ممتاز أرتركونه
نشهد في الوقت الراهن تأسيس معادلة إقليمية جديدة في منطقة الشرق الأوسط لا تفيد معها العادات وردود الأفعال القديمة.
إن حزب العمال الكردستاني (PKK) يسعى لتعويض ألم الهزيمة التي تلقتها قواته في مدينة كوباني (عين العرب) أمام عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش)، بأحداث الشغب في تركيا، وهل سيستفيد الأكراد في كوباني شيئا إذا تحولت تركيا إلى مرجل يغلي نارًا؟ على العكس تمامًا، هم يدمرون حالة التعاطف التي تشكلت لدى المجتمع التركي عقب هجرة الأكراد والإيزيديين، وذلك من خلال طرقهم الإرهابية القديمة، ونادرًا ما تتناقض المشاعر الإنسانية مع مصالح دولة من الدول، ونحن الآن نشهد حالة نادرة من هذا التناقض في كوباني؛ إذ أن حكومة الجمهورية التركية مشغولة بالنظر إلى الأكراد على أنهم أفراد شعبها ومعاملتهم كالأتراك تماما، وهي في الوقت نفسه تعاني الأمرّين فيما يتعلق بكيفية مساعدة الأكراد في المنطقة التي أصبحت مليئة بالمعضلات، وذلك في الوقت الذي يقف فيه حزب العمال الكردستاني حجر عثرة بعدما أطلق تهديدات بإفشال مفاوضات السلام مع أنقرة وأحيا أعماله الإرهابية الجماعية في العديد من المدن الكبرى جنوب شرق تركيا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]الوسائل الأيديولوجية التي يمتلكها الكردستاني ليست مناسبة لمجابهة داعش. ونحن مازلنا في أول الطريق، ولو افترضنا القضاء على داعش، كعصابة، فإن أيديولوجيته ستحافظ على مصدر جاذبيتها التي ربما تؤثر على الأكراد بشكل أكبر من غيرهم، فداعش يمتلك أيديولوجية مذهلة وجاذبة بالنسبة للطبقات الاجتماعية المتدينة والتي لا تنتمي إلى أية جهة، فالتنظيمات التي تصبح “موضة” بين الحين والآخر تفرغ الضغط المتراكم في العالم الإسلامي.[/box][/one_third]يعتبر داعش عدوًا غير معتاد عليه بالنسبة لحزب العمال الكردستاني، وكما شهدنا، فلم تنفع تكتيكات الميليشيات التي كان يتبعها حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي في حروبهما، من قبل، ضد داعش في كوباني، ذلك أن هذه الحرب تعتبر حربًا نظامية تستخدَم فيها الإستراتيجيات والتكتيكات العسكرية النظامية بشكل صريح، فداعش تنظيم إرهابي، لكنه يشنّ هجمات استراتيجية، بحيث كانت جميع الهجمات التي نظمتها عناصره حتى اليوم موجَّهة لتحقيق أهداف عسكرية – سياسية واقتصادية محددة ومعلومة، ولهذا، فإن حزب العمال الكردستاني يعتبر “موضة قديمة” مقارنة بداعش، ويتراجع أمام الاستراتيجية العسكرية العامة التي يطبقها داعش، في حين أنه – أي الكردستاني – يطبق تكتيكات الميليشيات، التي تتناسب مع أهدافه السياسية كالوصول إلى الاستقلال وتأسيس بناء شبه سوفيتي مواز ذي حكم ذاتي داخل حدود دولة قومية.
إذن، فالوسائل الأيديولوجية التي يمتلكها الكردستاني ليست مناسبة لمجابهة داعش. ونحن مازلنا في أول الطريق ولو افترضنا القضاء على داعش، كعصابة، فإن أيديولوجيته ستحافظ على مصدر جاذبيتها التي ربما تؤثر على الأكراد بشكل أكبر من غيرهم، فداعش يمتلك أيديولوجية مذهلة وجاذبة بالنسبة للطبقات الاجتماعية المتدينة والتي لا تنتمي إلى أية جهة، فالتنظيمات التي تصبح “موضة” بين الحين والآخر تفرغ الضغط المتراكم في العالم الإسلامي. والذين لا يدركون الفروق الصغيرة، يقومون بعمل دعاية لداعش بطريقة غير مباشرة لكونهم يميلون إلى تصنيف الجميع في صف داعش، كما حدث لحزب الدعوة الحرة في الأحداث الأخيرة.
أضف إلى ذلك أن التشبيه الفظّ الذي قامت به المطربة التركية ليمان سام بين من يذبحون الأضاحي في العيد وعناصر داعش الذين يقطعون رؤوس البشر، اتخذ شكلًا أكثر سوءًا مع أولئك الذين لجأوا إلى التعميم واعتقدوا أن كل شخص ملتحٍ يدعم داعش، فما هو مستوى القدرة على التمثيل في السياسة الكردية لدى حزب العمال الكردستاني؟ ذلك التنظيم الذي يستمد العون والمدد من الهجمات العسكرية الجوية التي تشنها المقاتلات الأمريكية، والذي عمد إلى قذف الشجرة التي احتمى بظلالها من خلال أعمال الشغب الجماعية في المدن التركية، وهو بذلك ينتهج أيديولوجية تنظيمية سوفيتية على الطراز الذي كان سائدًا أيام الحرب الباردة.
إن الولايات المتحدة تحتاج بشدة إلى العنف والوحشية الذي يمارسه داعش من أجل إقناع العالم بأسره، واليوم نشهد التضحية بأكراد سوريا، كما كان الإيزيديين في السابق، من أجل البرهنة على هذا العنف وهذه الوحشية، فالأكراد يلعبون دور “المظلوم” في هذه اللعبة الكبيرة. والمنطقة تمثَّل بها المشاهد ذاتها التي عاشها أجدادنا قبل قرن من الزمان. فالغرب يتدخل من أجل إقامة نظام يتناسب مع مصالحه فقط، ولا يعنيه مصالح الأتراك أو الأكراد أو حتى العرب. وعليه، ينبغي لنا أن نتعقل ونتدبر ما يجب فعله بصفتنا سكان هذه المنطقة وأصحابها.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الولايات المتحدة تحتاج بشدة إلى العنف والوحشية الذي يمارسه داعش من أجل إقناع العالم بأسره، واليوم نشهد التضحية بأكراد سوريا، كما كان الإيزيديين في السابق، من أجل البرهنة على هذا العنف وهذه الوحشية، فالأكراد يلعبون دور “المظلوم” في هذه اللعبة الكبيرة. والمنطقة تمثَّل بها المشاهد ذاتها التي عاشها أجدادنا قبل قرن من الزمان. فالغرب يتدخل من أجل إقامة نظام يتناسب مع مصالحه فقط، ولا يعنيه مصالح الأتراك أو الأكراد أو حتى العرب.[/box][/one_third]لا شك في أن إصرار تركيا على إقامة “منطقة عازلة” وإصرار حزب العمال الكردستاني على فتح “ممر مساعدات” يعتبر بمثابة “مرآة” لنوايا الجانبين، فتركيا تسعى لتطبيق معادلة تسمح بتقديم المساعدات الإنسانية إلى الأكراد دون زيادة القوة المسلحة للكردستاني الذي لا يهتم، بدوره، بالجانب الإنساني للأزمة، حتى أنه لا يقترح أي اقتراح ضد “المنطقة العازلة وممر المساعدات”. حسنًا، ماذا ينتظرون من الحكومة التركية؟ هل يريدون تسليحًا من الدولة التي هددوها من أجل مفاوضات السلام؟
إن الأتراك والأكراد هم أكثر الشعوب التي تعاني الويلات في المنطقة التي قلبها داعش رأسًا على عقب، فداعش أراح إيران و”سوريا الأسد” بعدما أنزل الأعباء من على عاتقهم لأنه يحارب أعداء هاتين الدولتين. وفي الوقت الذي نجح فيه داعش في إطالة أعمار بعض الأنظمة العربية، بدأ بإقامة دولة مستقلة يستطيع أن يلجأ إليها الإسلاميون الراديكاليون، أما الغرب فيسعى إلى “تجديد دماء” النظام الذي أسسه في المنطقة عام 1916 اليوم، تحت ذريعة مكافحة داعش، وإتمام العملية التي بدأت باحتلال العراق عام 2003. فيما تواصل إسرائيل بناء مستوطنات يهودية جديدة على الأراضي المحتلة بصمت في هذه الضوضاء.
ربما تكون تركيا وحدها من يعاني الأمرّين بشكل واضح في المنطقة، وليس هناك أي احتمال يقول إن الأتراك أو الأكراد سيخرجون فائزين من هذه المحرقة، وتقدير الله يجبر الفريقين على التعاضد والتضامن والتكاتف يدا بيد ورأسا برأس وظهرا بظهر، كما كان الوضع قائمًا منذ ألف عام بالتمام والكمال، فكوباني هي قضية الأتراك،قبل أن تكون قضية أكراد أو بالأحرى هي قضيتنا جميعًا.