بقلم: ممتاز أرتركونه
بالأمس كانت جبهة النصرة الإسلامية، وقبلها تنظيم القاعدة، وقبل ذلك كانت جماعة طالبان، تبقى الأسماء، إلا أن ما يشغل الساحة يتغير، لكن ذلك لا يغيِّر طبائع هذه التنظيمات التي صالت وجالت تحت هذه اللافتات ولا الانطباع المخيف الذي تركته لدى الرأي العام العالمي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن تنظيم داعش مصيبة كبرى حلّت على تركيا، وجميع مخططات سائر المجموعات الأخرى تتضمن حسابات لما هو أبعد من داعش الذي يعتبر مفتاحًا مؤثرًا لترسيخ قوة الولايات المتحدة في المنطقة من جديد، أما إيران فوجدت أمامها في المنطقة مساحات شاسعة وفرصًا مواتية بفضل ظهور داعش، وفي سوريا، وجد نظام بشار الأسد طريق نجاته كبديل لتنظيم داعش، فيما نسيت الحكومة الشيعية في العراق جميع أخطائها.[/box][/one_third]ويبدو أن قدرة هؤلاء على ممارسة الأنشطة الإرهابية غير محدودة، فهُمْ يقدمون على ارتكاب أفظع أشكال الجرائم والمذابح مثل قطع الرقاب، ناهيك عن التصرفات التي تنمّ عن التعصب الأعمى الذي لم يرد في التاريخ قط كالاستعباد والرجم وعدم الاعتراف بحق الحياة لأصحاب العقائد المخالفة لهم وغير ذلك، ألم نشاهد القوالب نفسها في تلك التنظيمات التي لم يتغير سوى أسمائها؟ وهذا يعني أننا لو نجحنا اليوم في حل مشكلة تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الإرهابي، ستظهر أمامنا المشاهد المريعة ذاتها تحت راية تنظيم جديد. فإذا كان الأمر كذلك، ألا تتفقون معي في أن هناك غرابة في مخطط القضاء على داعش؟
إن تنظيم داعش، كما يقول الكاتب الصحفي التركي طه آكيول، ما هو إلا صديد طفح من جراح المجتمعات الإسلامية، وهذا الصديد ظهر نتيجة لمرض يعانيه الجسد الإسلامي منذ فترة طويلة، وهو في الوقت نفسه تمخض عن الجراح الغائرة التي أصيب بها المسلمون جراء الهجمات القادمة من الخارج.
إن تنظيم داعش هو نتيجة لتطورات سابقة، وما هو إلا سرب من البعوض الذي يهيم فوق مستنقع، غير أن احتمالية أن ينتشر هذا البعوض وينشر الوباء في المكان مرتفعة للغاية، كان رئيس الوزراء التركي الحالي أحمد داود أوغلو محقًا فيما قال؛ فلو لم يكن الغرب قد أدار ظهره للحرب الأهلية في سوريا، ولو كانت الدراما الإنسانية التي أفضت إلى موت مئات الآلاف من البشر ولا تزال مستمرة إلى الآن وجدت لنفسها مكانًا بين حسابات المصالح الصغيرة بين القوى العالمية، ولو كان العرب السنة في العراق قد وضعوا في الحسبان؛ فهل كانت معضلة داعش قد ظهرت أمامنا اليوم بهذا الحجم الذي هي عليه الآن؟
إن تنظيم داعش مصيبة كبرى حلّت على تركيا، وجميع مخططات سائر المجموعات الأخرى تتضمن حسابات لما هو أبعد من داعش الذي يعتبر مفتاحًا مؤثرًا لترسيخ قوة الولايات المتحدة في المنطقة من جديد، أما إيران فوجدت أمامها في المنطقة مساحات شاسعة وفرصًا مواتية بفضل ظهور داعش، وفي سوريا، وجد نظام بشار الأسد طريق نجاته كبديل لتنظيم داعش، فيما نسيت الحكومة الشيعية في العراق جميع أخطائها. هذا في الوقت الذي يعيش فيه مسعود بارزاني عصره الذهبي شمال العراق. ونرى منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابي، بشكل كوميدي، تطلب السلاح من تركيا لمواجهة خطر داعش، وتعمد في الوقت نفسه إلى توسيع نطاق شرعيتها على المستوى الدولي. فالعالم يُعاد تشكيله من جديد بحجة ظهور تنظيم مكوّن من بضعة عشرات الآلاف من المسلحين.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]من الطبيعي أن يسمم كابوس داعش المتنامي السياسة الداخلية في تركيا، ويجب على من يحاولون بناء علاقات عضوية بين داعش وحكومة حزب العدالة والتنمية أن يفكروا جيدًا في ذلك الأمر ويفحصوه كما ينبغي، ويعتبر داود أوغلو هو أفضل شخصية تستطيع فهم أيديولوجية داعش والدور الذي يلعبه وسلسلة الدمار التي تسبب بها، وهو في الوقت نفسه أكثر شخص سيعارض هذه الوضعية. فالنظام الذي يحاول إصلاحه كان قد هُدد من قِبل أجداد داعش في الماضي.[/box][/one_third]لا توجد دولة في الشرق الأوسط تفقد مكانتها واعتبارها أمام هذا الشيطان الجديد الذي علا شأنه سوى تركيا. فالتنظيم الإرهابي احتجز 49 مواطنًا تركيًا في الموصل قبل نحو ثلاثة أشهر، وهو بذلك قد أوقع تركيا في الأسر. وإن لم تكن التصريحات التي يطلقها المسؤولون في أنقرة من قبيل “التنظيم يحتجز العشرات من مواطنينا كرهائن، ولهذا فإننا لا نستطيع أن نفعل شيئًا ولا حتى أن نفصح عما نفكر به” نموذجًا لوقوع دولة كبيرة كتركيا في الأسر، فماذا يكون إذن؟ وهل تشكّل هذا التنظيم للإضرار بمصالح تركيا؟
من الطبيعي أن يسمم كابوس داعش المتنامي السياسة الداخلية في تركيا، ويجب على من يحاولون بناء علاقات عضوية بين داعش وحكومة حزب العدالة والتنمية أن يفكروا جيدًا في ذلك الأمر ويفحصوه كما ينبغي، ويعتبر داود أوغلو هو أفضل شخصية تستطيع فهم أيديولوجية داعش والدور الذي يلعبه وسلسلة الدمار التي تسبب بها، وهو في الوقت نفسه أكثر شخص سيعارض هذه الوضعية. فالنظام الذي يحاول إصلاحه كان قد هُدد من قِبل أجداد داعش في الماضي.
إن تركيا، على الرغم من كل شيء، دولة قديمة لها عاداتها وتقاليدها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتبنى هذه الدولة سياسة “الرقص” مع داعش، وبقي أن نقول إن الأخطاء التي ارتكبتها تركيا إبان اندلاع الحرب الأهلية في سوريا ارتكبتها كذلك أوروبا والولايات المتحدة. ولم يكن أحد يتوقع أن تتحول هذه المشكلة إلى بلاء كبير كهذه خلال فترة وجيزة. وداود أوغلو أشار إلى هذه الحالة عندما قال إن داعش استولى على أسلحة أمريكية متطورة.
لا توجد أية جهة مؤسسية في تركيا، بما في ذلك أكثر التيارات الإسلامية تطرفًا، تنظر بعين التعاطف إلى داعش الذي يعتبر بالنسبة لتركيا تياراً حديثاً لا جذر له في التاريخ، وهذا التيار يستمد طاقته من القضايا الراهنة وليس العادات الأيديولوجية. وسيواصل التنظيم زيادة طاقته كلَّما تحول إلى “شيطان عالمي”.
إن زيادة أعداد المقاتلين المنضمين إلى تنظيم داعش من تركيا ما هي إلا نتيجة للمركز المهيمن الذي بدأ التنظيم احتلاله في التطورات الحالية على المستويين الإقليمي والدولي. وعلينا جميعًا أن نناقش أسباب هذه التطورات جنبًا إلى جنب.