بقلم: جوست لاجيندجيك
دخلت عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) مدينة كوباني (عين العرب) الكردية المتاخمة للحدود التركية شمال سوريا، بينما كنت أكتب هذا المقال، ويبدو أن هذه المدينة، التي تعتبر آخر قلعة صامدة في وجه تقدم داعش، على وشك السقوط في القريب العاجل، على الرغم من المقاومة العنيفة للميليشات الكردية والقصف الذي نفذته المقاتلات الأمريكية صباح أمس الثلاثاء.
يحمل كثير من الناس شعورًا مخيفًا بأننا على أعتاب مشاهدة مذبحة جديدة يستعد داعش لتنفيذها في كوباني، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المجازر التي ارتكبها التنظيم الإرهابي في المدن التي احتلها، وهناك أكثر من 10 آلاف مدني محاصرين في بلدة كوباني وليس أمامهم من مفر.
لقد قُطعت خطوط الإمدادات التي تمد الأكراد بالعدة والعتاد، حيث حاصرتهم عناصر داعش من 3 جوانب. وأما الجانب الرابع المتاخم للحدود التركية فيحميه الجيش التركي بالأسلحة الثقيلة. وكانت تركيا قد سمحت بعبور ما يقرب من 180 ألف كردي سوري إلى أراضيها بعدما هربوا من بطش داعش، إلا أنها في الوقت نفسه حالت دون انخراط أكراد تركيا وسوريا في هذه الحرب، ولقد أفضى هذا الموقف المحيّر الذي يمدّ يد العون من ناحية، ومن ناحية أخرى يفرض الحرمان، إلى حدوث حالة من الغضب والإحباط لدى الأكراد في عموم المنطقة. إلا أن الصحفيين والمراقبين في المنطقة، في الوقت نفسه، يتلهّفون لمعرفة ما هي خطة اللعب التي تتبعها تركيا في هذا المقام، ولماذا لا تقصف دبابات الجيش التركي حتى قذيفة واحدة لوقف الهجمات التي يشنها داعش؟ ولقد أظهرت الصور الملتقطة لوحدات الجيش التركي وهي تقف موقف المتفرج والشاهد على قتل الأكراد، دون أن تفعل أي شيء للحيلولة دون ذلك، الأمر الذي نشر مفهوما حول تركيا في شتى بقاع العالم مفاده أن أنقرة أصبحت عنصرًا ساخرًا وصاحب مصلحة يتباطأ حتى لا يدخل في مواجهة مباشرة مع داعش حتى لو قضى آلاف الأكراد نحبهم نتيجة سياسة “انتظر وراقب ما يحدث” التي تتبعها تركيا في الوقت الراهن.
وعندما قال رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في تصريح أدلى به لقناة سي إن إن الإخبارية الأمريكية “سنبذل ما بوسعنا من جهود لتقديم المساعدة لسكان مدينة كوباني، ذلك أنهم إخواننا”، أفضى الواقع الأليم الذي تشهده الحدود التركية – السورية إلى شعور معظم الناس بالشك حيال صدق هذه التصريحات. فما هو المانع؟
أخشى أن تكون الحكومة التركية قد ارتكبت خطأ مميتًا عندما اعتبرت مخاوفها المعقولة بشأن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، ذريعة مشروعة لعدم المشاركة في الحرب على هذا التنظيم الإرهابي، مهما كلّف الأمر ، فلننظر أولًا إلى الأسباب التي يحق لأنقرة انتقادها. ولا ريب في أن تركيا كانت محقة تمامًا في دعوتها لتبنّي إستراتيجية شاملة تتضمن في الوقت ذاته مخططات لإسقاط نظام بشار الأسد بشكل نهائي، وليس القضاء على تنظيم داعش فقط. كما أن أنقرة كانت على حق عندما أصرّت على إقامة منطقة عازلة على طول حدودها مع سوريا، وضغطت على واشنطن لحظر الطيران فوق هذه المنطقة. فكانت هذه النقاط نقاطًا جيدة يلزم التفاوض مع الأمريكان حولها.
إلا أنه في الوقت نفسه كان خطأ إستراتيجيا قاتلًا أن يكون هناك ربطٌ بين هذه الظروف المحقِّة من جهة وبين الدراما التي تعيشها مدينة كوباني من جهة ثانية. وأما الخطأ الثاني والمشابه الذي نأخذه على إستراتيجية تركيا في التعاطي مع هذه الأزمة فهو ربط دعم الأكراد المحاصَرين شمال سوريا بضرورة وقوف حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، أكبر حزب كردي في سوريا، في مواجهة نظام بشار الأسد بشكل واضح، وانضمامه إلى التيار المعارض الرئيسي للجيش السوري الحر المدعوم من جانب أنقرة. كما أن هناك حججًا جيدة لنقاش تركيا هذه المسائل مع أكراد سوريا. غير أن تأجيل تركيا اتخاذ قرار تقديم أي نوع من أنواع المساعدات لمنع حدوث مجزرة في كوباني إلى أن تنجح في ابتزاز زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم من أجل الانضواء تحت لواء هذا الاتفاق، يعتبر، إذا جاز التعبير بشكل مبسط، موقفًا لا يمكن الدفاع عنه من الناحيتين الإنسانية والسياسية.
فكيف يمكنكم تبرير الوقوف موقف المتفرج أمام مجازر ترتكَب بحق أشخاص أبرياء بحجة أنكم لم تستطيعوا التوصل إلى اتفاق مع زعماء هؤلاء الأشخاص وقادتهم؟ أضف إلى ذلك، هل تعتقد أنقرة أن حزب الاتحاد الديمقراطي سيكون أكثر رغبة في الوصول إلى اتفاق معها حول مطالبها بعد تعرّض آلاف من أكراد سوريا لمجازر وحشية دون أن تحرّك تركيا ساكنًا؟ وماذا ستفعل تركيا بالحل الذي تسعى لإيجاده لقضية أكرادها، والذي مضى أجله وولّى منذ زمن بعيد؟ وهل تعتقد أنقرة حقًا أن بإمكانها مواصلة مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني (PKK) وكأن شيئًا لم يحدث في كوباني؟
أؤمن من جانبي بصحة عكس هذه التوقعات، وهو أنه إذا تدخلت الحكومة التركية لإنقاذ أكراد سوريا في كوباني وسائر المدن الأخرى من قبضة داعش، سيكون بإمكانها إقناعهم بالانضمام إلى الحرب ضد نظام بشار الأسد، واحترام الحدود الحالية بين تركيا وسوريا، وتجنبهم لشنّ الهجمات الإرهابية على أراضيها، والأمر نفسه ينطبق على التوافق مع حزب العمال الكردستاني، بحيث إنه إذا أثبتت تركيا فعلًا أن حياة الأكراد تحمل القيمة ذاتها التي تتمتع بها حياة الأتراك، كما قال داود أوغلو في وقت سابق، ستأخذ مفاوضات السلام بين أنقرة والعمال الكردستاني شكلًا أكثر جدية على أرض الواقع.