بقلم: أحمد توران ألكان
استلم المرشح الجديد لمنصب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو ترِكة مثقلة بالديون في السياسة الخارجية من سلفه رجب طيب أردوغان، لكن هذه التركة ليست غريبة عليه؛ إذ كانت في جيبه الأيمن ونقلها إلى جيبه الأيسر.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لم يكن اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) منتشرًا إلى هذه الدرجة حتى ثلاثة أشهر مضت، أما الآن فهذا التنظيم بدأ يتولّى دورًا يتميز بتغيير توازنات منطقة الشرق الأوسط من خلال سياسة قتالية سريعة ومذهلة تذكرنا بالدور الذي لعبه الخوارج في قديم الزمان، وتبديل المعطيات على الأرض، ورفع بعض العناصر والسماح بارتقائها.[/box][/one_third]وكان داود أوغلو قد أفاد في خطاب العرفان الذي ألقاه بمناسبة ترشحه لتولي رئاسة الوزراء أن أولويته الأولى في حكومته الجديدة ستكون مكافحة “الكيان الموازي”، وهو ما يحمل معانٍ كثيرة من هذه الناحية. إن هذا “الكيان الموازي”، المزعوم، عدو أليف ومستأنس لا يعترض ولا يحتج حتى بفرقعة بالون، وليس بالألعاب النارية. في حين أنه يتعرض لشتى صنوف التنكيل والأذى والاحتقار في مختلف الصحف ووسائل الإعلام المؤيدة لحكومة حزب العدالة والتنمية. ويمكن أن تقدم وسائل الإعلام الكثير من الأخبار، التي يكون أغلبها فارغ المحتوى، إلى الرأي العام لتعطيه انطباعًا عن أن الدولة تكافح هذا الكيان. غير أن الوضع يختلف تمامًا فيما يتعلق بتعامل الحكومة التركية مع الأوضاع الملتهبة على حدودها الجنوبية!
لم يكن اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) منتشرًا إلى هذه الدرجة حتى ثلاثة أشهر مضت، أما الآن فهذا التنظيم بدأ يتولّى دورًا يتميز بتغيير توازنات منطقة الشرق الأوسط من خلال سياسة قتالية سريعة ومذهلة تذكرنا بالدور الذي لعبه الخوارج في قديم الزمان، وتبديل المعطيات على الأرض، ورفع بعض العناصر والسماح بارتقائها. ولنلخص معًا بإيجاز التطورات التي تسبب بها تنظيم داعش في الشرق الأوسط بشكل سريع ومدهش للغاية:
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية فعالياتها العسكرية من جديد في المنطقة بهدف تقديم المساعدات الإنسانية إلى اليزيديين والأكراد المدنيين في مدينتي سنجار ومخمور بمحافظة نينوى شمال العراق. وبادرت واشنطن إلى تولي المسؤولية من أجل حماية قوات البشمركة الكردية والجيش العراقي المركزي (!) وفي هذه الأثناء تعمد البعض أن يجعل التركمان القاطنين في مدن الموصل وكركوك وتلعفر وسنجار غير قادرين عن الدفاع عن أنفسهم، الأمر الذي جعلهم هدفًا سائغًا أمام داعش، فارتكب ضدهم المجازر وهجّرهم من مدنهم وقراهم.
وبينما الأمر كذلك، سيطرت البشمركة على كركوك التي لم تكتسب صفة الكيان المستقل بعد. وعليه، بدأت أمنية بارزاني، التي تقول “كركوك هي قدس الأكراد”، تتحقق فجأة على أرض الواقع! واضطر تركمان العراق إلى الشرود عن مدار السياسة التركية، ودُفعوا دفعًا للانضواء تحت حماية بغداد، أو بالأحرى تحت حماية طهران بشكل أكبر. تضاءل نفوذ إيران في المنطقة، وانسحب من المشهد السياسي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي ترعاه طهران وموسكو. وقد مُهدت ، بفضل داعش، الأرضية لشق “ممر كردي” يربط شمال العراق شرقًا بسواحل البحر الأبيض المتوسط غربًا، أي ما يعني اتحاد أراضي كردستان الشرقية والغربية. وللأسف نسي الضمير العالمي ما ترتكبه إسرائيل من مجازر وحشية في قطاع غزة بسبب المذابح الفظيعة التي يرتكبها هؤلاء الجلّادون من أصحاب المظهر الإسلامي، وما هم إلا خوارج جدد (حتى إنه يمكن وصفهم بالحشّاشين، فمن أراد أن يعرف الحشّاشين الحقيقيين فلينظر إلى داعش وأفعاله). ولقد أصبح هذا التنظيم الإرهابي نوعًا من المحفزات لحملة إهداء قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الواقعة تحت سيطرة الولايات المتحدة، الأسلحة الثقيلة إلى إدارة مسعود بارزاني شمال العراق، وحتى إلى حزب العمال الكردستاني، تحت مسمى المساعدات العاجلة إلى قوات البشمركة.
وفي نهاية المطاف، أصبحت أكثر عمليات داعش بروزا في المنطقة هي إخراج تركيا من معادلة المنطقة، لا سيما بعدما تأكد فشل أنقرة بسبب الإستراتيجيات الخاطئة التي انتهجتها في التعامل مع الأزمتين السورية والمصرية. وهل هناك داعٍ للتذكير بذلك؟ لقد فقدت تركيا تأثيرها ولم تبدِ أي رد فعل حقيقي إزاء احتجاز داعش نحو 50 من رعاياها في القنصلية العامة التركية في الموصل.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]أصبحت أكثر عمليات داعش بروزا في المنطقة هي إخراج تركيا من معادلة المنطقة، لا سيما بعدما تأكد فشل أنقرة بسبب الإستراتيجيات الخاطئة التي انتهجتها في التعامل مع الأزمتين السورية والمصرية. وهل هناك داعٍ للتذكير بذلك؟ لقد فقدت تركيا تأثيرها ولم تبدِ أي رد فعل حقيقي إزاء احتجاز داعش نحو 50 من رعاياها في القنصلية العامة التركية في الموصل.[/box][/one_third]لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون تنظيم داعش، حديث الظهور، هو الذي يخطط ويدبر لهذا الكم من الإستراتيجيات. وإلا فهل داعش هو “شركة المقاولات” التي تولت تنفيذ مخطط تقسيم العراق لثلاثة أجزاء كما ردد ذلك البعض مرات عديدة؟ وهل يعني إجبار هؤلاء الحشّاشين الجدد (داعش) حتى قوات البشمركة الشهيرة على التراجع ليترَكوهم يفعلون ما يحلو لهم في مناطق شاسعة مفتوحة أمامهم، أن هذا يصب في مصلحة خدمة أمن إسرائيل في المنطقة؟ وهل الكلمات الرنانة مثل “الخلافة السنّية”، التي يطرب لها الإسلاميون المحدثون، تشبه قطعة الجبن الرومي الفاتحة للشهية التي توضع أمام باب استراتيجية تسمى “عش الدبور” التي أعلنتها بعض دول حلف الناتو قبل عشر سنوات؟ وهل الصور التي تظهر أبوبكر البغدادي، الذي أعلنه داعش خليفة للمسلمين، مع السيناتور الأمريكي ماكين مفبركة؟ وإذا كانت الصورة صحيحة، فما هي هذه اللعبة؟
والسؤال الأخير: ما هي القوة التي باتت تركيا رهينة لها ومحكومة بها في المنطقة الحدودية الجنوبية؟ هل هي (YPG)، الجناح المسلّح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، امتداد حزب العمال الكردستاني في سوريا؟ أم داعش؟ هذه المعادلة تضم الجميع دون استثناء: الولايات المتحدة، ألمانيا، بريطانيا، إيران، إسرائيل، روسيا، بشار الأسد، جبهة النصرة، الجيش السوري الحر، حزب العمال الكردستاني، مسعود بارزاني، وحتى داعش!
إن رئيس الوزراء الجديد داود أوغلو محق فيما يعتقد، فمكافحة الكيان الموازي الوهمي يبدو أنه أسهل من إعادة تركيا إلى طريقها من جديد لتكون قوة إقليمية…
وماذا عسانا أن نقول، نتمنى له النجاح والتوفيق!
صحيفة” زمان” التركية