بقلم: علي بولاج
بدأت الولايات المتحدة عملية عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) في سوريا، بعدما كانت قد بدأتها في العراق، برفقة قوات التحالف الدولي الذي شكلته.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]نحن أمام وضع حساس للغاية، ومن يعتقد أن هذه العملية العسكرية موجَّهة للقضاء على داعش فقط، فهو ساذج لا يفقه شيئًا، والأميرال الأمريكي كيربي يقول إن هذه العملية ليست عملية عسكرية فحسب، بل إنها مبادرة إقليمية – سياسية – اقتصادية واسعة المجال تمتلك عناصر عسكرية.[/box][/one_third]وعندما نقول كلمة “تحالف” علينا التفكير بحلقتين اثنتين؛ الحلقة الأساسية تشمل البلد الرئيس الولايات المتحدة ووصيفتها بريطانيا وسائر الدول التي تدخل ضمن هذه الحلقة كل مرة، مثل فرنسا وإيطاليا وغيرهما.
والحلقة الفرعية التي تتألف من دول المنطقة مثل السعودية والأردن والبحرين والإمارات في حكم العناصر المساعدة في إطار تقديم التمويل والدعم اللوجيستي والدبلوماسية والعلاقات العامة للحلقة الأساسية، وصاحب القول الفصل في هذا الأمر للغرب الذي ترعاه واشنطن.
المثير في الأمر هو أن الولايات المتحدة لا تقصف فقط الأماكن التي يسيطر عليها داعش من المقرات، ومعسكرات التدريب، ومراكز القيادة، ومستودعات الذخيرة، ونقاط التحكم، ومراكز التمويل، والقوافل، بل إنها أضافت إلى أهدافها كذلك جبهة النصرة وتنظيم خراسان.. هذا إضافة بالطبع إلى قتل المدنيين.
إن تركيا في أصعب وضع في ظل هذه الأحداث، إذ إن إطلاق سراح الرهائن الأتراك الذين كانوا محتجزين لدى داعش في الموصل أجبر حكومة حزب العدالة والتنمية على اتخاذ موقف واضح بخصوص المشاركة في العملية العسكرية ضد هذا التنظيم المتطرف، ورأينا الرئيس رجب طيب أردوغان يصرح على مضض بقوله: “سنفعل ما يقع على عاتقنا”، ولم ينس أن يضيف أن الدعم الذي ستقدمه بلاده ربما يكون “عسكريًا أو سياسيًا أو أي شيء آخر”.
من جانبه، يقول المتحدث باسم الحكومة التركية إنهم سيطرحون مذكرة الحكومة بخصوص الحصول على إذن بالمشاركة في العمليات في سوريا والعراق على البرلمان يوم 2 أكتوبر / تشرين الأول المقبل.
أما واشنطن فليست واثقة بما فيه الكفاية في حليفتها أنقرة، وفي الوقت الذي صرح فيه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بقوله: “لقد أُطلق سراح الرهائن الأتراك. وعليه، سننتظر من الحكومة التركية إثبات جديتها من خلال الأفعال وليس الأقوال”، نجد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون) الأميرال جون كيربي أفاد بلغة أكثر صراحة بأن المطلوب من تركيا هو المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش بشكل فعال، حيث قال إن تركيا شريكة في هذه العملية، وستكون شريكة، وهي مجبرة على أن تكون شريكة، حتى ولو بسبب موقعها الجغرافي فقط”.
وعلى صعيد آخر، فإن مشروعية العملية العسكرية ضد داعش تسببت في نشوب جدل بين شعوب المنطقة والتنظيمات والتيارات والجماعات المعتبرة في هذه الجغرافيا، إذ نجد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي، مع أنه يرفض أفكار تنظيم داعش وإدارته، إلا أنه يعلن اعتراضه على تشكيل واشنطن تحالفًا دوليًا للقيام بعملية عسكرية في المنطقة، وكما هو معلوم، فإن آراء القرضاوي تحظى باحترام وتأييد في العالم العربي السني المعتدل وكأنها تحمل قيمة فتوى دينية، هذا فضلًا عن أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا قد أعلنت أنها ضد تدخل الولايات المتحدة عسكريًا في المنطقة بحجة القضاء على داعش. ويقول المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر إن أي تدخل عسكري في أراضي بلاد الإسلام يعتبر محاولة “لتقسيم الشرق الأوسط من جديد”، ويفتح الباب أمام ولادة فتنة جديدة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الولايات المتحدة والغرب يخططان للحصول على دعم الدول والتنظيمات في المنطقة لاحتلال سوريا، بعدما فعلا ذلك في أفغانستان والعراق، ليعيدا بعد ذلك تنظيم شؤون المنطقة من خلال تخويف البعض وابتزاز البعض الآخر وتقديم وعود بتحقيق مصالح صغيرة لآخرين.[/box][/one_third]من جهتها، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا إن هذا التدخل “يبدو وكأنه عملية مكافحة للإرهاب، لكنه في الأساس هو حرب على الإسلام”، على الرغم من اعترافها بأن داعش يعتبر “تنظيمًا حاد عن جادّة الإسلام”.
يقول المتحدث باسم الإخوان المسلمين، وهو على حق: “لا يجب أن تتدخل الولايات المتحدة والغرب وسائر الأطراف المعنية الأخرى، وعليهم أن يضعوا تعريفًا للإرهاب حتى لا يجري استهداف الأشخاص المعتدلين من المخلصين”. ويضيف بقوله: “نحن لا نقبل التدخل الدولي في سوريا؛ إذ إن الشعب السوري قادر على تحرير أراضيه والتغلب على التطرف والإرهاب بنفسه”.
نحن أمام وضع حساس للغاية، ومن يعتقد أن هذه العملية العسكرية موجَّهة للقضاء على داعش فقط، فهو ساذج لا يفقه شيئًا، والأميرال الأمريكي كيربي يقول إن هذه العملية ليست عملية عسكرية فحسب، بل إنها مبادرة إقليمية – سياسية – اقتصادية واسعة المجال تمتلك عناصر عسكرية.
إن الولايات المتحدة والغرب يخططان للحصول على دعم الدول والتنظيمات في المنطقة لاحتلال سوريا، بعدما فعلا ذلك في أفغانستان والعراق، ليعيدا بعد ذلك تنظيم شؤون المنطقة من خلال تخويف البعض وابتزاز البعض الآخر وتقديم وعود بتحقيق مصالح صغيرة لآخرين.
أما تركيا فقد عادت من جديد إلى شهر مارس/ آذار عام 2003 ، وكانت المذكرة التي عرضت على البرلمان التركي يوم 1 مارس تهدف لإدخال تركيا إلى المنطقة ضمن صفوف القوات المحتلة، وكانت حكومة حزب العدالة والتنمية الجديدة حينها متحمسة للغاية، غير أن المذكرة لم يصادَق عليها بسبب رد الفعل الغاضب للرأي العام.
ليس هناك من يؤيد أو يدافع عما يفعله داعش، لكن القضية ليست قضية القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، ويجب على الرأي العام في تركيا أن يظهر رد الفعل نفسه الذي أظهره عام 2003 عندما عرضت مذكرة العراق على البرلمان، حتى وإن كانت الحكومة تتعرض لضغوط خارجية، وإن حل هذه القضية لا يكمن في احتلال عسكري أو تدخل القوات الأجنبية في المنطقة وتنظيم الأمور على هذا الأساس، بل يكمن في تحرك الآليات الداخلية لدول المنطقة في المسار الصحيح.