بقلم: جوست لاجيندجيك
في الوقت الذي ركز فيه الإعلام التركي والعالمي بالكامل على موضوع الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) ،والدور الذي ستلعبه تركيا في هذا الحرب، أثارني خبر لمحته في وسائل الإعلام التركية يتحدث عن شيء مختلف تمامًا.
لقد طوّر أكاديميون وطلاب من جامعة إسطنبول سيارة تعمل بالكهرباء وأطلقوا عليها اسم (T-1)، وطافوا بها ست مدن في رحلة قطعوا خلالها 2500 كيلومتر، وحصل مطوِّرو هذه السيارة على المركز الأول في مسابقة أقامها المعهد القومي للأبحاث العلمية والتكنولوجية في تركيا (TÜBİTAK) ،وتستطيع هذه السيارة أن تسير لمسافة 500 كيلومتر بعد أن تشحن بالكهرباء لمدة أربع ساعات، لتستهلك في هذه الرحلة كهرباء بقيمة 7.5 ليرة تركية (3.35 دولار أمريكي) ،أما السيارة العادية فتستهلك لقطع المسافة ذاتها وقودًا بقيمة 200 ليرة (89.5 دولار).
وقد وصفت صحيفة” ديلي صباح” التركية الناطقة باللغة الإنجليزية هذه السيارة الكهربائية بـ”الثورية” ،وإذا استطاعت شركة تركية أن تنتج سيارة تعمل بالطاقة الكهربائية بإمكانها منافسة السيارات العادية من حيث الأسعار وتتفوق عليها في استهلاك الوقود، لأصبح هذا الحدث نقطة تحول بالنسبة لتركيا، والخبر السعيد في هذا الصدد هو أن تركيا تسير في طريقها نحو تحقيق هذا الهدف، والخبر الحزين هو أنها لم تحقّقه بعدُ.
كشفت شركة (DMA) التركية التابعة لعملاق صناعة السيارات الياباني تويوتا، مطلع العام الماضي، النقاب عن أول سيارة تعمل بالطاقة الكهربائية في تركيا، وكانت المشكلة هي أن أغلب أجزاء السيارة لم تصمم أو تصنع في تركيا، وأن العمر الافتراضي لبطارية السيارة قليل نسبيًا، والأهم من ذلك أن السيارة كانت باهظة الثمن؛ إذ كان سعرها يبلغ 120 ألف ليرة (53.5 ألف دولار).
كانت شركة الأبحاث التكنولوجية التركية (BEGLER AŞ)، التي تتخذ من مدينة إسكيشهير مركزًا لأنشطتها، قد أعلنت في يناير/ كانون الثاني الماضي أنها ستعرض أول سيارة تعمل بالطاقة الكهربائية في تركيا في النصف الأول من عام 2017 ،وكانت هذه السيارة مشروعًا تولاه مجلس الأبحاث العلمية والتكنولوجية (TÜBİTAK)، وكان هناك تعاون بين أكاديميين من جامعات مختلفة مع شركة كبيرة تعمل في مجال صناعة السيارات، وكانت الأجزاء الرئيسة من السيارة ستُصنع في تركيا، وكان ستباع في حدود 60 ألف ليرة (27 ألف دولار).
إن هذا التنافس من أجل عرض أول سيارة تعمل بالطاقة الكهربائية “تركية الصنع” في الأسواق لتكون عامل جذب تجاريا، يعتبر نتيجة لسياسة تنتهجها الحكومة التركية بشكل واضح وجليّ؛ إذ تعتمد هذه السياسة على السعي ليكون لتركيا حضور قوي ومؤثر في هذا المجال الجديد الذي شكلته السيارات الذكية صديقة البيئة، وهذا هو سبب إنفاق وزارة العلوم والصناعة والتكنولوجيا في تركيا طاقة وأموالاً كثيرة من أجل تشجيع الجامعات والشركات المحلية على إنتاج سيارة تعمل بالطاقة الكهربائية، تستطيع منافسة السيارات اليابانية والكورية الجنوبية الرائجة في السوق حاليًا، ويحظى المشروع بدعم الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يرغب في الإعلان عن “أول سيارة محلية الصنع”، ويفضل أن تعمل بالطاقة الكهربائية، قبيل الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة عام 2023.
إن بذل الجهد من أجل إنتاج سيارات صديقة للبيئة، ذات أسعار معقولة، ليس عبارة فقط عن مسألة نابعة من المنافسة في مجال صناعة السيارات على المستوى العالمي وتحقيق فخر قومي للدولة المصنعة، فيبدو أن هناك عدداً متزايداً من المسؤولين في أنقرة يفهمون أن من النتائج الأساسية لتخلف تركيا في مجال مكافحة التغيرات المناخية وخفض نسب الانبعاثات الكربونية هو زيادة عدد السيارات التي تعمل بالوقود العادي ونسب التلوث الذي تتسبب به، وإلى جانب العديد من الأشياء الأخرى التي يجب القيام بها من أجل الاستعداد لبناء اقتصاد يعتمد على نسب الكربون المنخفضة، يمكن أن تكون عملية إنتاج سيارة تعمل بالكهرباء بالإمكانيات المحلية وبأسعار معقولة بادرة عهد جديد حقيقي في تركيا.
وفي نهاية المطاف، تدرك الحكومة التركية ما يلي: يمكن أن تسهم عملية تقوية سياسات كفاءة استخدام الطاقة في توفير عشرات المليارات من الدولارات من فاتورة تركيا السنوية من استيراد الطاقة التي تبلغ 65 مليار دولار، ولا شك في أن أكبر الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع عجز الميزان التجاري في تركيا هو الأموال الطائلة المنفقَة على استيراد النفط والغاز الطبيعي من الخارج، حيث أن هذا الأمر يعرّض تركيا لأن تكون دولة ضعيفة أمام عدم الاستقرار والعنف الذي يصيب الدول الأساسية التي تستورد منها مصادر طاقتها.
ولنقل هذا مرة ثانية: لم تصل تركيا إلى هذه المرحلة بعد، غير أنه لا ريب في أن إنتاج سيارة تعمل بالطاقة الكهربائية يمتلك إمكانية تحديث الاقتصاد التركي والارتقاء به، ودعم الحكومة في مكافحتها للتغير المناخي، وتقليل اعتمادها على الخارج لتوفير مصادر طاقتها.