بقلم: مصطفى أونال
استيقظت تركيا على خبر سعيد إذ أطلق تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الإرهابي سراح 49 مواطنًا تركيًا من العاملين في القنصلية التركية في الموصل بعد 101 يوم من الاحتجاز.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كما هو معلوم فإن الموت يتجول بالمنطقة، والأيدي موضوعة على زناد السلاح تنتظر القتال، والحرب صارت على الأبواب، إذ أن الولايات المتحدة وحلفاءها يستعدون لإعلان الحرب على داعش، ولقد نجحت تركيا في إنقاذ 49 من مواطنيها من بين أيدي تنظيم إرهابي عنيف، مثل داعش، في وقت تقترب فيه الكارثة الكبرى في المنطقة.[/box][/one_third]عبر الرهائن الحدود العراقية – التركية، وكانت السعادة تعتلي وجوههم جميعًا، وليس من الصعب علينا أن نتوقع أنهم قضوا أيامًا صعبة للغاية في الأسْر، كما أنه ليست هناك حاجة إلى شرح كيف أن تنظيم داعش يعتبر تنظيمًا خطيرًا، إذ أن ما فعله هذا التنظيم معروف للجميع.
الحمد لله، حمدًا كثيرًا، لأن الحالة الصحية لجميع المواطنين الأتراك كانت جيدة، ولا شك في أن أثر الإصابة الموجودة في جبهة القنصل العام في الموصل أوزتورك يلماظ لم يغفل أحد عن ملاحظتها، إلا أن يلماظ اكتفى بوصف هذه الإصابة بـ”الخدش” ،وكان يتحمل المسؤولية كلها بمفرده، وكانت وسائل الإعلام قد نشرت أخبارًا تفيد بأن عناصر التنظيم الإرهابي وجهوا أسلحتهم نحو رأسه مرتين أو ثلاث مرات، وكان داعش طلب منه أن يصدر تصريحًا، لكنه رفض، وقد شرح أحد أصدقائه أن يلماظ غامر بحياته قائلًا: “لا أستطيع أن أتلاعب بهيبة تركيا وشرفها”، ولم يسمح بالتقاط الصور له وللرهائن الآخرين، وهو موقف مشرف للشعب التركي بأسره.
لقد مرت مائة يوم على تركيا كأنها مائة عام، تغير خلالها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، تحدث الجميع قليلًا حتى لا تتعمق الأزمة، وكان هناك حكم صادر عن المحكمة، وفي النهاية كانت النتيجة طيبة، أدخلت السرور إلى قلوب الجميع، وجاء الإفراج عن الرهائن كهدية عيد الأضحي، وكان المتحدث باسم الحكومة التركية قد أوضح أن إطلاق سراح الرهائن سيكون في عيد الفطر، لكن الله أراد أن يتحقق ذلك قبيل عيد الأضحى، وعلينا أن نهنئ كل من ساهم في هذه العملية الناجحة، وكما هو معلوم فإن الموت يتجول بالمنطقة، والأيدي موضوعة على زناد السلاح تنتظر القتال، والحرب صارت على الأبواب، إذ أن الولايات المتحدة وحلفاءها يستعدون لإعلان الحرب على داعش، ولقد نجحت تركيا في إنقاذ 49 من مواطنيها من بين أيدي تنظيم إرهابي عنيف، مثل داعش، في وقت تقترب فيه الكارثة الكبرى في المنطقة.
زف هذا الخبر السعيد إلى الشعب التركي رئيس الوزراء أحمد دواد أوغلو، الذي قطع زيارته التي لأذربيجان، وتوجه على الفور إلى مدينة شانلي أورفا الحدودية واصطحب الرهائن وعاد بهم إلى العاصمة أنقرة، وقال: “هذا يوم عيد لتركيا.. الآن هو وقت العيد” ،ولا شك في أن حكومة حزب العدالة والتنمية لها حق في الحصول على حصتها السياسية من هذه النتيجة الطيبة؛ إذ أن هذه القضية كانت تشكل ضغطًا كبيرًا على الحكومة التي تحدثت تحت تأثير هذه العوامل النفسية، ولكن لم يكن الوقت مناسباً للقول: “إن الأقنعة سقطت” لانتقاد موقف الأحزاب والأوساط المعارضة من قضية الرهائن.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كانت هذه الواقعة هي أكبر واقعة احتجاز رهائن في التاريخ التركي، ولقد أظهرت التطورات التي حدثت بعد وقوع هذه الأزمة أنها لم تؤثر كثيرًا في أجندة السياسة، حُلت أزمة الرهائن في وقت عصيب للغاية، فالحرب الكبرى تقترب شيئًا فشيئًا، وقد اقترب آلاف العراقيين الذين فرّوا هاربين من جحيم الحرب من الحدود، وكانت أزمة الرهائن تصعّب مهمة تركيا، بحيث كانت أصغر خطوة كفيلة بوضع حياتهم في خطر، ولهذا السبب عانت تركيا الأمرّين في تحديد موقف واضح ومفهوم إزاء ممارسات تنظيم داعش.[/box][/one_third]كانت الصورة كافية في حد ذاتها، ولم يكن هناك أي معنى للحديث بأسلوب قاسٍ، كان الجميع يتلهف لأن تنتهي هذه القضية نهاية سعيدة، بغض النظر عن التوجهات السياسية، ذلك أن القضية لم تكن صراعًا بين الحكومة والمعارضة، فهذه قضية تهم الدولة ككل، وكان من الخطأ في الأساس أن تُسيَّس هذه المسألة منذ البداية، وهو ما ينطبق على النهاية أيضًا، على الأقل كان يجب على من انتقدوا المعارضة باستغلال الواقعة كأداة سياسية أن يتكلموا بشكل أكثر حذرًا، ولا ريب في أن توجيه النقد أمر طبيعي لا مفر منه، يقول أحدهم “كان من الممكن ألا تحدث هذه الأزمة” ،وكان محافظ الموصل قد أصدر تحذيرًا بضرورة مغادرة المدينة في بادئ الأمر، فالواقعة لم تحدث فجأة، دون سابق إنذار؛ إذ كان من الواضح أن الخطر يقترب تدريجيًا، وعلى الأقل كان من الممكن أن يجري إجلاء الأطفال والنساء من مقر القنصلية، ألا يوجد أحد يقول هذا الكلام أو يذكِّر الحكومة بمسؤوليتها السياسية؟ هناك الكثير من الأسئلة التي يمكن طرحها، لكن هذا ليس وقتها.
كانت هذه الواقعة هي أكبر واقعة احتجاز رهائن في التاريخ التركي، ولقد أظهرت التطورات التي حدثت بعد وقوع هذه الأزمة أنها لم تؤثر كثيرًا في أجندة السياسة، حُلت أزمة الرهائن في وقت عصيب للغاية، فالحرب الكبرى تقترب شيئًا فشيئًا، وقد اقترب آلاف العراقيين الذين فرّوا هاربين من جحيم الحرب من الحدود، وكانت أزمة الرهائن تصعّب مهمة تركيا، بحيث كانت أصغر خطوة كفيلة بوضع حياتهم في خطر، ولهذا السبب عانت تركيا الأمرّين في تحديد موقف واضح ومفهوم إزاء ممارسات تنظيم داعش.
والآن تنفست تركيا الصعداء، وأصبح بمقدورها أن تحدد موضعها بطريقة أكثر سهولة بعد إطلاق سراح الرهائن، وكما تعلمون فإن الولايات المتحدة وحلفاءها يفكرون بتقديم طلبات جادة إلى تركيا مثل استخدام قاعدة إنجيرليك الجوية وتأمين الحدود، وما إلى ذلك، والهدف الرئيس الذي يسعى هذا التحالف الدولي لتحقيقه هو القضاء على مساحة العيش التي يتمتع بها داعش. تتجه الأنظار صوب تركيا، التي حلّت أزمة الرهائن، التي كانت تصعّب عليها حسابات الدور الفعال الذي يمكن أن تتولاه ضمن التحالف الدولي.
كانت “النهاية السعيدة” في واقعة إطلاق سراح الرهائن الأتراك فقط، لكن معضلة داعش لم تنتهِ بعد، بل هي على وشك البداية.
صحيفة” زمان” التركية
21/9/2014