اعتبر الكاتب التركي إرغون باباهان، في مقال له بموقع (أحوال تركيا) أن تركيا إن لم تلجأ إلى خيار إعادة المعتقلين الأمريكان وعلى رأسهم القس الأمريكي أندرو برونسون إلى بلادهم، في إطار جدول زمني محدد، فإن الوضع “سيكون سيئًا وخطيرًا للغاية”.
لقد شبه بيرات البيرق وزير الخزانة والمالية التركية عقوبات الإدارة الأميركية الموجهة ضد تركيا بمشاجرة داخل العائلة؛ وفي اللقاء الذي أجراه وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو مع وزير الخارجية الأميركية مايكل بومبيو كان من الواضح أن الأول اتخذ موقفًا مبشراً تجاه نظيره الأميركي.
وقد أعرب الوزير الأميركي في التصريح الذي أدلى به في سنغافورة عن أمله في أن تُحل أزمة القس الأميركي أندرو برانسون في غضون بضعة أيام، وقد:
“أوضح بومبيو عقب اللقاء الذي أجراه مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا، والمعروفة اختصارًا باسم آسيان (Asean) والذي عقد في سنغافورة يوم 4 أغسطس 2018 أن الطرفين كانا متفاهمين في اللقاء، وأنه يأمل في أن يتم خلال “الأيام المقبلة” الإفراج عن الأميركيين المعتقلين في تركيا.”
وبعد أن تناقلت وكالات الأنباء هذا الخبر بفترة قصيرة تبين أن الوضع في أنقرة ليس هكذا على الإطلاق. فبالرغم من أن رئيس الجمهورية أردوغان استخدم أسلوبًا يترصد فيه ترامب في ذلك الخطاب الذي ألقاه في اجتماعه بالفروع النسائية التابعة لحزبه، إلا أنه تحدث بلهجة تعلن أنهم لن يخلوا سبيل القس الأميركي ولا العاملين في القنصلية الأميركية.
إن الخطوة الأخيرة التي خطتها أميركا فيما يتعلق بحادثة القس الأميركي أندرو برانسون الموجود في إزمير خطوة لا تليق بشريكها الاستراتيجي. فلقد أساءت الولايات المتحدة الأميركية إساءة حقيقية بحق تركيا باتخاذها تلك الخطوة الأخيرة. إن تركيا دولة قانون، وسوف تفعل ما ينص عليه القانون..
.. حسنٌ؛ فماذا سيحدث الآن؟ لقد صبرنا حتى مساء الأمس. أما الآن فإنني أصدر تعليماتي إلى السادة الرفاق. سوف نقوم بتجميد أصول أموال وزراء العدل والخارجية الأميركيين في تركيا إن وجدت.
إن كان أردوغان هكذا فهل المعارضة الرئيسة مختلفة عنه؟ إن كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي حشد مئات الآلاف من خلفه ونظم المسيرات بدعوى أن القضاء في تركيا غير مستقل وأنه لا عدالة في البلاد قد غيّر رأيه وأصبح على قناعة بأن القضاء مستقل وحر.
وهذا يعني أن أنيس بربر أوغلو نائب حزب الشعب الجمهوري وآلاف المواطنين، بما في ذلك مستشاروه، معتقلون بموجب القرارات التي أصدرها ذلك القضاء المستقل الحر. فربما نتفرق..
غير أن الأمر لا ينتهي بمجرد إعلاء الهمة، فللحياة حقائقها وواقعها. إنك لا تستطيع تغيير الأمور باتباع سياسية “إن لم تكن أميركا، فنذهب إلى الصين” كجار يذهب إلى جاره الملاصق. انظروا، سأسوق إليكم باقة من أخبار آخر 24 ساعة:
“يقول المحللون إن لم يحدث تقدم ديبلوماسي ولم يتم الإفراج عن القس الأميركي أندرو برانسون فإن تركيا تنتظرها عقوبات جديدة تفرضها عليه الولايات المتحدة الأميركية سيكون لها تأثيرات مباشرة على اقتصادها. ومن المحتمل أن تستهدف العقوبات الأميركية الجديدة الشركات المنفذة “للمشاريع المجنونة” التي تتضمن استثمارات بقيمة 200 مليار دولار بما في ذلك المطارات والجسور وافتتاح القناة الجديدة التي عقد عليها أردوغان الأمل من أجل استمرار النمو. ومن المحتمل أن تجد تلك الشركات نفسها مستبعدة من الأسواق العالمية.”
هذا هو التحليل الذي اضطرت صحيفة حرييت إلى سرعة رفعه وإزالته من على موقعها بقلق وعجلة. وفي المقالة التي كتبتها جانسو جامليبل ممثل تركيا لدى واشنطن ثمة حقيقة تتحدث عن أن الجولة الكبرى بالنسبة لبنك خلق ما زالت خفية لما تظهر بعد.
“إن البعد الذي لا يزال مجهولًا بالنسبة للرأي العام من ملف قضية بنك خلق هو: أن بنك خلق يخضع للمساءلة والتحقيق من جديد بتهمة خرقه للعقوبات المفروضة على إيران. كما أنه ليس هناك مجرد تحقيق واحد فحسب في الولايات المتحدة الأميركية هو الذي يستهدف بنك خلق، بل هناك تحقيقان جديدان يتم إجراؤهما.”
أما عطا الله يشيل أضة فقد أعرب بلغة بارعة وذكاء عن السبب الذي يجعل التوجه إلى الصين أمرًا مخالفًا للعقل فقال:
“هناك مجموعة من السيدات اللطيفات التابعات لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) أو خزانة الولايات المتحدة الأميركية تتجول في البنوك الأميركية والآسيوية، وتقول “لا تمنحوا تركيا قروضًا ائتمانية”، وتنتهي اللعبة. علاوة على ذلك فإن هذا مجرد مشهد افتتاحي للخلاف؛ فنحن نعيش اللحظات التي يجرب كل فريق فيها صاحبه. وسوف نتكهن الأمر أيضًا فيما يتعلق بالعقوبات الأميركية على إيران في نوفمبر القادم، وإلى جانب ذلك ربما هناك حاجة إلى شخصين أعرجين، وبهذا يكتمل الأمر. القساوسة كثيرون، سلّم واستلم، اكسب وكسّب… يا هذا يوجد في الصين 3 تريليون احتياطي، وعندها 40 في المائة نسبة الاقتصاد في الإنفاق، ونحن نتذلل لهذا المجنون في سبيل لا شيء بنظامنا المصرفي البالغ حجمه بضعة جرامات من الذهب.
وفي هذه الأثناء لقد تأكد مجددًا أننا تابعون ومرتبطون بالولايات المتحدة الأميركية القوية عسكريًا قوة تحظى بامتداح كبير:
“لقد تعاقدت تركيا مع باكستان من أجل 30 طائرة مروحية هجومية بقيمة 1.5 مليار دولار. إلا أنه لا يمكن إتمام بيع هذه المروحيات. السبب في ذلك هو أنه لا بد من الحصول على إذن الولايات المتحدة الأميركية.”
إننا نعيش نموذجاً غريبًا، ننهض للدخول في سباق وتحدٍ مع أكبر قوة عسكرية ومالية في العالم. وسوف يكون ثمن هذا ثقيلًا. وهناك أمل واحد متوفر ألا وهو العودة إلى الدور القديم ومبادلة القس الأميركي أندرو برانسون بــ: خاقان عطا الله؛ وإخلاء سبيل المواطنين وموظفي القنصلية الأميركية في إطار جدول زمني محدد، وإلا فإن الوضع سيكون سيئًا وخطيرًا للغاية.
من هو إرغون باباهان
إرغون باباهان صحافي تركي، درس في كلية القانون بجامعة اسطنبول بين عامي 1977 و1981. ثم أكمل التدريب المطلوب لمزاولة مهنة المحاماة في إزمير، قبل أن يعمل لفترة وجيزة في مجال القانون.
بدأ مسيرته الصحافية مراسلا لدى “يني أسير”، الصحيفة المحلية الأولى في ذلك الحين. وبعد ثلاث سنوات، انتقل إلى إسطنبول وعمل محررا ليوميتي سوز وحرييت. في عامي 1988 و1989، تلقى منحة دراسية من صندوق مارشال الألماني، والتحق ببرنامج جون نايت للصحافة المهنية في جامعة ستانفورد.
عند عودته إلى تركيا، أصبح مديرا لتحرير يومية “صباح”، الصحيفة الأكثر انتشارا حينذاك. وفي 1990 و1991، تلقى منحة دراسية من مؤسسة فورد وتم قبوله في برنامج “دراسة في عملية السياسة الخارجية الأميركية” في جامعة ماريلاند بمدينة كوليدج بارك.
بعد العودة إلى تركيا، عمل في جريدة صباح محررا ورئيسا للتحرير لسنوات طويلة. وأمضى تقريبا كل الفترة الممتدة بين 1984 و2009 في هذه المجموعة الإعلامية. وكتب أيضا أعمدة حول السياسات الداخلية والخارجية لتركيا.
متزوج، لديه طفلان ويعيش في مونتريال.