بقلم: سوجي أكارجشمه
عادت مسألة الحجاب لتشغل الرأي العام في تركيا من جديد بعدما قررت الحكومة إلغاء حظره في المدارس الحكومية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] أعتبر أن من يمنع فتاة من أن ترتدي الحجاب عندما تبلغ سن المراهقة لإيمانها بهذا كفرض ديني، أعتبره ضغطًا يمارس بغير وجه حق، لا سيما وأنه ليس للحظر المفروض على الفتيات في المرحلة الثانوية وجه حق يمكن الدفاع عنه في العالم الحديث، ولا شك في أن رغبة الإنسان في أن يكون متدينًا يعد خيارا خاصا، كما هو الحال بالنسبة لمن لا يريد أن يكون كذلك، وفي الوقت الذي يُعدّ فرض الأسرة على البنات الحجاب بالقوة أمراً غير مقبول، أفلا يعد ما هو عكس ذلك من اضطهاد المحجبات ومطالبتهن بنزعه أمرًا غير مقبول؟[/box][/one_third]ومن الصعب أن نتناول هذه المسألة في هذه المساحة المحدودة المخصصة لي من قبل جريدتنا، لا سيما وأن مسألة الحجاب شغلت تركيا على مدار سنوات وكأنها مصدر توتر، أما السبب الأساسي لصعوبة تناول هذا الموضوع فهو أن المجتمع التركي غير قادر على إجراء نقاش صحيّ في المسائل ذات الصلة بالدين، فعندما يتعلق موضوع النقاش بالدين مثل الخمر أو الحجاب، فإن العقول “المقولبة” والمصمّمة بدافع الخوف من الاتهام بالرجعية، وكذلك المتعرضون للشيطنة والإقصاء خلال هذه العملية، يفشلون في الخروج من “الانقسامات العقلية الفئوية” التي شكّلوها بأيديهم.
لقد حاولتُ دائمًا أن أوضح أن مفهوم العلمانية في تركيا معوج، بصفتي امرأة لديها أفراد عائلة عانت الأمرّين من حظر الحجاب غير المبرَّر وقررت تقبل التضييقات المفروضة على المحجبات في مجال العمل، وسعيتُ لأن أوضح أن العقلية التي تجبر النساء على نزع الحجاب عن رؤوسهن لا تختلف عن العقلية الإيرانية التي فرضت الحجاب على النساء بالقوة، ولو كانت أعين الناس في تركيا قد تعودت على رؤية النساء والفتيات المحجبات في الشوارع والمؤسسات المختلفة بعدما عانين الكثير من التفرقة، فإن عملية “التطبيع” في هذا الصدد لم تكتمل بعدُ، فهل كنا نرى في تركيا حتى سنوات مضت المحجبات يظهرن في المسلسلات التليفزيونية أو الإعلانات على الرغم من تواجدهن في المجتمع بشكل مكثف؟ لقد عوملت فئة المحجبات في تركيا كأنها غير موجودة من الأساس، الأمر الذي كلف تركيا الكثير. على سبيل المثال لا يمكنكم أن تروا فتاة محجبة تعمل في متجر أو مطعم فاخر، وكانت واقعة تعيين مراسلة محجبة في مجموعة دوغان الإعلامية حادثة استثنائية لدرجة أن وسائل الإعلام صنعت منها مادة إعلامية تداولتها فيما بينها، ولقد حُكم على جزء من المتدينين أن ينتسبوا إلى هويات مقسمة من خلال قلق الصورة الموجودة في الأحياء الأخرى، وربما قرر العديد من النساء التنازل عن الحجاب حتى لا يعاملن معاملة المواطنات من الدرجة الثانية، بالرغم من إيمانهن بأن الحجاب فرض ديني.
وبعد أن رأينا أن الفتيات يرتدين الحجاب حتى في المدارس الابتدائية في الدول التي تطبق المفاهيم التحررية للعلمانية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وأن “القيامة” لم تقم في هذه الدول بسبب ذلك، فلا يمكن لأحد ألا ينظر إلى قضية الحجاب على أنها حرية دينية، ولو كان لديّ ابنة لما طلبت منها أن ترتدي الحجاب عندما تبلغ سن العاشرة، لكني أعتبر أن من يمنع فتاة من أن ترتدي الحجاب عندما تبلغ سن المراهقة لإيمانها بهذا كفرض ديني، أعتبره ضغطًا يمارس بغير وجه حق، لا سيما وأنه ليس للحظر المفروض على الفتيات في المرحلة الثانوية وجه حق يمكن الدفاع عنه في العالم الحديث، ولا شك في أن رغبة الإنسان في أن يكون متدينًا يعد خيارا خاصا، كما هو الحال بالنسبة لمن لا يريد أن يكون كذلك، وفي الوقت الذي يُعدّ فرض الأسرة على البنات الحجاب بالقوة أمراً غير مقبول، أفلا يعد ما هو عكس ذلك من اضطهاد المحجبات ومطالبتهن بنزعه أمرًا غير مقبول؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] ينبغي للدولة في تركيا أن تهتم بالحريات الدينية، كما هو الحال في جميع أنحاء العالم، بيد أن حزب العدالة والتنمية أثبت بالتجربة أنه يلجأ إلى السياسات الشعبوية من أجل التغاضي عن المواضيع الحساسة، وأرى أنه على الأقل يجب ألا يغفل الرأي العام عن تناول مزاعم الفساد التي أنهكت المجتمع وأفسدته، وإلغاء مبدأ الفصل بين السلطات الذي يفجر أساس الديمقراطية في البلاد، وإخراس وسائل الإعلام التي تعتبر صوت الضمير العام، بالقدر الذي يهتم به في مناقشة قضية الحجاب.[/box][/one_third]حسنًا، ألا توجد مشكلة في هذا الموضوع؟ بلى، فهناك الكثير من المشاكل، ولو كان هدف حزب العدالة والتنمية في الأصل هو توسيع إطار الحريات الدينية، فعلينا ألا نعتبر أن ذلك عبارة فقط عن مسألة الحجاب، وينبغي للحكومة أن تفتح الباب أمام جميع المواطنين من العلويين والملحدين والأرمن واليهود وغيرهم لأن يرسلوا أبناءهم إلى المدارس مرتدين الزي الذي يريدون. كما يجب إلغاء إلزامية دروس الدين التي تقدم التلقين السني في الحياة العملية. وكما أن قضية الحجاب والظلم الواقع على المحجبات قد شارف على النهاية، فيجب أن يُمنح العلويون الحق في إلحاق صفة مكان العبادة ببيوت الجمع الخاصة بهم، وكذلك النصارى الذين يطالبون بفتح مدرسة للرهبان، وإلا فإن عكس ذلك سيخدم الرأي الذي يقول إن “حزب العدالة والتنمية يهندس المجتمع، ويعيد صياغته حسب هواه ويفرض فهمه الخاص والحزبي للدين على المجتمع” ،هذا فضلًا عن أن تحويل مدارس الأئمة والخطباء إلى “خيارات إجبارية” في الواقع العملي، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه خيارات غير إلزامية، يعتبر خطوة مقلقة للغاية في هذا الصدد.
وأنا من جانبي أريد أن تتربى أجيال متدينة في تركيا، ذلك أني أعرف أن العبد الذي يحب الله بحق ويخشى أن يحزِن من يحب سيكون إنسانًا أفضل في المستقبل، غير أن هذا لا يجب أن يكون مهمة الدولة، بل من المفترض أن يقوم بذلك المجتمع دون أية ضغوط،، وللأسف فإن الأيديولوجية الرسمية القمعية لعبت دورًا محوريًا في استغلال حزب العدالة والتنمية لمسألة الحجاب دون ملل.
إن قضية الحجاب والنقاش الدائر حولها تظهر أن تركيا بدأت تنقسم فئويا بمرور الوقت، وأن الفئات المختلفة التي تقول: “نحن لا نفهم بعضنا البعض على أي حال” بدأت تعيش في جزرها الخاصة بها في منأى عن سائر فئات المجتمع، وهذه هي الإشارة الخطيرة في هذا الأمر.
ينبغي للدولة في تركيا أن تهتم بالحريات الدينية، كما هو الحال في جميع أنحاء العالم، بيد أن حزب العدالة والتنمية أثبت بالتجربة أنه يلجأ إلى السياسات الشعبوية من أجل التغاضي عن المواضيع الحساسة، وأرى أنه على الأقل يجب ألا يغفل الرأي العام عن تناول مزاعم الفساد التي أنهكت المجتمع وأفسدته، وإلغاء مبدأ الفصل بين السلطات الذي يفجر أساس الديمقراطية في البلاد، وإخراس وسائل الإعلام التي تعتبر صوت الضمير العام، بالقدر الذي يهتم به في مناقشة قضية الحجاب.