القاهرة (زمان التركية)ــ نشر موقع (شباب النيل) الإلكتروني مقالا للكاتب والباحث المصري في الشئون التركية د. حمادة إسماعيل مدرس اللغة التركية المساعد بجامعة الأزهر، يتحدث في عن التحديات التي تواجه تركيا بعد الانتخابات المصيرية التي ستعقد غدا الأحد، خاصة الاضطرابات الاقتصادية التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة.
وجاء في المقال: تعتبر الانتخابات التركية المقرر اجراؤها الأحد المقبل 24 مايو مختلفة عن جميع الانتخابات السابقة التي شهدتها البلاد على مر تاريخها، لأنها الانتخابات الأولى التي يتم فيها انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان في انتخابات واحدة وفي يوم واحد، وهى الانتخابات الأولى التي عقبها سيقوم من سينجح كرئيس للدولة بتشكيل الحكومة بشكل مباشر، وليس كالسابق يكلف رئيس الجمهورية رئيس الحزب الحاصل على أعلى الأصوات بتشكيل الحكومة، فرئيس الجمهورية بعد هذه الانتخابات سيكون هو نفسه رئيس الحكومة، كذلك هى الانتخابات الأولى التي سيكون بعدها الوزراء ليسوا من أعضاء البرلمان.
إذن نسطيع القول بكل ثقة أن هذه الانتخابات تجربة جديدة على الشعب التركي بكل طوائفه وقومياته المتعددة، وكذلك تعتبر تجربة جديدة على الحياة السياسية والبرلمانية في تركيا، ولا يستطيع أحد الآن مهما بلغت خبرته وحنكته توقع نجاح هذه التجربة من عدمه، فالنجاح وعدمه فيها يحملان نسبًا متساوية.
ولا شك أن الانتخابات الرئاسية تلفتُ النظرَ أكثر من الانتخابات البرلمانية، وهذا خلاف ما كان في السابق، حيث الصلاحيات الجديدة لرئيس الجمهورية التي خولها له الدستور الجديد الذي تم إقراره في إبريل 2017، وبموجبه تحول النظام السياسي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي أعطي فيه رئيس الجمهورية صلاحيات أكثر من السابق. لكن هناك تحديات كبيرة أمام الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات الرئاسية الحالية من يستطيع مواجهتها والتغلب عليها فإنه سيخرج من السباق بكرسي الرئاسة. وفي هذا المقال سنقوم بالحديث عن هذه التحديات التي أمام المرشحين وأحزابها، وسنبدأ بحزب العدالة والتنمية الحاكم ومرشحه الرئيس الحالي “رجب طيب أردوغان”. هذا الحزب لم يخسر أي انتخابات دخلها منذ ظهوره على الساحة السياسية في تركيا عام 2002 وحتى الآن. وإن كان البعض يرى أن هذه ميزة للحزب ومرشحه إلا أننا نعتقد أن هذه النقطة تعتبر التحدي الأكبر للحزب، فمنذ عام 2002 والحزب يسيطر على البلديات والبرلمان والوزارات المختلفة، وإن شئت قلت على السلطتين التشريعية والتنفيذية في البلاد، الأمر الذي أدى إلى وجود جيل كامل في تركيا لم يرى ولم يعرف كيف كان وضع البلاد قبل العدالة والتنمية، ولم يعرف ما قدمه الحزب من إنجازات، لأنه باختصار لم يرى إخفاقات الآخرين وبالتالي لم يشعر بإنجازات الحزب. وهذا عدد ليس بالقليل خصوصًا إذا عرفنا أن سن من يُسمح لهم بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات يبدأ من الثامنة عشر. وحزب العدالة والتنمية يحكم تركيا منذ ستة عشر عامًا، أي أن جميع من يبلغ عمره ثمانية عشر عامًا في البلاد كان في الثانية من عمره وقت صعود الحزب إلى السلطة، ونحن نرى أن من سن ثمانية عشر وحتى الثلاثين من الناخبين الأتراك لم يكونوا على وعي بالحياة السياسية التركية قبل العدالة والتنمية، إذ كان أكبرهم سنًا قبل ظهور العدالة والتنمية لا يزيد عن العشرة أعوام، وهذا ليس سنًا ينشغل أصحابه بالعمل العام أو بالسياسة، ومن ثم من حقهم التفكير في التغير ومنح فرصة للآخرين في إثبات أنفسهم.
التحدي الثاني الذي يواجه العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة هو الاضطرابات الاقتصادية التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة، وعدم ثبات قيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية وخصوصًا الدولار واليورو، وهذا الأمر قد استثمرته المعارضة، وسوقته بصورة جيدة سواء في الإعلام أو في خطابات المرشحين للرئاسة. وهذا ليس بالأمر البسيط بل إن بعض المتخصصين في الشأن التركي يقولون بأن انخفاض قيمة العملة هو السبب الرئيسي للانتخابات المبكرة، حيث اعتادت تركيا على انخفاض قيمة العملة قبل أي إجراء ديمقراطي من انتخابات أو استفتاءات، لذلك تعجل الحزب الحاكم في اجراء انتخابات مبكرة حتى يُظهر أن انخفاض قيمة العملة بسبب الانتخابات وسيتم السيطرة عليه بعد اجراؤها. كذلك العجز الذي سجله تدفق الاستثمارات الأجنبية في البلاد خلال العام الجاري، وخروج رؤوس أموال أجنبية من البلاد كان له دور كبير في انخفاض العملة التركية.
أما التحدي الثالث الذي يواجهه الحزب الحاكم فهو التحالف مع “حزب الحركة القومية” وتشكيله معه التحالف المعروف باسم “تحالف الشعب”، وهذا الحزب هو صاحب فكرة الانتخابات المبكرة. وهو حزب قومي يميني يمثل الفكر القومي التركي، ويعارض أي إصلاح يُمنح للأكراد ويؤدي إلى تقوية الهوية الكردية، ويعتبر حزب “الشعوب الديمقراطية الكردي” امتدادًا لـ “حزب العمال الكردستاني” ومن ثم يجب مواجهته. وهذا يتنافى صراحة وبوضوح مع الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية الذي يؤكد دائمًا أنه على مسافة واحدة من جميع من يعيش على الأراضي التركية دون النظر إلى قومية بعينها. وهذا التحدي قد يُشعر بعض الأكراد بالقلق من المستقبل، وعدم مصداقية العدالة والتنمية في خطابه السياسي.
أما التحديات التي تواجه الأحزاب الأخرى المعارضة للعدالة والتنمية فهناك تحدي مشترك لجميع هذه الأحزاب وهو مفاجأة تقديم الانتخابات قبل موعدها بعام ونصف، الأمر الذي أصاب المعارضة بالتوتر والتشتت، وظهر واقعيًا أنهم كانوا غير مستعدين تمامًا لهذه الانتخابات، وكان أكثر المستفدين من هذه المفاجأة هو الحزب الحاكم ومرشحه.
وهناك تحديات أخرى لكل حزب على حده فـ “حزب الشعب الجمهوري” واجه الكثير من التحديات أهمها إنهاء حالة التوتر بسبب مفاجأة الانتخابات، حيث كان هذا الحزب أكثر الأحزاب توترًا رغم إعلانه عن استعداده التام لخوض الانتخابات. ففي البداية حاول رئيس الشعب الجمهوري “كمال قليجدار أوغلو” إقناع المعارضة على الاصطفاف صفًا واحدًا في مواجهة حزب العدالة والتنمية، والوقوف خلف مرشح واحد يدعمه الجميع، ووافقت المعارضة على هذا المقترح، لكنهم اختلفوا حول الاسم الذي يستطيع منافسة العدالة والتنمية، ووقع الاختيار على “عبدالله جول” الرئيس السابق، وأحد أعضاء العدالة والتنمية السابقين، الأمر الذي أثار غضب القواعد الحزبية لحزب الشعب الجمهوري، وأحدثت لغطًا كبيرًا داخل الحزب لدرجة أن بعض الأعضاء أعلنوا صراحة أنهم سينتخبون “أردوغان” إذا رشح الحزب “عبدالله جول”، كذلك رفض “حزب الخير” ومرشحته القوية “ميرال أكشنار” هذا الاقتراح، وأعلنوا أنهم لن يرشحوا في المرحلة الأولى سوى “أكشينار”، وأنه في حالة الوصول إلى مرحلة إعادة الانتخابات فيمكن حينها الاصطفاف خلف المرشح المنافس لأردوغان. ومن ثم قبلت المعارضة هذا الاقتراح ورشح كل حزب يمثل تيار مختلف مرشحًا خاصًا به لتشتيت الأصوات والوصول إلى مرحلة الإعادة. وقام حزب الشعب الجمهوري بترشيح “محرم إينجه” الرجل القوي والمنافس الأبرز لكمال قليجدار أوغلو في الحزب. ويواجه “محرم إينجه” التحدي الأصعب في حياته السياسية، إذ أن فشله في الانتخابات الرئاسية يعني حرقه سياسيًا في حزبه، وكشف ثقله السياسي الحقيقي، ومساواته برئيس الحزب الحالي الذي فشل في منافسة العدالة والتنمية قبل ذلك. كذلك التحدي الآخر الذي يواجه “محرم إينجه” هو تقديم صورة مختلفة عن الصورة النمطية لحزب الشعب الجمهوري في ذهن الكثير من الأتراك، من كونه حزب علماني لا يُعير اهتمامًا للدين، ويسعى فقط لإزاحة أردوغان من السلطة، حتى وإن استعان بأعضاء من حزب أردوغان نفسه. ولعل هذا هو التحدي الأكبر أمام “إينجه”، ويحاول مواجهته عن طريق خطابه السياسي المتزن والمطمئن، والذي يُعلي فيه من قيمة الدين، وحديثه الدائم عن مستقبل الشعب التركي إذا أصبح رئيسًا للجمهورية.
أما حزب الشعوب الديمقراطية الكردية فأمامه الكثير من التحديات التي قد تجعل نصيبه أقل في الانتخابات القادمة، حيث أن مرشحه “صلاح الدين دميرطاش” يقبع في السجن، ومن ثم لا يستطيع التحرك مثل منافسيه والقيام بحملات قوية يعرض من خلالها برامجه في الرئاسة. التحدي الآخر هو طبيعة الخلاف الحالي بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، وتسويق اليمينين القوميين الأتراك لفكرة أن أي تجمع كردي هو تابع لحزب العمال الكردستاني، ومن ثم فإن حزب الشعوب الديمقراطية هو امتداد سياسي للعمال الكردستاني، ومنفذ لبرامجه.
أما “حزب الخير” ومرشحته “ميرال أكشينار” فهو الحزب الوحيد الذي لم تتغير مواقفه منذ ظهوره على الساحة التركية أكتوبر 2017 وحتى الآن وخصوصًا موقفه من ترشح “أكشينار” للرئاسة. وهى سياسية بارعة شغلت منصب وزيرة الداخلية، ونائبة لرئيس البرلمان، وأول سيدة تترشح للانتخابات الرئاسية في تاريخ تركيا، وانضمت لحزب الحركة القومية، وانشقت عنه بسبب تأييد الحزب للنظام الرئاسي، ومساندة العدالة والتنمية في الاستفتاء الآخير على الدستور. وهى في وجهة نظر الكثيرين أقل تشددًا من اليمينين القوميين، وهى تتبنى نفس وجهة النظر المحافظة التي يتبناها العدالة والتنمية التي كانت إحدى مؤسسيه، ومن ثم فهى تمثل منافسًا قويًا لا يُستهان به لأردوغان، وإذا استطاعت الوصول إلى جولة الإعادة فاحتمالات فوزها هى الأكثر من وجهة نظرنا. وقد وعدت في خطاباتها اثناء حملتها الانتخابية بحل القضية القبرصية، وحل القضية السورية وإحلال السلام في سوريا وإعادة السوريين بأمان إلى بلادهم. كما تطرقت إلى قضايا أخرى منها قضية المرأة والأطفال والفتاوى الدينية والبطالة واستيراد المحاصيل الزراعية. وأهم التحديات التي تواجهها “أكشنار” هى إقناع الناخب التركي بانتخاب سيدة للرئاسة لأول مرة في تاريخه، فإذا نجحت في هذا التحدي فستكون بجدارة رئيسة تركيا القادمة.
هذه هى التحديات التي ستقابل أبرز المرشحين الأتراك الذين يمكن أن يصلوا إلى جولة الإعادة في الانتخابات القادمة، أما السيد “تمل مولا أوغلو” مرشح حزب السعادة، والسيد “دوغو برنشيك” مرشح حزب الوطن، ففرصهما في الفوز قليلة للغاية.