المتوسط مع قبرص، وتهديدها بين الحين والآخر بعملية عسكرية، ومعاونة إيران في التحايل على العقوبات الأمريكية، طبقا لما ورد من أقوال المصرفي «رضا ضراب»، الذي يحاكم في الولايات المتحدة، واتهم الرئيس أردوغان بالمساهمة في عمليات غسيل أموال لصالح إيران إبان رئاسته لحكومة بلاده.
غرور أردوغان دفع للدخول في مقارعة جديدة مع واشنطن، من خلال مطالبته لها بتسليم رجل الدين المعروف «فتح الله كولن»، ومساومتها على ملفات إقليمية مقابل رأس صديق طريقه، الذي سخر له الطريق إلى الحكم بأمواله وعناصر حركته– الخدمة- بهدف تخليص الدولة من الحكم العسكري، وتمكين تيار اعتقد مدنيته، وقرر أردوغان معاقبته على دعمه السابق، بجعله يعيش في المنفى الاختيار، هربا من ذئاب أردوغان.
مما سبق عرضه وطبقا لنقاط الخلافات العالقة بين واشنطن وأنقرة، يتضح أن قرار الولايات المتحدة بمعاقبة النظام التركى لن ينتهي أو يفقد فاعليته بالموافقة على الإفراج عن القس برونسون، الذي بات يعد بندا ضمن قائمة مطالب يتعمد البيت الأبيض تنفيذها كاملة؛ بهدف إذلال وإهانة الرئيس التركى، وعودته إلى بيت الطاعة، وحسب المتوقع هي كتالي:
أولا: الإفراج الفوري عن 20 عميلا متورطا في دعم انقلاب 2016، بينهم القس برونسون.
ثانيا: قبول أنقرة بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، والتوقف عن إعلان دعم الجمهورية الإسلامية بالتعاون التجاري أو المساهمة في بيع النفط من الباطن لصالحها، وتجميد فوري لجميع الاتفاقات التجارية.
ثالثا: الابتعاد عن الحليف الروسي والتراجع عن صفقة شراء صواريخ “إس 400”.
رابعا: إغلاق ملف فتح الله كولن والتوقف عن مطالبة واشنطن بتسلميه إلى السلطات التركية.
خامسا: التوقف عن التهديدات التي تطلقها تركيا ضد قبرص، فيما يتعلق بملف التنقيب عن الغاز في المتوسط.
سادسا: الانسحاب من ملفات المنطقة العربية، وإغلاق القاعدة العسكرية في قطر.
سابعا: عدم استغلال قضية القدس ونقل السفارة الأمريكية، وربما أيضا ما تسمى “صفقة القرن”، التي تشعر أمريكا بإجادة استغلال أردوغان لها للتجييش ضدها وقت الأزمات.
ثامنا: سحب قواته من عفرين السورية، وعدم مشاكسة أكراد– تدعمهم أمريكا- وتهديدهم بالحرب بين الحين والآخر.