بقلم: محمد كاميش
لم تعد لدى تركيا حسابات بالعقل على المدى البعيد، كما أنها أصبحت تحدد أصدقاءها وأعداءها بناء على النظرة الشخصية، ولقد عادت تركيا من جديد وحددت مفهومًا آخر، وغيّرت أصدقاءها وأعداءها من جديد بين عشية وضحاها.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] إن تركيا تعيش في الوقت الحالي بشكل لحظي ويومي، وهي لا تحسب، في الواقع، الفاتورة التي ستدفعها بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولا تستطيع أن تمثل ما دورا أكبر من دور الممثل الصامت “ضخم الجثة” في هذه المسرحية الكبيرة.[/box][/one_third]بادرت الإدارة التركية إلى صيد السمك في بحيرة الربيع العربي، وبدأ يراودها حلم إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط من خلال بعض أعمال الشجاعة الرمزية، وأخشى أنه عندما تفيق الحكومة التركية من هذا الحلم أن تضطر تركيا لأن تدفع الثمن غاليًا للغاية.
إن تركيا تعيش في الوقت الحالي بشكل لحظي ويومي، وهي لا تحسب، في الواقع، الفاتورة التي ستدفعها بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولا تستطيع أن تمثل ما دورا أكبر من دور الممثل الصامت “ضخم الجثة” في هذه المسرحية الكبيرة.
إن الإدارة التركية تتخذ اليوم قرارًا بالمشاركة في الحرب ضد داعش، ذلك التنظيم الذي دعمته حتى اليوم، وزمجرت عندما أصدرت النيابة العامة أمرًا بتفتيش الشاحنات التي كانت تحمل ما زُعم أنه مساعدات إنسانية إلى سوريا، لكن وسائل الإعلام تناولت أخبارًا عديدة تتحدث عن العلاقة التي تربط أنقرة بداعش، ونشرت تفاصيل تتحدث عن أن داعش أسس منازل في أرقى أحياء إسطنبول، وجمع مقاتلين جدد انضموا إلى صفوفه من خلال جمعيات قانونية، والعجيب في الأمر أن حكومة حزب العدالة والتنمية لم ترفض هذه المزاعم وتفنّدها بصوت مسموع في أي وقت من الأوقات.
يعرف الجميع أن الحكومة التركية، على الأقل، غضّت الطرف على ما يبدو عن تعاظم سطوة داعش وتمركزه على أراضي تركيا، كدعم للتنظيم حتى يساهم في إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا. ولهذا السبب لم تكن أنقرة تنظر باهتمام إلى شن حملة عسكرية ضد داعش حتى الأمس القريب، وقد أصدرت حكومة داود أوغلو بين عشية وضحاها قرارًا بدخول الحرب ضد داعش من أجل القضاء على هذا التنظيم الإرهابي الذي سمحت له بالتمركز في المدن التركية إلى هذا الحد، ولا أعتقد أن الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي اقتنع بدخول الحرب خلال فترة وجيزة، قد وضع في حسابه، مثقال ذرة، الضعف الأمني الذي سيترتب على هذه الحرب.
إن الحكومة التركية أقصت الكوادر الشرطية والأمنية الخبيرة بمسائل مكافحة الإرهاب، تحت غطاء استئصال ما يسمى بـ “الكيان الموازي”، وعينت مكانها كوادر من شرطة المرور، الأمر الذي ينمّ عن حجم الكارثة الكبيرة التي تعيشها تركيا حاليًا في وقت تهددها التنظيمات الإرهابية من كل اتجاه.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] إن الحكومة التركية أقصت الكوادر الشرطية والأمنية الخبيرة بمسائل مكافحة الإرهاب، تحت غطاء استئصال ما يسمى بـ “الكيان الموازي”، وعينت مكانها كوادر من شرطة المرور، الأمر الذي ينمّ عن حجم الكارثة الكبيرة التي تعيشها تركيا حاليًا في وقت تهددها التنظيمات الإرهابية من كل اتجاه.[/box][/one_third]لا يلاحظ أحد منا أن الذين يديرون مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني في تركيا هم أنفسهم الذين تجمعهم علاقات بتنظيم داعش، ولا نستطيع – للأسف – أن نظهر أن هؤلاء قد عرضوا تركيا إلى حركة “كش ملك” كما في لعبة الشطرنج، فمن ناحية نجد أن الأشخاص أنفسهم الذين يدعمون داعش من جهة هم الذين سمحوا لحزب العمال الكردستاني أن يضمد جراحه ويتعافى ويقوى، لكن يا له من أمر عجيب أن حزب العمال الكردستاني وداعش، اللذين ارتبطا بالشخصيات نفسها في تركيا، يتقاتلان قتالًا عنيفًا ضد بعضهما البعض، وكلما تضاعف حجم “بعبع” داعش، يُطلب من تركيا حتى تسليح حزب العمال الكردستاني لمواجهة هذا الخطر الداهم.
أي أن كل شيء يصبح في حالة من الفوضى؛ إذ انقلبت جميع التوازنات في المنطقة رأسًا على عقب خلال الأسابيع القليلة الماضية، فنجد أن النظامين السوري والتركي يعلنان الحرب ضد داعش في خندق واحد، ونرى أناسًا يتحدثون عن حتمية تسليح الجمهورية التركية لتنظيم تسبب في موت واستشهاد آلاف المدنيين والعسكريين على مدار ثلاثة عقود في تركيا، أي حزب العمال الكردستاني، ناهيك عن القضاء عليه أصلًا، أما في الداخل فإن أفضل رجال الشرطة المتخصصين في مجال مكافحة الإرهاب على مدار تاريخ الجمهورية في تركيا يتهمون بتكبيد الدولة خسائر بقيمة 12 ألف ليرة (5500 دولار)، ويعتقلون، ويودعون السجون.
لا أعرف كيف لكم أن تفهموا هذه المعادلة وتعلقوا على هذه الصورة، لكنني أحمل في قلبي مخاوف كبيرة للغاية بشأن مستقبل تركيا، ألا يجب علينا في الأساس أن نحسب حساب ما بعد القضاء على داعش؟ لا شك في أن هذا التنظيم سيقضى عليه إن عاجلًا أو آجلًا، فماذا سيحدث بعد ذلك؟ لا أعتقد أن الإدارة التركية تضع هذا في حساباتها، ولهذا السبب فإن تركيا اليوم لا تعدو كونها فقاعةً ضخمةً لا تاثير لها في الأحداث الكبرى.