القاهرة (زمن التركية)ــ نشرت صحيفة (الاقتصادية) تقريرًا يحتوي آراء وتحليلات خبراء مصريون متخصصون في الاقتصاد حول أزمة تراجع قيمة الليرة مؤخرًا في تركيا وتراجع الثقة في تصنيفها الائتماني.
وتقول لـ “الاقتصادية”، الدكتورة آدل توبي أستاذة الاقتصاد الدولي “إن انهيار العملة التركية أمر شديد الخطورة، لكن العجز الراهن في ميزان التجارة الخارجية وإخفاق الحكومة التركية في توسيع أسواق صادراتها الخارجية أكثر خطرا وضررا على الأمد الطويل. فهذا يعد قصورا في الهيكل الاقتصادي، خاصة أنه ترافق مع أزمة ديون لم تتفاقم بعد، لكنها الآن في بداية الطريق وهذا هو الخطر الأكبر على مستقبل تركيا الاقتصادي”.
وتواصل توبي “لدى تركيا مستوى مرتفع من الديون بعضها مستحق الدفع قريبا، ولن يكون أمام أنقرة سوى إعادة تمويل الدين، وتقدر الحاجة المالية لتركيا هذا العام وفقا لوكالة فيتش للائتمان المالي بنحو 230 مليار دولار، يضاف إلى ذلك أن جزءا كبيرا من ديون تركيا وتحديدا القطاع الخاص مقوم بالدولار الأمريكي، ومع انخفاض قيمة العملة وثبات الصادرات فإن عبء المديونية على الشركات التركية سيزداد، وقد يترافق ذلك مع أزمة في القطاع المصرفي التركي قريبا”.
الدكتور دمين دين أستاذ الاقتصاد السياسي لا ينفي ما يصفه بالطبيعة التقنية للأزمة الاقتصادية التركية، لكنه يشير إلى أن جذور الأزمة الاقتصادية تكمن في السياسة وليس في الاقتصاد هذه المرة.
ويضيف لـ “الاقتصادية”، “يلاحظ أن الأزمة الراهنة تفاقمت بشكل سريع بعد انتخابات 24 حزيران (يونيو)، والسبب يكمن في الخلط الذي حدث بين السياسة والاقتصاد، بالتأكيد هناك تداخل بين الاثنين دائما، لكن عندما يوجه الاقتصاد لخدمة الأهداف السياسية، بعيدا عن القوانين المنظمة لعلم الاقتصاد، فإن المنطقي أن تشهد تركيا ما تشهده حاليا”.
ويستدرك دمين دين قائلا “فعلى سبيل المثال إذا قارنا تركيا بنماذج مماثلة من الاقتصادات الناشئة مثل الهند والمكسيك والبرازيل وجنوب إفريقيا، سنجد أن تركيا الدولة الأكثر تركيزا للسلطة في يد شخص واحد وأعني الرئيس أردوغان، وتعد من أكثر الاقتصادات الناشئة قمعا للحريات، والوسائط الإعلامية باتت أبواقا حكومية، وبدلا من أن يكون لدى الحكومة التركية الثقة وتترك الاقتصاد يتحرك وفقا للميكنزمات الرأسمالية، مستندة في ذلك إلى معدلات النمو المرتفعة، فإن تدخل الرئيس أردوغان بشكل شخصي في تبني قيم اقتصادية تنبع من قناعات أيديلوجية، وليس من قواعد اقتصادية، أدى إلى ارتباك المشهد وتعقيد الأمور”.
ويعتقد دمين دين أن “انهيار العملة ليس إلا جزءا يسيرا من الصورة، إنه قمة جبل الجليد العائم، بينما قاعدة هذا الجبل الجليدي التي فجرت المشكلة، فتكمن في محاولة السلطة السياسية لوي عنق الحقائق الاقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد”.
وربما يتفق ذلك التحليل مع أحاديث البعض بأن رجل تركيا القوي الرئيس رجب طيب أردوغان، دمج وزارة الخزانة بوزارة المالية، وسلم هذا المنصب الحساس إلى زوج ابنته بيرات البيرق، الذي بات أيضا مشرفا على جميع المؤسسات الاقتصادية والمالية الكبرى، وفي مقدمتها البنك المركزي والبنوك العامة، وهذا يوجد حالة من التركيز الاقتصادي التي بات من الواضح الآن أنها لا تتفق ومصالح الاقتصاد التركي في الأمد الطويل.
هذا الوضع من تمركز السلطة السياسية والاقتصادية بعث بإشارات سلبية إلى المستثمرين الأجانب الذين انخفضت ثقتهم بالاقتصاد التركي، وفي مطلع الشهر الجاري بلغت نسبة المخاطرة في تركيا أعلى مستوى لها ولا مست 345 نقطة أساس، بعد أن فرضت واشنطن عقوبات عليها، وربما تأتي العقوبات الأمريكية في أسوأ توقيت، لأنها تتزامن مع قرب اقتراب تركيا من موعد سداد ما عليها من التزامات مالية خارجية.
وفي الواقع، فإن أكثر ما يقلق كثيرا من المختصين في الأزمة التركية الراهنة هي وضع المصارف التركية، فمعظم الاستثمارات المحلية التركية خاصة في قطاع الإنشاءات تتم عبر قروض ممولة من المصارف خاصة المصارف المحلية، وهذا تحديدا ما جعل التوقعات الخاصة بالنظام المصرفي التركي سلبية بسبب المخاطر المرتبطة بالتمويل وجودة الأصول.
وكانت وكالة موديز للتصنيف الائتماني قد نشرت في أيار (مايو) الماضي تقريرا يشير إلى أن البيئة التشغيلية للمصارف التركية ستمثل تحديا مستقبليا بسبب مجموعة من العوامل من بينها السياسة النقدية غير الفعالة، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدلات البطالة، ما يؤدي إلى إلغاء الطلب على القروض، ويضغط على قدرة المقترضين على سداد القروض، وسط توقعات بتباطؤ النمو التركي إلى 3.5 في المائة العام المقبل.
ويقول لـ “الاقتصادية”، جيري جيدين المختص المصرفي، “إن للاقتصاد التركي عديدا من مراكز القوى، لكن بالتأكيد النظام المصرفي ليس واحدا منها، فالمصارف التركية لم تكن مبنية على أسس اقتصادية صلبة، وانتعاشها وتحولها إلى جاذب للاستثمارات الدولية لا يعود إلى قوتها من حيث الأصول والقدرات المالية، إنما نجاحها مستمد من ارتفاع معدلات النمو في الاقتصاد التركي، خاصة في قطاع البناء والتشييد، وبمجرد تراجع هذا القطاع سيتراجع القطاع المصرفي التركي، ولأن عديدا من الشركات التركية الكبرى مدينة للمصارف المحلية، فإن عدم قدرتها على السداد سيستدعي تدخل الدولة والبنك المصرفي لمساندتها وتفادي الخسائر الضخمة والانهيار”.
ويعتقد جيدن أن تدهور نوعية أصول المصارف التركية نتيجة بيئة التشغيل الراهنة، التي تمر بتحديات من أبرزها انخفاض قيمة الليرة، يدق ناقوس الخطر، فإجمالي ديون القطاع الخاص التركي قفزت من 33 في المائة عام 2007 إلى 70 في المائة حاليا، وهو تراكم لم يشهده غير الجارة اليونان قبل الأزمة المالية عام 2008.
ويضيف أن “تركيا تشهد أكبر ارتفاع في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للقطاع المالي في 39 دولة متقدمة وناشئة، أما نسبة القروض إلى الودائع في النظام المصرفي فقد بلغت مستويات قياسية حيث تصل إلى 120 في المائة، لأن القطاع المالي يعتمد بشكل كثيف على الاقتراض من الخارج لتمويل أنشطته”.
وفي العشرية الثانية من القرن العشرين كانت الأرجنتين تحتل المرتبة العاشرة في تصنيف الاقتصاد العالمي، ومع هذا لم يكد القرن العشرين ينتهي إلا وكانت الأرجنتين تعلن إفلاسها أكثر من مرة، وحتى الآن لا تزال الأرجنتين تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة، على الرغم من ثرائها بالموارد الطبيعية.