بقلم: علي يورطاجول
حظي الرئيس الإيراني حسن روحاني باهتمام كبير خلال قمة الجمعية العمومية للأمم المتحدة بنيويورك، في الوقت الذي أُلغيت فيه لقاءات المسؤولين الأتراك على هامش القمة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تدافع طهران عن فكرة “اتفاق محدود وجزئي أفضل من انسداد مسار المفاوضات”، غير أنها تشعر بالانزعاج من كون الحوار مع الغرب محدود بالملف النووي؛ إذ أن إيران ترغب في الحديث مع الغرب حول العقوبات المفروضة عليها ومشاكل المنطقة، وتريد تحقيق نوع من التطبيع في علاقاتها مع الغرب، أما الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، فلا تريد الاقتراب من فتح ملفات أخرى للحوار مع إيران دون قطع مسافة في مفاوضات ملفها النووي.[/box][/one_third]ولا شك في أن تلهف زعماء الدول الأعضاء دائمة العضوية بمجلس الأمن، مثل فرنسا وبريطانيا، للقاء روحاني كان بمثابة إشارة على اهتمامهم بمستقبل العلاقة مع طهران، والحق أن اللقاءات التي عُقدت مع الرئيس الإيراني تعتبر تطورًا إيجابيًا، حتى وإن كانت قد عُقدت بذريعة مناقشة مسألة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) ،فماذا إن لم تستمر عملية البحث عن حوار مع طهران محدودة بالنظام، وشمل هذا الحوار المجتمع الإيراني وسعيه لاحترام الديمقراطية والحقوق الأساسية؟ ذلك أن إيران لن تكون دولة قانون ديمقراطية طالما بقيت “دولة مذهبية”، كما أنها لن تستطيع تحقيق الاستقرار السياسي والسلام الداخلي. أما الشرق الأوسط فيحتاج إلى إيران مستقرة نامية، فإذا تضمن الحوار مع إيران هاتين الحقيقتين سينجح بكل تأكيد. ولنشرح ماذا نقصد:
نعرف أن العلاقات مع إيران لا تزال معقدة، وإن كنا قد شهدنا موجة من نسمات الربيع تهبّ عليها في الفترة الأخيرة، فإيران تُسحق في ظل العقوبات الاقتصادية القاسية، واستُبعدت من التحويلات المالية الدولية، وهي في حاجة إلى “تجار” مثل رضا ضرّاب، ولأن الغرب مُصرّ على مبدأ “لا يمكن الاتفاق على أي شيئ دون الاتفاق على كل شيئ” ، فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فإنه يغلق منافذ الحوار السياسي مع طهران، وحتى أن انسداد أُفق مفاوضات الملف النووي الإيراني وأزمة الثقة بين طهران والغرب تلعب دورًا محوريا في عدم جلوس الطرفين على طاولة المفاوضات لتناول خطر تنظيم داعش الذي تمثل مكافحته مصلحة مشتركة واضحة لكلا الجانبين.
إن المشكلة الأساسية في هذا الصدد مصدرها إصرار إيران على استخدام نظام تخصيب اليورانيوم القائم على أرض الواقع، ورغبتها في وضع حدود لآليات الرقابة المفروضة على هذا النظام. أما مجموعة “5+1″، الراغبة في القيام بعملية الرقابة بشكل شفاف ومنهجي، فتريد تحديد عملية تخصيب اليورانيوم بنسبة 10%، كما أن طهران لا ترحّب بمقترحات الحل التي عرضتها الولايات المتحدة، والتي تحدّ من عملية إنتاج اليورانيوم من الناحية الفنية دون التطرّق إلى عدد وحدات التخصيب (من خلال الحد من الربط الموازي للوحدات)، ولا ترغب طهران في انسداد المفاوضات التي مُد أجلها حتى نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وعقدت جميع آمالها اليوم على مرونة الغرب في عملية التفاوض، أضف إلى ذلك أن إيران تحمل في داخلها أملًا بأن تلعب قضية مكافحة داعش دورًا في “تليين” العقول الغربية فيما يتعلق بمفاوضات ملفها النووي.
وتدافع طهران عن فكرة “اتفاق محدود وجزئي أفضل من انسداد مسار المفاوضات”، غير أنها تشعر بالانزعاج من كون الحوار مع الغرب محدود بالملف النووي؛ إذ أن إيران ترغب في الحديث مع الغرب حول العقوبات المفروضة عليها ومشاكل المنطقة، وتريد تحقيق نوع من التطبيع في علاقاتها مع الغرب، أما الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، فلا تريد الاقتراب من فتح ملفات أخرى للحوار مع إيران دون قطع مسافة في مفاوضات ملفها النووي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]أهم مشكلة يجب ألا تغفَل خلال الحوار مع إيران فهي أن نظامها نظام قمعي وقائم على الكادر الثوري الضيق مثل سوريا، صحيح أن تقليد “الدولة العميقة” لم يؤدِ بإيران إلى أزمة وفوضى كما حدث في سوريا إلا أنه ما من ضمان لعدم حصول ذلك مستقبلاً ، فيما أن منطقة الشرق الأوسط في حاجة إلى إيران النامية والمستقرة والتي حققت سلامًا داخليًا وضمنت لشعبها الحقوق الأساسية.[/box][/one_third]وفي الوقت الذي يظهِر فيه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف موقفًا صلبًا في نيويورك، ويبدو وكأن بلاده تقول “طفح الكيل”، يمكننا أن نقول إن الرئيس الإيراني حاول كسب ثقة الغرب من خلال الحديث بلغة “ناعمة” ،ولم تكن صدفة أن يظهر روحاني اهتمامًا باستخدام هذه اللغة، على عكس أسلافه، خلال الكلمة المقتضبة التي ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكان روحاني قد وجّه كلمة إلى الرأي العام في الولايات المتحدة قبل يوم من انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، بصفته مدعوًا لدى مؤسسة (New America) الفكرية، وقد شدد روحاني خلال هذه الكلمة على أهمية التعاون من أجل تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بعد حل مسألة الملف النووي لبلاده، ولم يتطرّق إلى الحديث عن المشاكل، كما أعطى إشارات تفيد بأن إيران تعتبر دولة جديرة بالثقة فيما يتعلق بمكافحة تنظيم داعش الإرهابي.
تمتلك إيران فرصًا محدودة في إطار مكافحة داعش، ولا يحتاج الغرب إلى دعم عسكري أو تسليحي محتمل من طهران للقضاء على ذلك التنظيم الإرهابي، وإن لم يكن لإيران أي تأثير على داعش، فإنها ربما تكون عنصرًا مؤثرًا في تحقيق السلام والاستقرار في العراق وسوريا، وربما نشاهد في سوريا الموقف البنّاء نفسه الذي لعبته إيران في إسقاط نوري المالكي الذي كان له دور فاعل في تقسيم العراق وحصول داعش على الدعم، ويعتبر نظام بشار الأسد أحد المصادر الرئيسة لاشتداد عضد داعش في سوريا؛ إذ من الصعوبة بمكان تحقيق السلام في سوريا دون حلّ قضية الأسد، وربما تكون إيران عاملًا بنّاءً ومهمًا في هذه القضية.
أما أهم مشكلة يجب ألا تغفَل خلال الحوار مع إيران فهي أن نظامها نظام قمعي وقائم على الكادر الثوري الضيق مثل سوريا، صحيح أن تقليد “الدولة العميقة” لم يؤدِ بإيران إلى أزمة وفوضى كما حدث في سوريا إلا أنه ما من ضمان لعدم حصول ذلك مستقبلاً ، فيما أن منطقة الشرق الأوسط في حاجة إلى إيران النامية والمستقرة والتي حققت سلامًا داخليًا وضمنت لشعبها الحقوق الأساسية. ولا ريب في أن انتخاب حسن روحاني رئيسًا لإيران يعتبر خطوة صغيرة على هذا الطريق؛ إذ لا يمكن لـ”دولة مذهبية” تحكم بالقمع والعنف، أن تحقق استقرارًا أو سلامًا داخليًا أو حتى تنمية اقتصادية، ويمكن تحقيق السلام في المنطقة بترسيخ دعائم الديمقراطية في إيران، ولا يجب أن يغفل أحد عن هذه الحقائق في الحوار مع إيران، على الرغم من قضية داعش الملتهبة.
2/10/2014