بقلم: لاله كمال
لم تفتح تركيا أبوابها في بادئ الأمر أمام الأكراد الذين فروا هاربين من بطش تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا نهاية الأسبوع الماضي، مما عرض مفاوضات السلام التي تجريها أنقرة مع زعماء منظمة حزب العمال الكردستاني، لحل القضية الكردية، للفشل، غير أنها تراجعت عن هذا الخطأ بعد ساعات عدة، واستقبلت أكثر من 160 ألف كردي سوري.
أعتقد أنه يجب على تركيا إنشاء مناطق آمنة على أراضيها لاستيعاب هؤلاء اللاجئين الجدد، لا سيما إذا علمنا أن مجلس الأمن بالأمم المتحدة لن يصدر قرارًا بإنشاء منطقة عازلة لحماية هؤلاء اللاجئين داخل الأراضي السورية، وأرى فائدة في أن أذكر بهذه المناسبة أن تركيا سيتحتم عليها مواجهة مشكلة لاجئين جادة للغاية لسنوات طويلة مقبلة.
ولننتقل الآن بالحديث عن العناصر الكردية، التي لا تظهر كثيرًا في “الواجهة” في إطار التحالف الغربي – العربي بقيادة واشنطن لمواجهة تنظيم داعش، ففي الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة أول من أمس قصف أهداف تابعة لهذا التنظيم، بدعم بعض حلفائها الغربيين والعرب، بغية طرد عناصره من المناطق التي سيطروا عليه سواء في سوريا أو العراق، فإن قوات البشمركة الكردية شمال العراق والجيش العراقي يدعمون هذا التحالف على الأرض. وكان العديد من أعضاء التحالف قدموا تعهدات بتزويد قوات البشمركة بأسلحة غير معلومة المواصفات لاستخدامها في الحرب ضد داعش.
وعلى الرغم من أنه من غير الواضح حتى الآن ما هو بالضبط نوع الدعم الذي ستقدمه تركيا إلى التحالف الدولي ضد داعش فإن أنقرة تضغط على حلفائها، بمن فيهم واشنطن، من أجل عدم تسليح حزب العمال الكردستاني والمقاتلين الأكراد في سوريا.
ولا تزال قوة حزب العمال الكردستاني وقوات الدفاع الشعبي، الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي، امتداد حزب العمال الكردستاني في سوريا، عاجزة من الناحية العسكرية عن التصدي لحصار تنظيم داعش لمدينة كوباني (عين العرب) الذي أسفر عن هروب آلاف الأكراد السوريين إلى تركيا.
وأنا أؤيد الرؤى التي طرحها الأستاذ يشار ياكيش، الدبلوماسي الكبير، أول وزير للخارجية في عهد حزب العدالة والتنمية في تركيا، في تصريحات أدلى بها لصحيفة” طرف” قبل أيام قليلة، وقد أشار ياكيش، على سبيل المثال في تصريح أدلى به للصحيفة أول من أمس، إلى ضرورة أن تسلِّح تركيا حزب العمال الكردستاني في حربه ضد داعش، موضحًا أن أنقرة بإمكانها توقيع اتفاقية نزع السلاح مع حزب العمال الكردستاني على خلفية مفاوضات السلام الجارية بينهما.
أؤيد كلام ياكيش، وأرى أن على تركيا، بالإضافة إلى تسليح حزب العمال الكردستاني، أن تسلِّح قوات الدفاع الشعبي الكردية في سوريا لتقويتها في مواجهة داعش، حتى أنه ينبغي لها تخصيص مستشارين عسكريين يمدون هذه التنظيمات بالخطط القتالية لمواجهة داعش، ولا شك في أن هذه السياسة ستحول دون حصول الجماعات الكردية على السلاح بالضرورة من مصادر أخرى، والأهم من ذلك أنها ستسرّع وتيرة مفاوضات السلام الجارية لحل القضية الكردية.
وفي الوقت الذي يهرب فيه آلاف الأكراد السوريين من حصار داعش ويحتمون بالأراضي التركية، حريٌّ بنا أن نشير إلى أن هذه القضية تحمل أهمية كبيرة بالنسبة لأكراد تركيا كذلك، لا سيما وأن العديد منهم حاول العبور إلى الأراضي السورية للانضمام إلى صفوف قوات الدفاع الشعبي في حربها ضد داعش.
ولنتذكر عشرات السنوات التي أهدر فيه صنّاع القرار طاقتنا ومواردنا “كي لا تقام دولة كردية في العراق على حدودنا الجنوبية” ،واليوم فإن من يدير شؤون شمال العراق حكومة كردية إقليمية، بالرغم عن تركيا، بل إن أنقرة ترتبط بعلاقات جيدة للغاية مع هذه الحكومة.
والوضع نفسه ينطبق على الصراع مع حزب العمال الكردستاني؛ إذ لو كان هناك سياسيون عقلاء في تركيا لما كانوا قد أوكلوا للجيش التعامل مع القضية على مدار ثلاثة عقود، وكانوا بادروا لحلها عبر الطرق السياسية.
واليوم فإن الحوار الذي بدأ مع حزب العمال الكردستاني، وإن كان قد بدأ بشكل متأخر جدًا، أوجد نوعًا من الاستقرار النسبي في تركيا في العام ونصف العام الأخير، الأمر الذي أوقف حمام الدم وسقوط عشرات الشهداء والقتلى كل عام.
ينبغي لتركيا، بشكل نهائي، أن تساهم في تسليح جميع الجماعات الكردية، دون تفرقة، لمواجهة تنظيم داعش، ذلك أن هذه الخطوة ستسرّع وتيرة الحوار مع العمال الكردستاني، وبالتالي ستسرّع وتيرة السلام مع جميع الأكراد في المنطقة.
صحيفة” زمان” التركية