بقلم: علي بولاج
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الله لا يعاقب أحدًا بالجوع، بل إنه يرزق الكافرين كالمؤمنين لفترة قصيرة، ثم يعذبهم بعد ذلك. وإذا كان العالم يواجه خطر المجاعات ويعاني ملايين البشر كل عام جراء هذا، فإن ذلك يعتبر نتيجة لسيطرة القوى عديمة الرحمة على مصادر الرزق التي خلقها الله لجميع البشر، ونهبها لمنابع الرزق، وتقسيم الموارد بطريقة ظالمة من قِبل أصحاب القوة السياسية والعسكرية.[/box][/one_third]كان سيدنا إبراهيم عليه السلام قد دعا ربه قائلاً “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ”، فأجابه الله سبحانه وتعالى بقوله “قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” (البقرة – 126).
تعتبر مدينة مكة منطقة غير صالحة للزراعة تشتهر ببنيتها الصخرية البركانية القاسية والصلبة. وكان سيدنا إبراهيم عليه السلام قد أسكن زوجته هاجر وابنه إسماعيل في بادئ الأمر في ذلك المكان، أو بالأحرى تركهم وعاد إلى فلسطين. وتشير التوراة إلى أن المكان الذي ترك فيه إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وابنه إسماعيل فيه هو “ريف بئر السبع” (سفر التكوين، 12، 14). ويقع ذلك المكان في أقصى جنوب فلسطين، ويرى اليهود القدماء أن تلك المنطقة تشمل أيضًا منطقة الحجاز. وقد تربى سيدنا إسماعيل عليه السلام في تلك المنطقة بين قبيلة” جرهم” إحدى قبائل القحطانيين، وتزوج منهم، وبالتالي فإن سيدنا إسماعيل هو من العرب المستعربة، وهو سامي الأصل.
دعا سيدنا إبراهيم عليه السلام ربه قائلًا: “فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” (إبراهيم – 37). ولقد أصبحت تلك المنطقة بمرور الوقت مكانًا يتوافد إليه الناس ويجتمعون به. وإن لم تكن تلك المنطقة مكانًا مهيأ من ناحية الرزق، لما كان الناس توافدوا إليها وأقاموا بها أبدًا. وكان إبراهيم عليه السلام قد دعا الله بشكل ملفت بتوفير الأمن ثم الرزق بعد ذلك “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ” (إبراهيم – 35). إلا أن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كان قد أوضح في حديث شريف أن مكة “آمنة” منذ قديم الأزل؛ إذ قال “إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض”. ولقد قدر الله منذ الأزل أن تكون لمكة حرمةً، وعلى الناس أن يحترموها ويراعوها. ويؤكد نبي التوحيد الأكبر سيدنا إبراهيم عليه السلام هذا المعنى.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ينبغي للمؤمنين أن يشكروا الله على الرزق الذي أنعم به عليهم وأن ينفقوه على الفقراء والمحتاجين. ولا يجب أن يكون امتلاكهم لدخل محدد سببا لأن يخطئوا ويغتروا. وإذا تفكروا قليلًا في ذلك فسيدركون أن الرزق الموهوب لهم في الحياة الدنيا خاص بفترة زمنية محدودة؛ إذ إن الرزق ينقطع بالموت، وأنهم إذا قارنوه بالرزق في الآخرة فسيعلمون أنه أقل منه كمًا ونوعًا. ويجب على مَن في السلطة أن يستخرجوا الدروس والعبر من هذا، ويتجنبوا تدمير سبل الحياة الخاصة بمعارضيهم، وتهديدهم بطردهم هم وأقاربهم من وظائفهم، والسماح فقط لأنصارهم باستغلال إمكانيات الدولة ومصادرها.[/box][/one_third]وهنا نرى دعاءً آخر، دعا به سيدنا إبراهيم عليه السلام، ألا وهو رزق المؤمنين فقط من سكان هذا البلد الذي دعا بأن يكون آمنًا. إلا أن الله سبحانه وتعالى أخبره بقوله “قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” (البقرة – 126). وهذه نقطة مهمة تشير إلى أن الكافرين لن يؤدبوا أو يعاقبوا بتجويعهم. ويقول بعض العلماء أنه لا يجوز تجويع سكان أي مدينة من مدن الأعداء حتى في وقت الحرب، لا سيما النساء والأطفال والشيوخ. أما اليوم فإن الدول القوية تفرض عقوبات اقتصادية على الدول التي تعتبرها عدوا لها، وتتسبب بذلك في انكسار شعوب تلك الدول من الجوع وموتهم من قلة الدواء. وعندما تبدأ القوى الكبرى في اتخاذ موقف محدد تجاه دولة أو زعيم، فإن أول وسيلة تلجأ إليها لمعاقبة هذه الدولة أو هذا الزعيم هي فرض العقوبات الاقتصادية، لاسيما وأن العقوبات المفروضة لسنوات على الغذاء والدواء تفضي في النهاية إلى انكسار الشعوب جراء الجوع والمرض. وكذلك السياسيون يبادرون ما إن يصلوا إلى السلطة إلى القضاء على منافسيهم، وتجفيف منابع قواهم، وبهذه الطريقة ينتهجون طريقة تمكنهم من إخراس معارضيهم ومعاقبتهم.
إن الله لا يعاقب أحدًا بالجوع، بل إنه يرزق الكافرين كالمؤمنين لفترة قصيرة، ثم يعذبهم بعد ذلك. وإذا كان العالم يواجه خطر المجاعات ويعاني ملايين البشر كل عام جراء هذا، فإن ذلك يعتبر نتيجة لسيطرة القوى عديمة الرحمة على مصادر الرزق التي خلقها الله لجميع البشر، ونهبها لمنابع الرزق، وتقسيم الموارد بطريقة ظالمة من قِبل أصحاب القوة السياسية والعسكرية (راجعوا الآية 46 من سورة المرسلات التي تقول “كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ”).
ينبغي للمؤمنين أن يشكروا الله على الرزق الذي أنعم به عليهم وأن ينفقوه على الفقراء والمحتاجين. ولا يجب أن يكون امتلاكهم لدخل محدد سببا لأن يخطئوا ويغتروا. وإذا تفكروا قليلًا في ذلك فسيدركون أن الرزق الموهوب لهم في الحياة الدنيا خاص بفترة زمنية محدودة؛ إذ إن الرزق ينقطع بالموت، وأنهم إذا قارنوه بالرزق في الآخرة فسيعلمون أنه أقل منه كمًا ونوعًا. ويجب على مَن في السلطة أن يستخرجوا الدروس والعبر من هذا، ويتجنبوا تدمير سبل الحياة الخاصة بمعارضيهم، وتهديدهم بطردهم هم وأقاربهم من وظائفهم، والسماح فقط لأنصارهم باستغلال إمكانيات الدولة ومصادرها. وإذا راعى المسلمون أحكام دينهم، فلن يحمل أحد أي هم أو خوف إزاء جوعه أو فقده لوظيفته تحت حكم المسلمين، بغض النظر عن انتسابه لدين أو مذهب أو جماعة مخالفة لمن هم في السلطة.
صحيفة” زمان” التركية