(زمان التركية)ــ سلط مقال نشره موقع (أحوال تركيا) للكاتب “تيم لويل”، الضوء على الصعاب التي واجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية”، طوال سنوات تواجدهم في السلطة في تغيير سلوكيات المجتمع في ظل تعدد الثقافات والأيدلوجيات في تركيا، ما يوحي أن سياسات أردوغان “محكوم عليها بالفشل”.
وجاء في المقال: عندما استقال رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو من منصبه بعد شائعات عن شقاق بينه وبين الرئيس رجب طيب أردوغان في مايو من عام 2016، قال الكثير من مؤيدي الحكومة إنه لم يكن رجلاً حسنًا فحسب بل كان أيضًا “رجلاً صاحب قضية” أو “دافا أَدَما” بالتعبير التركي.
ولا تشير هذه العبارة إلى قضية حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان فحسب، ولكنها تشير أيضا إلى قضية الإسلام حيث يعد “الدافا أدما” نوع من الأشخاص يعتبرون من “أصحاب الرسالة”.
وبينما ظل حزب العدالة والتنمية آلة انتخابية ناجحة على نحو مذهل خلال السنوات الست عشرة الماضية، ظلت رسالته ورسالة أردوغان الدينية والاجتماعية المحافظة تقابلها معارضة في الداخل وعلى الساحة الدولية.
وجرى الدفع ببعض المبادرات التي نشأت عن قناعات دينية، وإن كان ذلك قد تم على نحو مخفف بشدة. ومن بين ذلك القوانين التي تقيد بيع الخمر في المحال التجارية، فضلاً عن تقليص عدد المنشآت الطبية التي تجري عمليات إجهاض في تركيا بشكل مطرد إلى أن اقتربت من الصفر تقريبا.
وفي حالات أخرى، تغيرت سلوكيات في المحيط الأوسع من الأقلية المتدينة أولا قبل أن يتولد لدى حزب العدالة والتنمية الشعور بالقدرة على التحرك. ومن أمثلة ذلك السماح بارتداء الحجاب في الجامعات وفي أماكن الخدمة العامة والجيش، وهو الأمر الذي اكتملت تشريعاته على مدى عقد من الزمان منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة.
لكن بعض المبادرات الأخرى قوبلت برد فعل ووضعت حزب العدالة والتنمية في سلسلة من المواقف القاسية، سواء كان ذلك في صورة رد فعل من جانب الاتحاد الأوروبي ضد قانون مقترح بحظر الزنا، أو الاحتجاجات ضد التضييق على أنماط الحياة العلمانية في عام 2013، أو رد فعل الأسواق على محاولات أردوغان المستمرة لتقييد أسعار الفائدة بإرغام البنك المركزي المستقل صوريا في نهاية المطاف على رفع أسعار الفائدة.
سلط الكاتب والناقد وليام أرمسترونج الضوء على هذا الموضوع في مقال كتبه لمؤسسة وورلد بوليتكس ريفيو رجح فيه أن افتقار الحكومة إلى النجاح في تغيير سلوكيات المجتمع إلى الآن قد يكون إشارة على أن مهمة أردوغان محكوم عليها بالفشل.
وقال “على الرغم من أن حزب العدالة والتنمية هو رأس السلطة، فإن الاتجاهات في الأجل الأطول تشير إلى أن المجتمع التركي قد لا يكون يتجه بلا هوادة في مسار إسلامي متجانس”.
أضاف “تشير تقارير إلى أن الكثير من الشباب الأتراك يميلون إلى فهم أقرب إلى الفهم الفردي الشخصي للدين من كونه فهما مؤسسيا، وذلك بفعل التشكك في عقيدتهم والتشوش الناتج عن “تناقضات” المعتقدات الإسلامية التقليدية.
“ويبدو أن الاتجاه القومي الديني المحافظ (الذي يتبناه أردوغان) بدعم من القوة الكاملة للدولة مهيأ للهيمنة على المشهد السياسي التركي في المستقبل المنظور. لكن الثورة الاجتماعية التي بشر بها حزب العدالة والتنمية وصار يتشدق بها، ليست بالعمق الذي يتصوره الكثير من المراقبين في داخل البلاد وخارجها.
بل إن حتى الكثيرين من ناخبي حزب العدالة والتنمية أمضوا سنوات طويلة ظلوا يستعذبون خلالها الجوانب التي يحبونها في سياسة الحزب – الزعيم القوي، والشعور بمكانة تركيا المتعاظمة في العالم، ونظام الحوكمة الاقتصادية الذي ظل حتى فترة قريبة بلا مشاكل إلى حد كبير، والاستثمارات في البنية التحتية وتوسعة مظلة نظام الرعاية الصحية – لكنهم في الوقت ذاته ظلوا يعارضون السياسات الاجتماعية والثقافية.
وفي مكان يتسم بالتنوع الاجتماعي مثل تركيا، هناك مدن يصلي مرشحو الأحزاب العلمانية فيها الصلوات الخمس، بينما هناك قرى تحرص على أن يكون لحم الخنزير على قائمة طعام مسؤولي حزب العدالة والتنمية، وهو ما يجعل محاولات فرض أي نوع من الأعراف المجتمعية والثقافية على سائر ربوع البلاد أمرا محكوم عليه بأن يلقى مقاومة.
وتحدث أردوغان بشكل علني العام الماضي عن استمرار هذا التوتر وعدم القدرة على فرض التغيير.
وقال أردوغان “أن تكون في السلطة سياسيًا فهذا شأن؛ لكن أن تكون في السلطة اجتماعيًا وثقافيًا، فهذا شأن آخر. لقد ظللنا في السلطة 14 عامًا على التوالي. لكن ما زلنا نواجه صعوبات في مسألة أن تكون في السلطة الاجتماعية والثقافية”.
كما أوضح بصراحة أنه يرى أن من يقاومون التغيير الاجتماعي القسري – مثل من شاركوا في احتجاجات حديقة غيزي عام 2013 – هم الأعداء.
وفي ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة ضد حكمه في يوليو 2016، قال “من خرجوا (للدفاع عن البلاد) لم يكونوا شباب حديقة غيزي. لقد كانوا شباب يحبون وطنهم وأمتهم”.
وقال أردوغان إن أناسا أصحاب نفوذ “لديهم فكر دخيل على بلدهم وأمتهم” هم من يقفون في طريق الإصلاح.
وإذا فاز أردوغان وحزبه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الرابع والعشرين من يونيو، فسيكون قد أمسك أخيرًا – حتى إن كان ذلك على الورق فقط على الأقل – بزمام السلطة التي تمكنه من فرض إصلاحات يقول إن هناك حاجة لها، وذلك بفضل تركيز السلطة في مكتب الرئاسة عبر الاستفتاء الذي أُجري العام الماضي.
وقد ألقى أردوغان بالفعل خطابا في فبراير من العام الجاري طرح فيه من جديد خطته لتجريم الزنا من خلال وضعه في تصنيف واحد مع الأشكال الأخرى من الممارسات الجنسية غير التوافقية.
فهل سيصبح أردوغان وحزب العدالة والتنمية المدافعيْن عن القضية أخيرا قادرين على استخدام سلطاتهما الأوسع لفرض أجندتهما الاجتماعية والثقافية؟ أم إنها مهمة مستحيلة رد فعل المجتمع الحتمي فيها أكبر كثيرا من أن يتجاهلانه؟