علي بولاج
عندما فقد الغرب أمله، بعد مئات السنين، في الكنيسة والأنظمة الاستبدادية التي تجمع بين يديها جميع السلطات والصلاحيات، طوّر الجيل الأول من الحقوق الأساسية التي أطلق عليها اسم “حقوق الإنسان”، ثم بعد ذلك أدرج في قوانينه حقوق الجيلين الثاني والثالث.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لا يخفى على أحد أن العالم الإسلامي يعاني من مشكلة في الحقوق، فليست الحكومات فقط، بل إن الفئات كذلك (المذاهب، الفرق، الجماعات) تنتهك حقوق بعضها البعض. وهم لا يعملون وفق شريعة دينهم، ولا يهتمون بتطبيق حقوق الإنسان التي وضعها الغرب.[/box][/one_third]لم يكن للغرب أن يبحث عن مرجعية الحقوق في الدين، ذلك أن الكنيسة، التي أصبحت مع الدين عنصرًا واحدًا، كانت جزءًا من المشكلة، ولهذا اتجه الغرب، طوعًا أو كرهًا، إلى مرجعيات علمانية (غير دينية) ،ولقد لعب المثقفون والعلماء والفلاسفة، الذين يتخذون العقل مرجعية لهم، دورًا فاعلًا في هذه المسألة. وحينها بدأت اللوبيهات (جماعات الضغط) والدول القوية، وكذلك الفئات المهمّشة التي استطاعت أن ترفع أصواتها، إضافة الجرائم والفسق والفجور في إطار “حقوق الإنسان”، وهي في الواقع – أي هذه الجرائم – تفسِد روح القانون والمبادئ الأخلاقية. ولأن نظرية الحقوق تخطّت الحدود المسموح بها، بدأت تسفر عن نتائج عكسية مضادة لهدفها.
لا يخفى على أحد أن العالم الإسلامي يعاني من مشكلة في الحقوق، فليست الحكومات فقط، بل إن الفئات كذلك (المذاهب، الفرق، الجماعات) تنتهك حقوق بعضها البعض. وهم لا يعملون وفق شريعة دينهم، ولا يهتمون بتطبيق حقوق الإنسان التي وضعها الغرب.
إن الذريعة الأساسية للثورة الكردية المسلحة في تركيا، التي تستمر منذ أربعة عقود، ترتكز إذا ما استثنينا أبعادها الإقليمية والعالمية، على ثلاث نقاط بسيطة: يقول الأكراد إن “هويتهم العرقية” تم تجاهلها في النظام السياسي – الاجتماعي وسُلب منهم حق استخدام “لغتهم الأم”. وأما ماهية الدور الذي سيلعبه “الأكراد بصفتهم القومية” في التشكيلات السياسية التي ظهرت وتطورت وستتطور، يعتبر موضوعًا مهمًا من الدرجة الثانية، غير أن الموضوع الرئيسي فيمكن جمعه في ثلاث نقاط على النحو التالي:
1 – إلغاء جميع الموانع القانونية والدستورية التي تحول دون تعبير الأكراد عن هويتهم العرقية أو القومية داخل النظام السائد في تركيا.
2- السماح للأكراد بحرية استخدام لغتهم الأم في المجالات التي يرغبون بها، وفي مقدمتها التعليم، إلى جانب اللغة التركية الرسمية للبلاد.
3 – الارتقاء بمستواهم الرفاهي إقليميًا من الناحية الإجتماعية والاقتصادية.
لو كان الحكّام المسلمون قد نجحوا في إظهار مهارة ممارسة الفكر والعمل السياسي وفق ما يمليه عليهم دينهم، لما كانت مشكلة الأكراد قد ظهرت من خلال الاعتراف بهذه الحقوق الثلاثة، ولما كنا قد شهدنا هذا القدر من البغض والعداوة بين الأقوام والأعراق المختلفة في بلادنا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن حقوق أصحاب كل لغة وعرق، وبالتالي الأقوام والمجتمعات التي تشكَّلت في الأوضاع الطبيعية، متساوية مع بعضها البعض، ولا يمكن تفضيل عرق على الآخر في الحقوق، فلكل فرد الحق في التحدث بلغته واستخدامها في كل المجالات بحرية تامة، وإن الحكومة التي تدعي أنها إسلامية تلتزم بالاعتراف بهذه الحقوق لكل قوم دون تفكير أو حساب أو حتى تفاوض، ذلك أن هذه الحقوق هي “حقوق إسلامية أساسية” ،والإسلام أو الإسلاموية ليس عبارة عن “تديّن فارغ المحتوى”.[/box][/one_third]أرى أننا لسنا بحاجة إلى البحث عن مرجعية الحقوق في الثقافة السياسية الغربية وفي خطابهم الذي تحول إلى أداة سياسية في أيدي القوى المسيطرة بمرور الوقت، فلا ريب في أن كل إنسان يقرأ القرآن الكريم ويفهمه ويؤمن بضرورة تطبيق ما فهمه من القرآن بشكل صحيح، يسلّم بهذه الحقوق الثلاثة ويدافع عنها.
إن هذه الآية القرآنية ترسم الإطار الأساسي لحقوق القوميات واللغات: “وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ” (الروم – 22). تلفت الآية الكريمة إلى أن الاختلاف بين الأعراق والأقوام والهويات بين البشر تعد إشارة ودليلًا على وجود الله سبحانه وتعالى، بالضبط كما هو الوضع بالنسبة للسماوات والأرض، فالأرض التي ينتشر بها النوع البشري، كالحديقة الغنّاء متعددة الألوان، تجد فيها جميع الأنواع البشرية المختلفة في اللون واللغة، وكما أن الله خلق أنواعا عديدة من الكائنات في السماوات والأرض، وكما أن البشر والحيوانات والنباتات تعيش على الأرض، فإن النوع البشري، الذي يمتلك ألوانًا ولغات مختلفة، قد خُلق من التراب ويعيش على التراب، إذن، اللغات والألوان هي آية من آيات الله التي تدل على وجوده وعظمته، ولهذا، فليس هناك أي فارق بين هذه الألوان واللغات، ولا يجب أن تعتبرأساسا للتفرقة، ومَن يفرّق بينها على هذا الأساس، فهو يمارس العنصرية.
لكل مجموعة من اللغات أو الأعراق خصائصها وأسماؤها وتوجهاتها الخاصة بها، غير أن هذه الخصائص ما هي إلا جواهر مادية، ولا يمكن أن تكون ذريعة مشروعة لأن تعتبر إحدى المجموعات أنها تتفوق على سائر المجموعات الأخرى، وتسعى لبسط سيطرتها ونفوذها عليهم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع النقطة الأخيرة في هذا الشأن في خطبة حجة الوداع، حيث قال: “لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى. الناس من آدم ، وآدم من تراب”.
إن حقوق أصحاب كل لغة وعرق، وبالتالي الأقوام والمجتمعات التي تشكَّلت في الأوضاع الطبيعية، متساوية مع بعضها البعض، ولا يمكن تفضيل عرق على الآخر في الحقوق، فلكل فرد الحق في التحدث بلغته واستخدامها في كل المجالات بحرية تامة، وإن الحكومة التي تدعي أنها إسلامية تلتزم بالاعتراف بهذه الحقوق لكل قوم دون تفكير أو حساب أو حتى تفاوض، ذلك أن هذه الحقوق هي “حقوق إسلامية أساسية” ،والإسلام أو الإسلاموية ليس عبارة عن “تديّن فارغ المحتوى”.