بقلم: لاله كمال
إن سياسة تصفير المشاكل مع دول الجوار التي انتهجتها تركيا كانت صحيحة، تلك السياسة التي وضع أسسها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من تسلّم منصب رئيس الوزراء من رجب طيب أردوغان الذي انتخب بدوره رئيسًا للجمهورية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لقد تحمست الشعوب العربية إزاء سياسة التقارب مع أنقرة التي تطمح لدخول الاتحاد الأوروبي، نادي الديمقراطية، وكانت الأنظمة العربية ترى تركيا دولة محايدة، بالرغم من نظرتها إليها بنظرة شك وريبة، لكن أنقرة نجحت في كسب احترام الجميع بفضل مواقفها الفعّالة ومبادرات الوساطة التي شاركت بها.[/box][/one_third]وبفضل هذه السياسة انكسرت العقلية التي كانت توظِّف العلاقات العدائية مع الجيران في سبيل تعزيز قواها داخل تركيا وهي تتغنى بعبارة “ليس للتركيّ صديق غير التركيّ”. وعلى سبيل المثال بدأت تركيا تجني ثمار نجاح علاقتها بجيرانها في الشرق الأوسط، بحيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين من 7 مليارات دولار عام 2002 إلى 57 مليار دولار عام 2013. كما انعكس الاسترخاء النفسي الذي وفّره التصالح بشكل إيجابي على العلاقات السياسية والاجتماعية أيضًا.
لقد تحمست الشعوب العربية إزاء سياسة التقارب مع أنقرة التي تطمح لدخول الاتحاد الأوروبي، نادي الديمقراطية، وكانت الأنظمة العربية ترى تركيا دولة محايدة، بالرغم من نظرتها إليها بنظرة شك وريبة، لكن أنقرة نجحت في كسب احترام الجميع بفضل مواقفها الفعّالة ومبادرات الوساطة التي شاركت بها.
بيد أن سياسة تصفير المشاكل مع دول الجوار التي كانت تركيا قد انتهجتها في السنوات القليلة الماضية تحولت اليوم إلى مشاكل متعددة تتغذى على الثقة الزائدة بالنفس والكبر والغرور بعدما اندلعت شرارات ثورات الربيع العربي وانتشر اعتقاد خاطئ يقول إن “الديمقراطية في طريقها نحو المنطقة، وتركيا ستكون زعيمة هذه الحركة التغييرية”.
لقد شمّرت تركيا عن ساعديها لتولّي مهام القيادة السنّية في المنطقة، وركّزت على التفرقة المذهبية، حتى إن هناك اتهامات خطيرة تشير إلى أن أنقرة قدمت الدعم التسليحي واللوجستي إلى المقاتلين الراديكاليين الذين يحاربون في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات. وقد فقدت تركيا حيادها، ووصلت بهذه السياسات الخاطئة إلى القمة عندما دخلت في عداوة – للأسف – مع مصر التي تعتبر من أهم ركائز إقرار السلام في الشرق الأوسط.
ومع أن انتقاد وصول المشير عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في مصر عبر انقلاب عسكري موقف سليم ومطلوب، إلا أن إشارة رابعة، التي تمثل جماعة الإخوان المسلمين، التي يشير بها أردوغان باستمرار، تحوِّلت إلى سياسة تخاطر بالمصالح القومية لتركيا.
إن دول الخليج العربي، التي لا يمتلك معظمها جيوشًا، تعرف أنه “إذا كانت مصر ليست آمنة فهي أيضًا لن تشعر بالأمان”. واليوم، لم تعد أي دولة من دول الخليج الغنية صديقة لتركيا، باستثناء قطر.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]سياسة تصفير المشاكل مع دول الجوار التي كانت تركيا قد انتهجتها في السنوات القليلة الماضية تحولت اليوم إلى مشاكل متعددة تتغذى على الثقة الزائدة بالنفس والكبر والغرور بعدما اندلعت شرارات ثورات الربيع العربي وانتشر اعتقاد خاطئ يقول إن “الديمقراطية في طريقها نحو المنطقة، وتركيا ستكون زعيمة هذه الحركة التغييرية”.[/box][/one_third]وعلى عكس ما هو معتقد، فإن العرب ليسوا ممتنين لتدهور العلاقات التركية – الإسرائيلية في الوقت الراهن، وذلك بعدما كانت أنقرة تنتهج سياسة متوازنة في علاقتها بتل أبيب مكّنتها حتى من الوساطة بين هذه الأخيرة ودمشق.
كان أردوغان قد قال في خطابه الذي أعلن فيه ترشيح داود أوغلو لتولي منصب رئيس الوزراء قبل يومين “إن داود أوغلو، الذي يولي الاهتمام الأكبر بالبعد الوجداني في السياسة الخارجية، سيدافع عن تركيا على المستويين القومي والدولي بشكل أقوى”.
إن هذه العبارة تحمل إشكاليات في وجهيها؛ فعلى سبيل المثال في الوقت الذي يموت فيه الناس في مظاهرات متنزه جيزي بارك في إسطنبول بسبب استخدام الشرطة القوة المفرطة، ويصفع فيه أحد مستشاري رئيس الوزراء مواطنًا من أقارب من فقدوا حياتهم في كارثة منجم سوما في تركيا، ألا يمثل التأكيد على الضمير والدعوة إلى الوجدان إزاء المعاملة السيئة المشهودة في الدول الأخرى تعارضًا وتناقضًا صارخًا؟!
أما الجانب الإشكالي الآخر لمسألة الجانب الوجداني فهو عدم انتهاج أنقرة اليوم سياسات خارجية تهتم بالجانب الإنساني، وفي الوقت ذاته، لا تضر بالمصالح القومية لتركيا.
تواجه تركيا حاليًا المعاملة المستترة بالمثل من الدول العربية كنتيجة لسياساتها الخارجية الخاطئة.
توقفت إقامة المنتدى التركي – العربي منذ عام 2012 كرد فعل على السياسات التي انتهجتها أنقرة، سرًا وعلانية، وفسرها كثيرون على أنها منحازة لطرف على حساب طرف، لا سيما في الأزمة المصرية. أما الجامعة العربية، التي تتولّى فيها تركيا دور الدولة المراقب، فتفكر في إغلاق مكتبها التمثيلي الذي افتتحته في أنقرة عام 2010. وبالتالي فإن العلاقات التجارية أيضًا صارت عرضةً للخطر.
وفي نهاية المطاف أصبح انعكاس الاستبداد الداخلي للحكومة التركية على السياسة الخارجية فشلًا ذريعًا يضاهي ما تعيشه تركيا داخليًا.
لقد حوّل داود أوغلو مسألة تصفير المشاكل مع دول الجوار إلى مشكلة متعددة الجوانب. وسننظر هل سيشعر، بصفته رئيسًا للوزراء خلفًا لأردوغان، هو وخليفته الذي سيختاره لتولّي حقيبة وزارة الخارجية، بالحاجة إلى تغيير سياسات تركيا الخارجية أم ماذا؟
صحيفة” زمان” التركية