بقلم: سيفجي أكارتشجمه
لم يشعر الرأي العام التركي بالقلق تجاه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، إلا منذ فترة وجيزة، بعد أن تم احتجاز المواطنين الأتراك نحو 50 شخصًا من مواطنيها في مدينة الموصل شمال العراق من قبل التنظيم.
أما الرأي العام الغربي فيشعر بهذا القلق منذ أن بدأ التحاق بعض المقاتلين من بلادهم بصفوف التنظيم .
ويبدو أنه حتى إدارك أن عدد الأتراك المنضمين إلى صفوف داعش ليس بالقليل، لم يدفعنا لدق ناقوس الخطر وتوعية مجتمعنا بهذا الخطر الداهم، وربما شعرنا بالقلق والخوف من أن يتعرض مواطنونا المحتجزين لدى داعش لعمليات قتل وقطع للرؤوس كما فعل عناصر التنظيم مع بعض الأشخاص بطريقة وحشية يندى لها الجبين ، وبدأت تظهر علينا أمارات الانفعال. غير أنه، وبالرغم من قرب هذه التنظيمات الإرهابية مثل داعش من الأراضي التركية إلى درجة التماس فإن أحدًا لم يدرك تمامًا حجم الخطر الذي يمكن أن يلحق بنا وبمفهوم الإسلام على المستوى العالمي. وفي الوقت الذي يعرّف رئيس الوزراء التركي الجديد أحمد داود أوغلو تنظيم داعش على أنه رد فعل وإظهاره له على أنه يمكن فهمه، فكيف ننتظر من الشعب أن يدرك أبعاد هذا التهديد الخطير؟!
تكبر نظرة العالم إلى تركيا يومًا بعد يوم – للأسف – على أنها داعمة لتنظيم داعش لأسباب عديدة نذكر منها أنها على سبيل المثال تغضّ الطرف – على أقل تقدير – عن فعاليات هذا التنظيم، وأنها أصبحت نقطة عبور للمقاتلين القادمين من الدول الغربية. وفي الوقت الذي يقول فيه الإعلام الغربي إن تركيا بدأت تحصد ما زرعت، وإنها تقاتل اليوم داعش الذي كانت تدعمه في وقت من الأوقات كتكتيك لتحقيق أهدافها، نجد أن حتى منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية تطلب من أوروبا تزويدها بالسلاح لقتال داعش.
كتبت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن تركيا بدأت الصراع مع داعش، وإن كان متأخرًا، غير أن صحيفة” ذي جارديان” البريطانية قالت في خبر نشرته الأحد الماضي إن تركيا لا تزال طريق العبور الوحيد لعناصر داعش.
وتشير كل التحليلات تقريبًا إلى أن تركيا صمّت أذنيها عن سماع التحذيرات التي تلقتها بخصوص داعش، وفي الواقع، كان برلماني تركي ينتسب إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم وينحدر من ولاية ديار بكر، جنوب شرق تركيا، أوضح في يونيو/ حزيران الماضي أن الحزب لم يستطع إدراك تهديد داعش الذي من الممكن أن يشن هجمات إرهابية في أية لحظة على تركيا التي أصبحت “دولة المرتدّين عن أديانهم”، إلا أن أحدًا لا يعلم مدى رد الفعل الذي لقيه هذا التصريح الخطير.
إن النقطة الخطيرة التي أريد أن ألفت انتباهكم إليها هي التعاطف الذي يشعر به البعض داخل تركيا إزاء التنظيمات الإرهابية مثل داعش، فعندما نددت عبر حسابي على موقع التواصل الاجتماعي” تويتر” بمشهد ذبح الصحفي الأمريكي على يد داعش في العراق، وقلت إن أحدًا لا يضر بالإسلام أكثر من هذا الشخص، رد عليّ أحد مستخدمي تويتر من الذين يبدو من حسابه أنه شخص عادي بقوله: “هل تستكثرون قتل صحفي أمريكي في حين يقتَل الآلاف من إخواننا الفلسطينيين؟”، الأمر الذي أصابني بالدهشة والحيرة. وبينما فكرت في كيفية أن يبرر أحدهم تصرفات داعش الوحشية بهذا الشكل، تلقيت سؤالاً من أحد الأجانب حول مدى الدعم الذي يتلقاه داعش داخل تركيا، فبدأت أبحث وأجمع المعلومات حول هذا الموضوع، ولم أرَ سوى دراسة واحدة بالأرقام أجراها مركز متروبول للدراسات الإستراتيجية والاجتماعية، تشير إلى أن نسبة المواطنين الأتراك الذين يقولون إن داعش تنظيم إرهابي تبلغ 70.7%، فيما أن نسبة الذين ينكرون ذلك 11.3%، فيما تبلغ نسبة الذين ليست لديهم فكرة حول الموضوع فهي 18%.
وفي الوقت الذي تبلغ فيه نسبة الذين يعتبرون التنظيم إرهابيًا بين ناخبي حزب العدالة والتنمية 62.5%، نجد أن هذه النسبة ترتفع بين ناخبي حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية إلى 81%. والأمر المثير في هذه الدراسة هو أنه على الرغم من استهداف داعش للأكراد في المنطقة، فإن نسبة الذين اعتبروه تنظيمًا إرهابيًا بين أنصار حزبي السلام والديمقراطية والشعوب الديمقراطية تبلغ 59% فقط.
وفي الوقت الذي تبلغ فيه نسبة الذين يقولون إن داعش تشكّل في تركيا 51.2 %، فإن نسبة الذين يؤمنون بأن التنظيم يمكن أن يشن هجمات إرهابية على تركيا تبلغ 48.8%. ولا أحد يعرف ما إذا كانت هذه الدراسة تشهد زيادة في عدد الواصفين لداعش بالتنظيم الإرهابي بعد انتشار المقاطع المصورة التي تظهر عناصره تقطع الرؤوس. لكنني أرى أن نسبة 11.3% من المواطنين الأتراك الذين لا يصفون هذا التنظيم بالإرهابي كافية لأن نشعر بالخوف والهلع.
ينبغي من الآن إجراء دراسة حول أسباب التعاطف الذي يلقاه داعش في تركيا، ويجب اتخاذ التدابير اللازمة في هذا السياق. يجب أن يزيد عدد المنددين في العالم الإسلامي بممارسات هؤلاء الوحشيين الذين يزعمون أنهم يقاتلون باسم الإسلام.
إن مسألة انتشار الفهم الخاطئ بشأن أن الجهاد في الإسلام يعني قطع الرقاب بالسيوف أثبتت مرة أخرى كيف أن الوصول إلى الناس بالعلم والمعرفة والمعاملة الحسنة، كما تفعل حركة الخدمة، يلعب دورًا محوريًا في إظهار الصورة الصحيحة للإسلام. ولنفترض ولو للحظة صدق الفكرة التي تقول إن داعش مخطط غربي يهدف لهدم الإسلام. حسنًا، لماذا من يسقطون في هذا الفخ دائمًا يكونون مسلمين؟ إن تنظيم داعش سمٌّ يضر بالإسلام، ويجب أن يستخرَج ترياقه أيضًا من الإسلام…