بقلم: سلجوق جولطاشلي
قبل سنوات مضت لم تكن ولاية بنسلفانيا الأمريكية قد أصبحت الولاية الثانية والثمانين لتركيا بعد، ولم تكن مكانًا “لطيفًا” من وطننا يعرفه الأتراك جيدًا، نلتُ آنذاك شرف حضور إحدى محاضرات الأستاذ فتح الله كولن بينما كنت أزوره.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كنت قد أعربت في مقالي الأسبوع الماضي عن رغبتي في أن أؤمن بصدق أردوغان فيما قاله في خطابه الجماهيري ، بالرغم من تبخر جميع آمالي ، وتمنيت ألا يخذلنا هذه المرة، ولكن عاد أردوغان لأسلوبه المعروف بالتهديد والوعيد حتى قبل أن يجف حبر التعليقات التي قام بها البعض على خطابه الذي ألقاه أمام أنصاره عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية، ولم يتوانَ أردوغان عن تنفيذ طلباتنا الطائشة بأن خذلنا على الفور.[/box][/one_third]كانت تلك الأيام التي اعتقل فيها يوجَل أشكين، عميد جامعة يوزونجو ييل في ولاية فان شرق تركيا، إثر ادعاء مشاركته في عمليات تهريب الآثار التاريخية. وكان في جعبتنا رؤى سلبية حول أشكين في الأيام الخطيرة لتلك الفترة، ذلك أنه كان يتبع منهجًا علمانيًا معارضًا للحزب الحاكم. وأخبر أحد الأصدقاء الحاضرين في محاضرة الأستاذ كولن، انطلاقًا من الأحداث التي تشهدها جامعة يوزونجو ييل، بأن ثمة ادعاءات مفادها أن أشكين ينحدر من أصل أرميني.
قطّب الأستاذ كولن حاجبيه قليلًا، وقال إنه عندما كان طفلًا صغيرًا كانت تعيش في قريته امرأة عجوز طاعنة في السن، وكانت صوّامة قوّامة، وكان جميع سكان القرية يحترمونها، وكانت جبهتها تحمل أثر السجود. وأخبرنا بأن هذه العجوز كانت تتكلم قليلًا جدًا، حيث كانت تقضي معظم أوقاتها في الذكر والعبادة، وأوضح أنها كانت ذات أصول أرمينية.
وأضاف مفسرًا: “لا يجب التفريق بين سكان هذه الأرض، ولقد مر بأراضي الأناضول أقوام كثيرة، منهم من أقام بها، ومنهم من رحل عنها. وتصنيف الناس على أساس هوياتهم العرقية أمر خطير ومقياس ظالم”، ولنذكّر المتعطشين لاستغلال هذه الكلمات في هيئة “أن الأرميني المقبول لدى الأستاذ كولن هو الأرميني المهتدي”، لنذكّرهم بكلام الأستاذ كولن الذي قاله يوم 7 أغسطس / آب الجاري: “إذا كنتم تنحدرون من العرق التركي على سبيل المثال، فبإمكانكم الافتخار بذلك، فكل إنسان له الحق في الافتخار بالأمة التي ينتسب لها، غير أن ذلك لا يستلزم أبدًا أن يحتقر الآخرين”.
لقد أضاف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي تعدى كل الحدود في الهجوم على الأستاذ كولن، مادة جديدة إلى قائمة الإهانات والافتراءات التي يستخدمها في حملاته الانتخابية؛ إذ أنه في إحدى جولاته بولاية ديار بكر جنوب شرق تركيا قال إن الأستاذ كولن عنصري. وكان ذلك يوم 26 يوليو / تموز الماضي. كما شارك يوم 5 أغسطس/ آب الجاري في برنامج حواري تليفزيوني كان واضحًا للعيان أنه لن يتلقّى خلاله أسئلة صعبة بأي حال، وأفاد بكلمات موجزة كيف أن الانتساب إلى العرق الأرميني يعتبر ذلًا كبيرًا، حيث قال: “ظهر علينا أحدهم بالعقلية نفسها يقول إنه جورجي، وآخر يقول أكثر قذارة من هذا أنه أرميني”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لا ينتج أردوغان أي سياسة تنم عن محاسبة النفس وعن المواجهة في العديد من القضايا والمسائل التي عانت منها تركيا على مر عقود، بدءًا من مسألة الأكراد إلى القضية الأرمينية، ومن جزيرة هيبلي إلى الأقليات، ومن العنصرية إلى معاداة السامية. وهو يستخدم الأدوات المحصّنة لسلطته بحسب الحاجة.[/box][/one_third]ولا تنسوا أن أردوغان نفسه كان قد قدم تعزية يوم 24 أبريل / نيسان الماضي إلى الأرمن ممن فقدوا حياتهم في أحداث عام 1915 المؤسفة. وفي الوقت الذي يعرف الجميع فيه ما كان يقصد أردوغان بكلماته عن الأرمن، بينما كان قد فتح عهدًا جديدًا بتقديمه العزاء لهم، أما تأويل ما قاله أردوغان عن الأرمن فمتروك لأصدقائنا الأرمن الموالين له.
كنت قد أعربت في مقالي الأسبوع الماضي عن رغبتي في أن أؤمن بصدق أردوغان فيما قاله في خطابه الجماهيري ، بالرغم من تبخر جميع آمالي ، وتمنيت ألا يخذلنا هذه المرة، ولقد عاد أردوغان لأسلوبه المعروف بالتهديد والوعيد حتى قبل أن يجف حبر التعليقات التي قام بها البعض على خطابه الذي ألقاه أمام أنصاره عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية، ولم يتوانَ أردوغان عن إخجالنا، وقد خذلنا على الفور.
أمامنا الآن مشهد متبلور على النحو التالي: لا ينتج أردوغان أي سياسة تنم عن محاسبة النفس وعن المواجهة في العديد من القضايا والمسائل التي عانت منها تركيا على مر عقود بدءًا من مسألة الأكراد إلى القضية الأرمينية، ومن جزيرة هيبلي إلى الأقليات، ومن العنصرية إلى معاداة السامية. وهو يستخدم الأدوات المحصّنة لسلطته بحسب الحاجة، وإلا كيف سنوضح إقدامه على تقديم وعد بصياغة دستور جديد حتى خلال حملته الدعائية في الانتخابات الرئاسية؟