التقرير: محمد عبيد الله
برلين (زمان التركية) – تبين أن الأغلبية الساحقة من الضباط والجنرالات الذين زعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنهم أقدموا على الانقلاب “خوفًا من تعرضهم للتصفية” أو “إحالتهم إلى التقاعد رغمًا عنهم”، كان سيتم ترقيتهم في اجتماع مجلس الشورى العسكري القادم لو لم يحدث ما يسمى بالانقلاب الفاشل، وذلك وفق تقرير رسمي تم إعداده بعد سنة من وقوع الانقلاب.
كان الرئيس رجب طيب أردوغان زعم في تصريحات أدلى بها ليلة الانقلاب الفاشل في 15 تموز / يوليو من عام 2016 قائلاً: “إن اتخاذ مثل هذه الخطوة (الانقلاب) قبيل عقد مجلس الشورى العسكري مطلع شهر أغسطس/ آب المقبل (2016) له دلالته؛ فالبعض توقعوا ما سيحدث في هذا الاجتماع (من تصفية)، فبادروا إلى الإقدام على مثل هذه الخطوة”، وأضاف: “هذه المحاولة لطف كبير من الله من أجل تطهير القوات المسلحة من العناصر التي من المفترض أن تكون خالية ونقية منها أصلاً”.
لماذا ينقلب على الحكومة جنرالات على وشك الترقية؟
لكن التقرير الذي أعده رئيس قسم تخطيط وإدارة شؤون الموظفين في الجيش الجنرال “نيرم بتلسيسلي أوغلو” بطلبٍ من النيابة العامة في أنقرة وتكليفٍ من رئاسة هيئة الأركان العامة في عام 2017 باعتباره “خبيرًا” في هذا الموضوع يفند تمامًا مزاعم أردوغان حول مبادرة الضباط والجنرالات المتهمين بالانتماء إلى حركة الخدمة إلى الانقلاب لمنع تصفيتهم.
ومن اللافت أن الجنرال بتلسيسلي أوغلو الذي أعد التقرير سبق أن تم حبسه في إطار قضيتي تنظيم “أرجنكون” و”المطرقة الثقيلة” الانقلابيتين، ثم خرج من السجن بفضل تعديلات قانونية أجرتها حكومة أردوغان في 2014 وعاد إلى الجيش مرة أخرى وتم ترقيته إلى رئيس قسم تخطيط وإدارة شؤون الموظفين في الجيش بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. بمعنى أنه لا يمكن لأردوغان أن يوجه إلى الجنرال بتلسيسلي أوغلو تهمة الانتماء إلى حركة الخدمة لإسقاط حجية هذا التقرير!
وورد في مذكرة اتهام النيابة العامة في أنقرة الخاصة بقيادة القوات البرية والتي تستند إلى تقرير الجنرال بتلسيسلي أوغلو ما يلي: “بعد فحص الملف الذي أعده أعضاء منظمة فتح الله كولن في الجيش حول أعمال مجلس الشورى العسكري لعام 2016 تبين أن الأغلبية الساحقة من ضباط وجنرالات هذه المنظمة المقررة ترقيتهم في اجتماع الشورى شاركوا في محاولة الانقلاب”.
وهذا يدل صراحة على أن معظم الضباط والجنرالات الذين تم اعتقالهم بتهمة مشاركتهم في الانقلاب كان من المقرر ترقيتهم إلى مناصب عليا ناهيك عن تصفيتهم، ويسقط ذلك تمامًا مزاعم أردوغان التي تقول: “البعض توقعوا ما سيحدث في هذا الاجتماع من (تصفية)، فبادروا إلى الإقدام على مثل هذه الخطوة”.
أما الزعم بأن أعضاء حركة الخدمة من الممكن أن يكونوا نفذوا الانقلاب دون أن يعلموا بقرارات ترقيتهم فباطل لا يعكس الحقيقة، ذلك لأن الجنرالات الذين أعدوا قائمة أسماء الضباط والجنرالات المزمع ترقيتهم، وفي مقدمتهم رئيس قسم تخطيط وإدارة شؤون الموظفين الجنرال “إلهان تالو” وقادة القوات البرية والجوية والبحرية، تم اعتقالهم أيضًا بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب والانتماء إلى منظمة فتح الله كولن.
انقلاب صوري لإنشاء جيش يتوافق مع مشروع أردوغان!
وليس هذا فحسب، فإن تقرير الجنرال بتلسيسلي أوغلو المقدم إلى نيابة أنقرة يكشف أن 76% من العسكريين الذين تم ترقيتهم إلى درجة جنرال في عام 2014، و78% من الذين تم ترقيتهم إلى درجة جنرال في 2015 تم تصفيتهم من الجيش بعد محاولة الانقلاب. ثم يعلق التقرير قائلاً: “لو لم تنطلق حركة التصفية الشاملة بمناسبة وقوع محاولة الانقلاب في 2016 لكان قادة جميع قوات الجيش التركي من أعضاء منظمة فتح الله كولن بحلول عام 2020 في حال اعتماد نظام الترقية الموجود”، بحسب ما ورد في صحيفة (يني عقد) الموالية لأردوغان.
هذا التقرير الذي أعده جنرالٌ لا يمكن لأحد أن يجرؤ على إلصاق تهمة الانتماء إلى منظمة فتح الله كولن به نظرًا لتعيينه بعد محاولة الانقلاب وحبسه سابقا بتهمة الانتماء إلى تنظيم أرجنكون، كما أنه يكشف صحة عكس ما يزعم أردوغان؛ إذ ليس هناك أي داع ليقْدم جنرالات يعلمون قرارات ترقيتهم ويعلمون أن كل القيادات ستكون بأيديهم بحلول عام 2020 على الانقلاب لكي يسيطروا على الجيش، كذلك يكشف أن أردوغان من دبر انقلابًا صوريًّا على حكومته مع حلفاءه من تنظيم أرجنكون الموالي للمعسكر الأوراسي والإسلاميين الموالين لإيران لتصفية الجيش التركي العضو في حلف شمال “الأطلسي” وإنشاء جيش جديد يتوافق مع أهواء هذا التحالف الثلاثي.