بقلم: ممتاز أرتركونه
يتضاءل يوماً بعد يوم عدد صور الرئيس التركي الجديد رجب طيب أردوغان، التي تظهره كسياسي “حازم وعاطفي”، في الصفحات الأولى من الصحف المحلية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن استبداد أردوغان هو حالة استثنائية محصورة في الفترة ما بين عامي 2011 – 2013. ولقد تفكك النظام الذي أسسه عقب اندلاع شرارة التحقيق في قضية الفساد والرشوة يوم 17 ديسمبر / كانون الأول الماضي، ولم يعد يقف أمامنا بصفته طاغية توسعيًا، بل إن من يقف أمامنا الآن ما هو إلا حارس قلعة يحمي أو يحاول أن يحمى نفسه والمحيطين به. اعتمد على مخاوف المجتمع، وبادر إلى تحصين جدران قلعته من خلال إذكاء نيران عدم الاستقرار بواسطة وهم “الكيان الموازي” ومطاردة الساحرات. [/box][/one_third]والحال نفسه ينسحب على مدة ظهوره على شاشات التليفزيون. وكان شيء قد لفت انتباهي بينما كنت أتفحص مجموعة أسبوعية لإحدى الصحف في دولة من دول آسيا الوسطى قبل سنوات. كانت الصفحة الأولى من هذه الصحف تفرد مكانًا لصور مختلفة لرئيس الدولة بالأبعاد نفسها والمكان عينه دائمًا. وقد شرح مسؤول الجريدة هذه الوضعية بقوله “لا يمكننا أن نغير مكان الصورة أو أبعادها، حيث إنهم من يختارون الصور التي ننشرها”. هل كان من الممكن أن يحدث ذلك في تركيا؟ من يعلم؟ فهذا معيار مناسب لأولئك الذين يفكرون وفق المعطيات الملموسة. ويجب أن نفسر أفول نجم صورة أردوغان من وسائل الإعلام بشكل سريع على أن الخطر بدأ يتراجع وتنحسر موجاته.
إن استبداد أردوغان هو حالة استثنائية محصورة في الفترة ما بين عامي 2011 – 2013. ولقد تفكك النظام الذي أسسه عقب اندلاع شرارة التحقيق في قضية الفساد والرشوة يوم 17 ديسمبر / كانون الأول الماضي، ولم يعد يقف أمامنا بصفته طاغية توسعيًا، بل إن من يقف أمامنا الآن ما هو إلا حارس قلعة يحمي أو يحاول أن يحمى نفسه والمحيطين به. اعتمد على مخاوف المجتمع، وبادر إلى تحصين جدران قلعته من خلال إذكاء نيران عدم الاستقرار بواسطة وهم “الكيان الموازي” ومطاردة الساحرات. وتحول بصورة طبيعية إلى سياسيّ مشاكس لا يتصالح مع أحد، ويستقطب المجتمع والأطياف السياسية، ولا يفرز إلا عداوة. فقد أساء بسمعته أيما إساءة. إن الصلابة والليونة كلاهما شيء نسبي وتنتجهما الظروف. ولكن أوليس سؤالكم “بما أن سبب هذه العداوة هو “التنصّتات” فلماذا يتمّ غضّ الطرف عن تنصّت ألمانيا على تركيا؟” كفيلاً بالكشف عن اصطناعية هذه الصلابة وتكتيكية هذه المناورة.
إن السياسة تعني من ناحيةٍ الصراعَ والاشتباك، ومن ناحية أخرى تعني التفاوض والتصالح. ولقد أسس حزب العدالة والتنمية التوازن بين الصرامة واللين الذي يحلّ هذا التناقض من خلال الأدوار التي تبادلها كل من عبد الله جول ورجب طيب أردوغان حتى عام 2011. وكانت فترة تولي جول للرئاسة قد مهّدت أرضية خصبة مناسبة جدًا لهذه القوة الناعمة. وكان يجب أن يؤسَس هذا التوازن من جديد حتى يستطيع حزب العدالة والتنمية أن يواصل وجوده وثقله من الناحية المؤسساتية. ويمكن أن تعتبروا المركز القوي الجديد الذي يتمتع به أحمد داود أوغلو، كرئيس للوزراء، هو نهاية لمرحلة “الرجل الأوحد” واستمرار دور جول الموازِن هذه المرة مع رؤساء وزراء جدد. وعلى الرغم من أن منصب رئيس الجمهورية بوضعه الحالي لا يتناسب كثيرًا مع هذا الدور، إلا أن ادعاءات إرساء النظام الرئاسي والتدخل في عمل الحكومة سيقدّم لأردوغان الأدوات اللازمة للاستمرار في دوره بصفته “الرجل القوي الصلب”، وفي هذه الحالة يفتَح أمام داود أوغلو مجالٌ أخلاه أردوغان بشكل حتمي، وبالتالي يستطيع رئيس الوزراء الجديد أن يشكّل كاريزميته الشخصية في هذا المجال بصفته قوة ناعمة وتصالحية ومتوازنة. كما أن داود أوغلو ليس مضطرًا لبدء حرب دفاعية جديدة في سبيل كفاح “الكيان الموازي”، فيكفيه حمايته للقلعة المؤتمَن عليها.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن مشروع مدارس الأئمة والخطباء الذي تنفذه الدولة لا يهدف لتلبية احتياج التعليم الديني للمجتمع، بل يوسّع نطاق السلطة الاجتماعية للدولة. فالتديّن المؤمَّم لا يخدم المجتمع، بل يخدم النظام الاستبدادي الذي يسعى لاحتكار السلطة. كما أن أي مجال تتدخل فيه السياسة هو مجال للسيطرة بالنسبة للنظام الاستبدادي. هذا فضلًا عن أن الشمولية والأيديولوجيات الاستبدادية التي تتدخل في الحياة الشخصية للأفراد ما أُوجدت إلا لتشكيل سلطة محتكرة للحكم.[/box][/one_third]ثمة فرصة جديدة للتصالح واللين على مستوى السياسة الداخلية مع تولي داود أوغلو رئاسة الوزراء. وسيستغل داود أوغلو هذه الفرصة. كما ستظهر إشارة، محدِّدة للغاية، في الإدارة الاقتصادية للبلاد. فالظروف التي أجبرت أردوغان على اختيار داود أوغلو لخلافته، ستجبر الحكومة الجديدة على اختيار علي باباجان لتولي الملف الاقتصادي. ويعتبر باباجان طوق نجاة ذا قيمة كبيرة بالنسبة للاقتصاد الذي أصبح على حافة الخطر.
هل كان يمكن أن يكون داود أوغلو هو خليفة أردوغان إن لم تكن فضيحة الفساد والرشوة قد ظهرت نهاية العام الماضي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإن الشخصيات ستلعب أدوارها في مستقبل هذه المسرحية حسب الظروف الحقيقية، فقد حاول أردوغان تأسيس حكم ديكتاتوري، فلم يفلح، غير أن هناك إرثًا واسع النطاق في هذا الصدد انتقل إلى خلفه داود أوغلو. وتزيد النزعة الاستبدادية بشكل تلقائي ثِقل الدولة في المجتمع والاقتصاد. وإن زيادة حصة القطاع العام في الاقتصاد وتدخل الدولة بشكل مستفز في المجال الاجتماعي يمنح المستبدين أدوات جديدة للتدخل في شؤون المجتمع.
وعلى سبيل المثال فإن مشروع مدارس الأئمة والخطباء الذي تنفذه الدولة لا يهدف لتلبية احتياج التعليم الديني للمجتمع، بل يوسّع نطاق السلطة الاجتماعية للدولة. فالتديّن المؤمَّم لا يخدم المجتمع، بل يخدم النظام الاستبدادي الذي يسعى لاحتكار السلطة. كما أن أي مجال تتدخل فيه السياسة هو مجال للسيطرة بالنسبة للنظام الاستبدادي. هذا فضلًا عن أن الشمولية والأيديولوجيات الاستبدادية التي تتدخل في الحياة الشخصية للأفراد ما أُوجدت إلا لتشكيل سلطة محتكرة للحكم.
والآن لنوجّه سؤالنا بشكل مبسّط. هل ستتوسّع الدولة في الاقتصاد والمجتمع أم سيتضاءل نفوذها؟ وهل سينتعش المجال الحيوي للديمقراطية في تركيا؟ وإن ما يمكن أن يميز مرحلة داود أوغلو هو فقط الإجابات على هذه الأسئلة. كما ستبدأ عملية “تليين السياسة” كذلك من خلال الإجابات على هذه الأسئلة.
صحيفة” زمان” التركية