بقلم: ديفيد ل. فيليبس *
أقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الرد بالمثل ضد اثنين من أعضاء الحكومة الأمريكية انتقامًا من قرار إدارة دونالد ترامب بمعاقبة وزير العدل التركي عبد الحميد جول ووزير الداخلية سليمان سوليو لدورهما بحكم وظيفتيهما في استمرار سجن القس أندرو برونسون.
قضية برونسون ليست سوى واحدة من القضايا التي تسبب توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. يقبع حاليا في سجون تركيا أكثر من 50 ألف شخص، بمن فيهم برونسون، بتهمة دعم الإرهاب بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو / تموز 2016. وسبق أن سجنت تركيا ثلاثة مسؤولين أمريكيين في القنصلية الأمريكية “خطأ” بتهمة دعم الإرهاب أيضًا. ويشكل شراء تركيا للصواريخ الروسية من طراز S-400 انتهاكًا لمبدأ الناتو الأساسي المتمثل في العمل المشترك. بالإضافة إلى ذلك، ساعد أردوغان إيران على تجنب العقوبات المفروضة عليها من أجل الحد من أنشطتها النووية.
وكذلك هناك عديد من الشكاوى لأردوغان من الولايات المتحدة. فهو يعترض على دعم الولايات المتحدة للأكراد في سوريا. وهو غاضب من رفض واشنطن تسليم فتح الله غولن الذي يتهمه بأنه “العقل المدبر للانقلاب”. لذا يدين أردوغان ما وصفه بـ”العقوبات الأمريكية السخيفة”، ويؤكد قائلاً: “لم نركع حتى اليوم أمام مثل هذه الضغوطات ولن نفعل ذلك أبداً”.
لا شك أن العقوبات الذكية هي أداة للدبلوماسية يمكنها أن تفرض على تركيا تغييرًا في سلوكها وموقفها. والتهديد بالعقوبات أكثر فاعلية من العقوبات نفسها. بناءً على ذلك إذا كانت إدارة ترامب تريد من تركيا أن تغير مسارها فعليها أن تضع خططًا بحذر ودقة لفرض عقوبات على أفراد عائلة أردوغان كبلال أردوغان؛ ابنه “رجل الأعمال”، وبرات ألبايراق، صهره ووزير المالية.
لقد تورط كل من بلال وبرات في أنشطة يمكن اعتبارها ضمن قانون “ماغنيتسكي” العالمي من القانون العام (القانون العام 114-328). ويستهدف قانون “ماغنيتسكي” العالمي الذي اعتمده الكونغرس الأمريكي في عام 2016 الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان أو يتورطون في الفساد.
تشير المزاعم إلى أن بلال أردوغان حقق ثروة هائلة من خلال أنشطة فاسدة، مثل الابتزاز والرشوة وغسيل الأموال. كما أنه متهم بالضلوع في تمويل الإرهاب عن طريق نقل نفط داعش من سوريا.
وكشفت عمليات التنصت لإدارة الجرائم المالية للشرطة في إسطنبول (17 و25 ديسمبر 2013) على المكالمات الهاتفية عن حصول بلال أردوغان على ملايين الدولارات من الشركات التركية التي تلقت عقودًا ومناقصات ثرية من الحكومة التركية. لقد تلقى بلال أموالا مقابل تقديم تراخيص البناء أو البناء نيابة عن بعض الشركات كشركة “جنكيز” للإنشاءات. كما حصل على مدفوعات من شركة (SOM) العاملة في مجال النفط ونقل الطاقة، وشركة “تورانج إنيرجي” التي تدير خط أنابيب للغاز الطبيعي من إيران. ونال فيلا تبلغ قيمتها 1.75 مليون دولار من شركة تدعى “بلفي” والتي تغسل الرشاوى لعائلة أردوغان بحسب المزاعم.
وفقًا للتنصتات القانونية لقسم التحقيق في الجرائم المالية في شرطة إسطنبول في 17 ديسمبر 2013، فإن بلال كان يتحدث إلى والده عن ضرورة التخلص من الأموال غير الشرعية المخبأة في الطابق السفلي من منزله. وكان أردوغان يطالب ابنه للتخلص من النقود التي تجاوزت 1 مليار دولار وفقًا للمكالمات الهاتفية المسربة، وذلك بالتنسيق مع برات ألبايراق. ثم قامت الشاحنات بالفعل بنقل الأموال من منزل بلال إلى أربعة مواقع مختلفة.
اضغط لقراءة المقال باللغة الإنجليزية
برات ألبايراق مسؤول أيضا بموجب قانون ماجنيتسكي العالمي عن دوره المزعوم في أنشطة إجرامية، كالفساد، بما في ذلك مصادرة الأصول الخاصة والعامة لتحقيق مكاسب شخصية، والرشوة، والفساد المتعلق بالعقود الحكومية والموارد الطبيعية. وكذلك لعب دورًا كبيرًا في الهجوم المنظم على وسائل الإعلام المستقلة في تركيا.
كما قام الوزير برات ألبايراق بتنظيم الاستحواذ على مجموعة صباح-ATV الإعلامية ومنحها مجموعة “تشاليك هولدينجز” التي شغل هو منصب الرئيس التنفيذي فيها حتى عام 2013. وكانت البنوك الحكومية التركية كـ”خلق بنك” و”واقف بنك” قامت بتمويل هذه المجموعة بقيمة 1.1 مليار دولار للاستحواذ على المجموعة الإعلامية. ثم تم بيع مجموعة “صباح” إلى مجموعة توركواز الإعلامية المملوكة لجمال كاليونجو والتي يشرف على إدارتها شقيق برات ألبايراق. وكاليونجو هو الآخر تلقى مليارات الدولارات في عقود البناء من الحكومة التركية، بما في ذلك عقد بناء مطار إسطنبول الجديد.
ووفقاً لتسجيلات الشرطة الهاتفية، كان برات ألبايراق اقترح التخلص من أموال بلال عن طريق شراء عقارات في مشروع فلل “سيهريزار” الفخمة. وتظهر تلك السجلات أن ثماني فيلات تم شراؤها نقدًا من قبل برات ألبايراق.
من جانب آخر، تؤكد المحادثات الهاتفية دور برات ألبايراق في ترتيب بيع نفط داعش من العراق وسوريا عبر شركة باور ترانس (Powertrans) لنقل الطاقة بدءًا من عام 2011.
وطلب كل من بلال وبرات أموالاً من الشركات التركية مقابل عقود ومناقصات حكومية من أجل تقديمها للجمعيات الخيرية الإسلامية المتورطة في جرائم منظمة، مثل وقف الشباب وخدمات التعليم “توركيف” (TUR-GEV)، ووقف “أنصار” ووقف “معاريف”. كما أن رضا ضراب، رجل الأعمال التركي الإيراني الأصل الذي أدانته محكمة أمريكية بتهمة غسيل الأموال نيابة عن إيران والحرس الثوري الإيراني، ساهم بمبلغ 4.65 مليون دولار في مؤسسة “توغيم-دير” الخيرية التي أسستها زوجة أردوغان.
وساعد ضراب أيضًا وقف توركيف (TUR-GEV) في تحقيق مكاسب وجمع أموال عن طريق الاستحواذ غير المشروع على الأراضي والممتلكات والأصول الأخرى.
لقد استخدمت إدارة ترامب قانون “ماجنيتسكي” العالمي لمعاقبة الوزيرين التركيين عبد الحميد جول وسليمان سويلو، لكنهما من المسئولين الذين لا يساوون شيئا عند أردوغان ويمكنه التخلي عنهما بكل سهولة.
أعتقد أن التهديد بفرض عقوبات على بلال وبرات سيثير اهتمام أردوغان. وكما نعلم أن أردوغان سياسي براغماتي، وإذا ما واجه عقوبات قانون “ماجنيتسكي” العالمي ضد أسرته فقد يعدّل سياسات تركيا ويعيد العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا إلى المسار الصحيح.
* ديفيد ل. فيليبس هو مدير برنامج بناء السلام والحقوق في معهد دراسات حقوق الإنسان بجامعة كولومبيا. خدم كمستشار أول لوزارة الخارجية الأمريكية خلال إدارات الرؤساء كلينتون وبوش وأوباما. كتابه الأخير يحمل عنوان: “حليف غير مؤكد: تركيا تحت دكتاتورية أردوغان”.
ترجمه عن الإنجليزية: محمد عبيد الله