بقلم: علي أونال
كنت قد كتبت في عمودي هذا بتاريخ 21 ديسمبر/ كانون الأول 2009 ما يلي باختصار:
“افتتح أكبر عدد من دورات تحفيظ القرآن الكريم ومدارس وثانويات الأئمة والخطباء في تركيا في الفترات التي تولى فيها سليمان ديميريل السلطة، كما شهد المجتمع التركي أكثر موجات التدين في فترة تولي المرحوم تورجوت أوزال منصبي رئاسة الوزراء والجمهورية، وكانت معارضة الطبقة المتدينة للحكومات اليمينية منذ البداية يجعلها يقظة دائمًا في طريق الإسلام، ولم تكن الدنيوية وتبدل الحال قد وجدا لنفسيها طريقًا نحو هذه الطبقة، كانت البنية الأسرية أكثر تماسكًا، وكانت التقاليد المبنية على “المعروف” أكثر صلابة..كانت الحياة في تلك الأيام أكثر بساطة، وكانت استطلاعات الرأي العام تبين أن نسبة الراغبين في تطبيق الشريعة الإسلامية في تركيا 19% من إجمالي السكان. وكان ما تبثه القنوات التليفزيونية أكثر تهذيبًا.
ولم يكن الزنا والمثلية الجنسية وغير ذلك من التصرفات والتوجهات قد احتمت بدرع “الحقوق والحريات الشخصية” بعد. وكان حجاب الطبقة المحافظة إسلاميًا حجابًا حقيقيًا، وكانت وسائل الإعلام المملوكة لهذه الطبقة تتجنب حتى نشر صور نساء غير محجبات، ولم تكن تلقِ بالًا لأخبار النجوم.
استهدف انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997 الأوساط الإسلامية. وأظهرت الأوامر الإلهية التي تقول “مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ” (آل عمران – 179) نفسها بكل كامل في عهد حزب العدالة والتنمية، أما الآن فتشير التقارير إلى أن المجتمع يشهد 100 ألف حالة ولادة لأطفال غير شرعيين سنويًا، ووقوع 350 حالة طلاق يوميًا، وانخفاض سن إدمان الكحول والمخدرات إلى 10 سنوات، ناهيك عن تدخين السجائر أصلًا، وأصبح كل شكل من أشكال الحياة المخالفة للقواعد الإسلامية يندرج تحت غطاء “الحقوق والحريات الشخصية”.
وتراجعت نسبة الراغبين في تطبيق الشريعة خلال 7 – 8 سنوات إلى 9%… وعلى الرغم من كل هذا، هناك من يتحدث ويكتب باستمرار عن زيادة التدين في تركيا. وعليه، فإن كذبة زيادة التدين في المجتمع التركي وتصديق الحكومة والطبقات المحافظة لها ليعتبر فخًا وتهديًا وخطرًا على بلدنا”.
كانت توجد نسخة من القرآن الكريم، أول من أمس، فوق منضدة في غرفة جمعية بناء المساجد في إحدى القرى الجديدة في أنقرة، وبجانبها نسخة من صحيفة” تقويم” مفتوحة على الصفحة الأولى، وهي صحيفة تنشر أخبارًا بذيئة ويرأسها صهر رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وكان ذلك مشهدًا ذا مغزى يشرح حزب العدالة والتنمية وتدينه.
في العام نفسه الذي نشر فيه مقالي الذي أوردت جزءًا منه أعلاه، قال لي أحد أصدقائي من الصحفيين أثق بملاحظاته “إن المسلمين وأغلب الجماعات الدينية في تركيا قد تلوثوا، أما جماعة الأستاذ فتح الله كولن فلا تزال تحافظ على خصائصها بشكل كبير”، ويجب أن نبحث بين هذه الكلمات عن إجابات لأسئلة من قبيل “لماذا صارت الجماعة وحيدة؟” و”لماذا تتعرض الجماعة لهجوم حزب العدالة والتنمية من كل جانب؟”.
ذلك أن هناك عداوة في طبيعة الكفر للإيمان، وفي طبيعة النفاق للإخلاص والصدق، وفي طبيعة الفسق للحياة الدينية السليمة، وفي طبيعة الظلم للعدل، وفي طبيعة الوقاحة للأخلاق، وفي طبيعة القذارة للنظافة، وفي طبيعة السرقة والفساد للحق.
وثانيًا، أوضح لي أحد الأصدقاء قائلًا: “عندما سألت إدارة حزب العدالة والتنمية أحد الأشخاص الذين تثق بهم حول مدى نجاح مشروع افتتاح مدارس تركية في الخارج بواسطة وكالة التعاون والتنسيق (TİKA) على وجه الخصوص، أجاب بقوله: “افتحوا هذه المدارس إذا وجدتم من يعمل بها من خريجي جامعة بوغازجي بإسطنبول مقابل 150 دولارًا شهريًا”.
إن الصدق والإخلاص والتضحية والتوفيق الإلهي الذي تتمتع بها حركة” الخدمة” يزعج كثيرًا أولئك الذين لا يطبقون الدين إلا في سبيل مصالحهم ومنافعهم، ويزعمون أنهم يخدمون هذا الدين دون أن يهاجروا في سبيل الله ولا ينفقون أكثر من زكواتهم، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، إن حركة الخدمة، التي يدرس بمؤسساتها التعليمية آلاف الأطفال الذين سلّمهم أولياء أمورهم (من حزب العدالة) إليها وهم مطمئنين لأنهم لن يخونوهم حتى لو خانوا أنفسهم، تضج مضاجعهم بالرغم من كل شيء.
والآن نجد أنهم يستمسكون بالاتهامات التي يوجهها رئيس الوزراء الحالي – السابق (؟) أردوغان إلى حركة الخدمة في سبيل الحفاظ على راحة ضمائرهم، وينتظرون بفارغ الصبر الإجهاز على الحركة. فلينتظروا، وبكل تأكيد هناك آخرون ينتظرون أيضًا!