إن التطورات المقلقة التي يعيشها العراق وسوريا تُظهِر أن وتيرة تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى “منطقة بلقان جديدة” بدأت تنضج.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]تَحوَّلَت السياسة الخارجية التركية إلى ساحة رماية يجرِّب نفسه فيها كل مَن جاء أمامها. وإن عملية التحريف في السياسة الخارجية لأنقرة لا تزال تتطوَّر لتتمخَّض عنها نتائج ثقيلة للغاية ضدّ تركيا في المنطقة، حتى إن الدول الغربية بدأت تنظر إلى إيران على أنها الشريك الأكثر اتساقًا وجدِّيَّةً في المنطقة مقارنة بتركيا.[/box][/one_third]وليس من المبالغة الفاحشة أن نقول إن دول الخليج وإيران دخلوا عَبْرَ العراق في صراع ضَارٍ يرتكز على الاختلافات المذهبية بين الجانبين.
لقد تَمَخَّض عن السياسة الخارجية العاطفية الآيديولوجية غير الواقعية والمضادَّة للحقائق في منطقة الشرق الأوسط التي يتبعها حزب العدالة والتنمية التركي، ما يأتي من نتائج:
1- انهارت السياسة الخارجية التركية وفقدت اعتبارها: ولقد حرّفت المبادرات عديمة الخبرة والآيديولوجية والرومانسية والمثالية لكوادر حزب العدالة والتنمية، الذي يُعتبر صاحب فكر إسلامي جديد غريب على تقاليد الدولة التركية، حرّفت السياسةَ الخارجية التركية كثيرًا. وتَحوَّلَت السياسة الخارجية التركية إلى ساحة رماية يجرِّب نفسه فيها كل مَن جاء أمامها. وإن عملية التحريف في السياسة الخارجية لأنقرة لا تزال تتطوَّر لتتمخَّض عنها نتائج ثقيلة للغاية ضدّ تركيا في المنطقة، حتى إن الدول الغربية بدأت تنظر إلى إيران على أنها الشريك الأكثر اتساقًا وجدِّيَّةً في المنطقة مقارنة بتركيا.
2- المخابرات التركية تعمل في الداخل فقط: يرعى جهاز المخابرات التركية مصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم، لا مصالح الدولة، بوصفه جهاز استخبارات لحزب آيديولوجي.
لقد فقدت تركيا قدرتها على الردع
كان جهاز المخابرات في تركيا موجَّهًا منذ قيام الجمهورية للعمل في الداخل، أي التركيز على الأعداء الداخليين. وكانت مهامُّه الرئيسية طَوَال هذه السنوات هي مكافحة القومية الكردية، والقومية التركية، والشيوعية، والرجعية. وإذا لاحظتم فكل هذه الفاعليات كانت موجَّهة داخليًّا.
أما اليوم فحزب العدالة والتنمية يستخدم جهاز المخابرات من أجل حماية مصالحه من جهة، وكتنظيم مخابراتي موجَّه إلى مُعارِضي سياسات الحزب من جهة أخرى.
لقد انهار جهاز المخابرات التركي بسبب علاقاته مع تنظيم “داعش” (دولة الإسلام في العراق والشام)، وكذلك جرَّاء واقعة استيلاء التنظيم على القنصلية التركية في الموصل واحتجازه العاملين فيها أمام أعيُن الجميع. وإذا كان جهاز الاستخبارات لا يستطيع تَعَقُّب العناصر والتطوُّرات القريبة التي تهدِّد دولته، فإنه يكون بذلك قد انتهى وولّى زمانه منذ وقت طويل.
3- فقدت تركيا قدرتها على الردع على الساحة الدولية: هذه الحقيقة نتيجة لا مفر منها للفرق بين الكلام والفعل في السياسة الخارجية. وإذا كانت العبارات الحماسية والمتحدية لا تلقى الدعم من تجهيزات عملية واستراتيجية وقوة عسكرية، فإن من سيخسر بكل تأكيد يكون اعتبار الدولة والشعب. وهذا ما حدث مع تركيا التي أصبحت في مجال السياسة الخارجية كالملاكم الذي خارت قواه، فهو لم يعد يتلقى لكمات من منافسه فحسب، بل بدأ يُضرب من الجمهور أيضًا.
و دخلت ايران الحرب
4- تركيا تسير بسرعة في طريقها نحو أن تكون دولة مشبوهة تصادق المنظمات الإرهابية على الساحة الدولية:
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كان جهاز المخابرات في تركيا موجَّهًا منذ قيام الجمهورية للعمل في الداخل، أي التركيز على الأعداء الداخليين. وكانت مهامُّه الرئيسية طَوَال هذه السنوات هي مكافحة القومية الكردية، والقومية التركية، والشيوعية، والرجعية. وإذا لاحظتم فكل هذه الفاعليات كانت موجَّهة داخليًّا.أما اليوم فحزب العدالة والتنمية يستخدم جهاز المخابرات من أجل حماية مصالحه من جهة، وكتنظيم مخابراتي موجَّه إلى مُعارِضي سياسات الحزب من جهة أخرى.[/box][/one_third]– شحنات الأسلحة المرسَلة إلى الجماعات المعارضة في سوريا دون ضابط.
– علاقات مشبوهة مع ياسين القاضي الذي تربطه علاقة بتنظيم القاعدة.
– وبناءً على تحذير والي ولاية هاتاي التركية، عبور المسلَّحين الراغبين في الانضمام إلى صفوف داعش من تركيا وخارجها من الأراضي التركية إلى مناطق القتال، وصمت الحكومة التركية أمام هذه الوتيرة.
– أخبار تَلَقِّي قائد بتنظيم “داعش” العلاج في هاتاي التركية تؤثِّر سلبيًّا على صورة تركيا.
لكن حكومة حزب العدالة والتنمية لا تحرِّك ساكنًا من أجل إصلاح هذه الصورة التي بدأت تترسَّخ لدى الغرب، كما أن عدم وصف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان هذا التنظيم بالإرهابي يدعم هذه النظرة. وإن حُجَّة المسؤولين الحكوميين في أنقرة، بعدم وصف “داعش” ب”التنظيم الإرهابي” لكي لا تتعرّض حياة الرهائن الأتراك المحتجَزِين لدى “داعش” للخطر، ليست مُقنِعة أبدًا، لأنّ المسؤولين لم يتراجعوا عن استخدام تعبير “التنظيم الإرهابي” لوصف حزب العمال الكردستاني في أي وقت من الأوقات، على الرغم من اختطافه كثيرًا من المدنيين والموظفين على مدار تاريخه.
تركيا تخسر في الشرق الأوسط
إن تأسيس دولة سُنِّيَّة في وسط العراق يُعتبر هدفًا استراتيجيًا للحكومات الخليجية، وفي مقدِّمتها الحكومة السعودية، بقدر ما هو هدف العرب السُّنَّة في العراق، لأن دولة كهذه ستمثِّل تطوُّرًا موازنًا للمخاوف التي تشهِّر بها دول الخليج إزاء إيران. وفي الوقت نفسه يكون قد تَأَسَّس مِحوَر سُنِّي من المغرب غربًا إلى العراق شرقًا. وإنَّ تطورًا محتمَلاً كهذا جدير بالتفضيل جدًّا من جانب سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
هذه الاستراتيجيات الراديكالية ذات المحور العراقي التي تنتهجها دول الخليج العربي في مواجهة إيران قد تَجُرُّ المنطقة إلى حرب كبيرة جدًّا تفوق أي صراع مذهبي، كما أن إيران دخلت الحرب في العراق ضمنيًّا، كما هو الوضع في سوريا.
إن مبادرة “البشمركة” وحزب العمال الكردستاني، اللذين أعلنا أنهما سيقاتلان ضد “داعش”، ستُفقِد مفاوضات السلام الجارية في تركيا قيمتها بشكل كبير من وجهة نظر حزب العمال الكردستاني.
الأكيد في الأمر أنه لا شيء سيكون كما كان في الماضي من جهة تركيا ومنطقة الشرق الأوسط على حدِّ سواء.
ـــــــــــــ
بقلم جولتكين آفجي، جريدة زمان التركية.