بقلم: سيف الدين جورسَل
تتواصل التوقعات بشأن تشكيل الحكومة التركية الجديدة، وينشغل الرأي العام بالشخصية التي ستتسلم منصب رئيس الوزراء خلفا لرجب طيب أردوغان، أما المتخصصون في المجال الاقتصادي فمنشغلون بمسألة وجود نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الشؤون الاقتصادية علي باباجان في الحكومة الجديدة من عدمه. وأتوقع أن الإدارة الاقتصادية في تركيا ستتغير في المرحلة المقبلة. وكنت قد سردت آرائي في مقالي بعنوان” خطر أزمة مصنوعة محليا ” الذي نُشر الأسبوع الماضي حول الرياح التي هبّت على السياسة النقدية لحكومة حزب العدالة والتنمية في الأشهر القليلة الماضية.
ينحاز باباجان وإدارة البنك المركزي إلى مواصلة سياسة “النمو المتوازن” الحالية، ويعرفون جيدًا أن الاقتصاد التركي يعاني من نقطتي ضعف جسيمتين، هما: عجز الحساب الجاري وارتفاع معدل التضخم، ويحاولان اتخاذ سياسات تخفف من وطأة هاتين المعضلتين، ولا بد من أن يواصل صافي الصادرات الإسهام بشكل إيجابي في النمو الاقتصادي من أجل إمكانية استمرار خفض نسبة العجز المرتفعة في الحساب الجاري، الذي يدور حاليا في حدود 7%، وليس هناك ما يجعلنا نأمل كثيرا في الفترة المقبلة في زيادة الصادرات بشكل كبير بسبب الأحداث التي يشهدها العراق، ومؤشرات الركود الاقتصادي في أوروبا، لذا، ينبغي السيطرة على الواردات قدر المستطاع، وعليه، يجب أن نتحكم في الطلب المحلي، كما أن هذه السيطرة مهمة جدًا من أجل تقليل معدل التضخم المرتفع الذي تخطى نسبة 9%، هذا فضلًا عن أن الصراع مع التضخم يحتم علينا اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون ارتفاع معدلات صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة التركية.
حازت السياسة النقدية للحكومة على أهمية كبيرة للغاية في ظل هذه الظروف، وتشير مؤشرات السوق إلى أن نسبة الفوائد تفوق 9%، أما فوائد البنك المركزي فنسبتها 8.25%. فيما تنخفض فوائد القروض، وفي الواقع، هناك انتعاشة قريبة جدًا فضلا على التوافق مع “النمو المتوازن” في الطلب المحلي. لكن حتى ذلك لا يطمئن اللوبي السلبي في الحكومة المعروف بلوبي الفائدة الحقيقية ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي أعلن أنه سيوجه السياسة الاقتصادية للبلاد، وأمر قائلًا: “يجب أن تنخفض نسبة الفائدة”بالرغم من انتخابه رئيسًا للجمهورية، ، يطلب انتعاش الطلب المحلي في أسرع وقت ممكن، وكما قلت سابقًا، فإن أردوغان محق في ذلك.
يتراجع نمو الاقتصاد التركي بسبب تضاؤل السوق العراقي بسرعة كبيرة وعلامات الركود في الاقتصاد الأوروبي، وكان مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التابع لجامعة بهشه شهير بإسطنبول نشر، الخميس الماضي، تقريرًا حول التوقعات الاقتصادية، حيث خفض توقع النمو الاقتصادي السنوي للنصف الثاني من العام الجاري من 3.4 إلى 3.1%. ويؤكد معدل البطالة في شهر مايو / آيار الماضي، الذي أعلن عنه الجمعة الماضية، الركود الاقتصادي في النصف الثاني من العام الجاري.
وبحسب المعطيات المجردة عن التأثيرات الموسمية، تراجع معدل التوظيف في قطاع الإنشاءات بواقع 45 ألف شخص، وفي القطاع الصناعي بمعدل 9 آلاف شخص مقارنة بشهر أبريل/ نيسان، وعندما لم تستطع الزيادة التي طرأت على التشغيل في مجال الخدمات من تعويض هذا الانخفاض، رفعت القوى العاملة المستمرة في الزيادة، نسبة البطالة من 9.2 إلى 9.5%.
إن هذه الأوضاع تجعل من المستحيل حصول حزب العدالة والتنمية على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية التي ستجري بعد 9 أشهر على أقصى تقدير، وهي الحصول على 300 مقعد فما فوق، الذي يمكنهم من الفوز في حالة استفتاء عام وهو ما يهدفونه ويحتاجونه بشدة.
وفي ظل هذه الظروف، من المنطقي جدًا أن تأتي إدارة اقتصادية في الحكومة الجديدة لتطبيق السياسة النقدية التي يتبناها ويدافع عنها الرئيس الجديد أردوغان، هذا إضافة إلى أن عملية خفض الفوائد أكثر تتطلب تغييرا في إدارة البنك المركزي كذلك. ولا أتوقع أن يتولى نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الشؤون الاقتصادية علي باباجان أو رئيس البنك المركزي أردم باشجي مسؤولية تغيير جذري يخاطر بالموازنات الاقتصادية الكبرى التي تعاني أصلًا من مشاكل كبيرة.
لا أستطيع أن أخمن متى وكيف ستتحول السياسات النقدية للحكومة التركية بشكل جذري. غير أنني أرى أن هذا التغيير محتوم، وكنت قد نبهت لما يمكن أن يحدث إذا خُفضت الفوائد، المنخفضة في الأساس، في مقالي الذي حمل اسم ” خطر أزمة مصنوعة محليا “، وكان دورموش يلماظ، الرئيس السابق للبنك المركزي والمستشار الاقتصادي للرئيس المنتهية ولايته عبد الله جول، قد أفصح عن رؤى مشابهة كثيرا لوجهة النظر هذه في حديث أجراه معه الصحفي وهاب مونيار من صحيفة” حرييّت”.
وقال يلماظ إن الذين يضغطون على الفوائد ربما ينسون الأزمة الاقتصادية التي مرت بها تركيا عام 1994، مضيفًا بقوله: “دعوهم يلعبون بالفوائد كما يحلو لهم دون مراعاة التوازنات حتى يروا نتيجة ذلك بعد 3 أشهر، ذلك أنهم لا يؤمنون بشيء قبل أن يروه”.
صحيفة” زمان” التركية