علي بولاج
نشاهد موجات الغضب الشعبي والأزمات المتعاقبةتزداد باستمرار في بعض الدول ذات الأزمات المتراكمة متأثرة بتنظيم القاعدة الذي ظهر بداية في قلب أفغانستان.
ولو ألقينا نظرة، عن كثب، على التنظيمات المنبثقة عن القاعدة كداعش في العراق والنصرة في سوريا والشباب في الصومال وبوكوحرام في نيجيريا، لرأينا تقاربًا كبيرًا بينهم على الرغم من التفاوتات بينهم، ونرى بين المنتسبين إلى داعش شابًا آذريًا انتسب إليها بسبب المضايقة من أجل لحيته، وشابًا إنجليزيا فضل القتال على العيش في عالم يسوده الفسق وآخر فرنسيًا كما نرى آخرين مسلمين وغير مسلمين ينضمون إلى صفوف القاعدة وداعش.
وكل هذه التنظيمات تقريبا يعتنق السلفية المتشددة في فهم الإسلام، وهذا الفهم الراديكالي هو الأكثر تشددًا في التاريخ، وهو لا يعترف بالرأي الآخر، ولذلك فهو مرتع لنشوء ردات فعل ضد العنف الجاري في عالمنا هذا.
إن هذه التنظيمات لها رد فعل على الانتقادات البناءة ذات المعيار الإسلامي، النظريات الاجتماعية تبنى على أسس الكشف عن العوامل الظاهرة والمؤثرة التي أدت إلى وقوع الحوادث، ولكون هذه التنظيمات ليست ذات منشأ إلهي يجب النظر إلى الأرضية التي نشأت عليها.
العالم الإسلامي يعيش تحت سيطرة الغرب عسكريًا واقتصاديًا واجتماعيا وسياسيا منذ ما يزيد على 200 عام، فالاحتلال والهجمات والانقلابات والأنظمة الديكتاتورية لا تنتهي، وفي مطلع القرن 21 تم احتلال أفغانستان من قبل روسيا ثم من قبل أمريكا بدعوى الحروب الصليبية، وقد قُتل في أفغانستان 3.6 مليون شخص وفي العراق 1.2 مليون شخص، ويعاني 7 ملايين شخص من عاهات مستديمة في أفغانستان التي يبلغ عدد سكانها 35 مليون نسمة، كما قتلت إسرائيل 2300 فلسطيني في غزة ربعهم من الأطفال، واستخدمت مختلف الأسلحة الحديثة في قصف أماكنهم السكنية وجعلتها أثرًا بعد عين، وتجاوز عدد القتلى في سوريا 200 ألف منذ أمد بعيد، وكان الغرب دعم المعارضة في البداية ثم تخلى عنها وتركت سوريا مستسلمة لقدرها، وأصبح أكثر من ربع السكان لاجئين في الخارج، بل لم يبق هناك دولة اسمها سوريا، مع أنه ليس هناك دولة شرق أوسطية أو أفريقية إلا ويتدخل الغرب فيها كليبيا واليمن ولبنان والسودان.
ولو أن المطالب الشعبية بالتغيير، التي بدأت في تونس ومصر حافظت على طابعها المدني، ولو أن الغرب لم يحمِ الدكتاتوريين والأنظمة المستبدة لربما حدث التغيير بشكل سليم، ولكنه لم يسمح بذلك، والتنظيمات التي تصول وتجول في المناطق التي تسودها الفوضى والاشتباكات والانتهاكات ليست تنظيمات معتدلة بل تنظيمات متطرفة تستخدم العنف في أبشع صوره، وهذا هو قانون نيوتن الشهير، وكان من الممكن أن يغيِّر المسلمون المعتدلون المتمسكون بالأصول، هذا القانون، ولكن مع الأسف لا يظهر مسلمون يفكرون بشكل سليم في هذا الجو المرضي.
في الوقت نفسه، فإن الظلم والانحلال الأخلاقي يجعلان ردة الفعل غير سليمة، فإذا كانت الديمقراطيات لا تمنع من حدوث الفساد واستغلال المناصب، وإذا كان أهل العلم والأخلاق ورواد الفكر يرضون بذلك فسيظهر تنظيم كداعش ليقسم أنه سيقطع أيدي السارقين.
ومنذ فترة خطب رئيس الرهبان في إحدى الكنائس الأرثوذكسية في روسيا “ديمتري سميرنوف” قائلاً إنه لم يعد لدى العالم النصراني شيءٌ يقدمه للعالم الإسلامي، وشدد على أن الشباب المسلمين يحاربون النظام العالمي المنحل وهم محقون في ذلك.
فبحسب الراهب فإن العالم النصراني يبث الشرور والانحلال الإخلاقي في العالم، وتواجه الشعوب التي تعيش في ظل الدول النصرانية انحدارًا شديدًا في الأخلاق، وقال الراهب سميرنوف: “الشباب المسلمون لا يريدون أن يقرأوا أخباراً عن طلاق مشاهير العالم النصراني ورجوعهم إلى بيت الزوجية للمرة الثامنة أو الزواج للمرة السادسة عشرة، وهم محقون في موقفهم هذا، فالعائلة إحدى أهم الركائز في الإسلام وهؤلاء الشباب لا يريدون انهيارها، ولذلك هم يحاربون الغرب، والمسلمون الذين يحاربون الغرب ليسوا إرهابيين هبطوا من الجبال، بل أصحاب مبادئ محقة جدًا وأصحاب شهادات دراسية عالية، ويحترمون النبي عيسى، عليه السلام، أكثر من النصارى أنفسهم”.
نعم إن ردات الفعل خاطئة، ولكن إذا لم تكن هناك عدالة فليس هناك سلام، وإذا لم تكن هناك حقوق فليس هناك عدالة، وإذا لم تكن هناك أخلاق فليست هناك حقوق، وإن لم تكن هناك أخلاق فسيجري الكثير من الحديث حول الدين، لكن الدين سيكون مفرغًا من محتواه، فردة الفعل من جنس الفعل ذاته.