بقلم: مصطفى أونال
كانت تركيا، حتى الأمس القريب، مهتمة بـ”البعد الإنساني” لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) ،لكن الوضع اختلف الآن لأن الظروف تغيرت، ولا شك في أن إطلاق سراح الرهائن الأتراك في الموصل كان عاملًا مؤثرًا في هذا التحول، أضف إلى ذلك زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الولايات المتحدة؛ إذ إن تصريحاته التي أدلى بها قبل ذهابه اختلفت عن تلك التي أدلى به بعد عودته.
ركزت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة واللقاءات الثنائية التي دارت على هامشها على الحديث عن داعش، ولا يخفى على أحد ما تنتظره واشنطن من أنقرة في هذا الصدد، هذا إلى جانب أن جميع الخيارات مطروحة، بما في ذلك العملية العسكرية، فالحرب ليست بعيدة عن أراضي تركيا، بل قريبة جدًا منها.
إن أعنف الاشتباكات تقع في مدينة كوباني (عين العرب) الكردية داخل الأراضي السورية بمحاذاة الحدود التركية، لدرجة أن سكان مقاطعة سوروتش التابعة لولاية شانلي أورفا على الجانب التركي يسمعون أصوات إطلاق النار الكثيف القادم من الأراضي السورية، وإن الولايات المتحدة وحلفاءها يقصفون أهدافًا تابعة لداعش داخل الأراضي السورية والعراقية، ولا ريب في أن تركيا جزء من الحرب، فحدودها تغلي على صفيح ساخن. وكما أن هناك من يريد دخول الأراضي التركية، فهناك من يريد العبور إلى الأراضي السورية للانضمام إلى صفوف حزب العمال الكردستاني (PKK) وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) للقتال ضد داعش.
ويمثل القادمون إلى الأراضي التركية مشكلة بالنسبة لها، كما هو الوضع بالنسبة للذين يغادرون أراضيها، وينبغي لتركيا أن تضع في حساباتها نتائج الحرب ضد داعش وتأثيراتها المحتملة على المنطقة، ولاريب في أن التطلع إلى تحصيل المزيد من المصالح ربما يفقدنا ما بين أيدينا، وإن تصريحات الرئيس أردوغان تدل على أن تركيا ستلعب دورًا فاعلًا في الحرب على داعش، وكان أدلى بتصريح قال فيه إن الهجمات الجوية لن تكون كافية للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي، بل لا بد من القيام بعملية عسكرية برية لتحقيق هذا الغرض.
إذن، من سيقوم بهذه العملية العسكرية البرية؟ وقد أعلنت واشنطن أنها لن تشارك في أي عملية من هذا النوع، وأشارت إلى العناصر الإقليمية، وأول ما يتبادر إلى الذهن عند القول بالعناصر الإقليمية هو الجماعات أو المجموعات الكردية…
هل سيتمّ إخلاء الساحة للأكراد؟ أي إلى قوات البشمركة وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، وهل ستشارك تركيا هي أيضًا في العملية العسكرية البرية؟ لن يحدث هذا بشكل مفاجئ بطبيعة الحال، فسيناريو هذه العملية سهل؛ إذ إن هذه المنطقة تعمل بها الأجهزة الاستخباراتية بأريحية تامة، وليس من الصعب إيجاد الحجج التي تجر تركيا إلى وسط النيران من خلال العمليات الاستفزازية، ولاشك في أن الخيار العسكري لا يعني إطلاق الرصاص، غير أنه لا ريب في أن السيطرة على السلاح عندما تحمله بيديك صعبة للغاية.
يجب أن نرى محتوى المذكرة التي ستخوّل الحكومة صلاحية بخصوص سوريا والعراق على حد سواء، والتي من الممكن أن يوافق عليها البرلمان، لنفهم الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في الحرب على داعش. والحديث هنا عن مذكرة مزدوجة وليست أحادية، وهذا الموضوع سيشكل أجندة الأسبوع المقبل في تركيا اعتبارًا من غد؛ إذ ستحتفل تركيا بعيد الأضحى في ظل المناقشات الدائرة حول هذا الأمر.
لقد بدأ حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، الإعراب عن اعتراضه بشكل واضح، إذ صرح رئيس الحزب كمال كيليتشدار أوغلو بقوله: “لا نريد أن تتدخل القوات المسلحة التركية في أراضي دولة أخرى، كما لا نرغب أن نكون عنصرًا من عناصر الحرب الساخنة”.
ومن المعروف أن هناك احتمالية كبيرة تشير إلى أن الجيش التركي ربما يقوم بعملية عسكرية على الجانب الآخر من الحدود إذا ما تمت الموافقة على إحدى المذكرتين المعروضتين على البرلمان، وإن المنطقة “العازلة” أو “الآمنة” ستكون داخل الأراضي السورية وليست على الأراضي التركية، وهذه هي أطروحة تركيا، غير أن هذه الأطروحة لم تحصل على دعم المجتمع الدولي حتى الآن، وكانت الولايات المتحدة أعلنت أن إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية لا تندرج ضمن أولوياتها، ومن الصعب جدًا أن تنجح تركيا في القيام بهذه المهمة دون قرار من الأمم المتحدة ودعم من واشنطن، وحينها سيقع على عاتق الجيش التركي “تأمين” المنطقة العازلة المحتملة، وهذا يتطلب مذكرة من البرلمان التركي، ويمكن أن نفسر تصريحات زعيم المعارضة التركية كيلتشدار أوغلو على أنها بمثابة “لا” في وجه هذه المذكرة من الآن. وليس من الصعب أن نخمن أن المذكرة الأخرى لن تقول “الحرب” صراحةً، وستتضمن هذه المذكرة وجوب استعداد الجيش التركي لمواجهة أي احتمال ممكن.
وفي الوقت الذي يتصرف فيه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو بحذر، نجد أن الرئيس أردوغان يؤيد فكرة الحرب، ولا يمكنني ألا أواصل كلامي من دون الإشارة إلى المذكرة التي ناقشها البرلمان التركي قبيل الحرب على العراق في مارس/ آذار 2003 ،وكان أردوغان، الذي كان وقتها قد تولى رئاسة حزب العدالة والتنمية، متقدمًا بخطوة عن حكومته، وكان من أكثر المتحمّسين للموافقة على المذكرة. أما داود أوغلو، الذي كان مستشارًا آنذاك، فكان ضد هذه المذكرة، ولم يكن من السهل أن يوافق حزب العدالة والتنمية على مذكرة تتضمن في الوقت نفسه الخيار العسكري، ولا شك في أن نواب الحزب في البرلمان سيفكرون كثيرًا قبل أن يوافقوا على المشاركة في حرب محتملة ضد داعش في صف الولايات المتحدة. أما وضع النواب الأكراد فمثير؛ إذ إنهم في الوقت الذي كانوا فيه قريبين من رفض مذكرة مارس 2003، فإنهم هذه المرة قريبون من الموافقة على المذكرة لقتال داعش.
هل هناك خطر في هذا التصويت الذي سيجري في البرلمان؟ لا، ليس هناك أي خطر، وسيوافق البرلمان على هذه المذكرة، ولا يجب على أحد أن ينتظر شيئًا كالذي حدث قبل 11 عامًا، غير أنه من الواضح أن نواب حزب العدالة والتنمية لن يكونوا مرتاحين أبدًا.