بقلم: محمد كاميش
انتخب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان رئيسًا للجمهورية، بعدما حصل على 20.5 مليون صوت من أصل 56 مليون صوت في الانتخابات التي أجريت نهاية الأسبوع الماضي.
ولا أرغب في مناقشة مشروعية أردوغان من خلال طرح هذه الأرقام، ولم أطرحها سوى من أجل تجديد معلوماتنا، ومن المعلوم أن هذه الأرقام تجعل من أردوغان رئيسًا للجمهورية، لكن لا تعطيه – بصفته رئيس الوزراء السابق – وفريقه الجديد القوة السياسية الكافية لتحويل تركيا إلى دولة أخرى مختلفة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]بعد أن انتخب أردوغان رئيسًا للجمهورية، أصبح من الصعوبة بمكان الحديث عن الديمقراطية والقانون والعدل والشفافية في الدولة التي يخطط لبنائها من يحلمون بتأسيس تركيا جديدة! فهم يفكرون في دولة أكثر ضغطًا وإحكامًا، ويحلمون باشتراكية وطنية تصدر فيها الدولة القرارات الخاصة بكل شيء.[/box][/one_third]والحقيقة أنه لو كان أحد خرج علينا قبل 3 سنوات، بينما كنا نصوت في انتخابات 12 يونيو / حزيران على أمل دولة أكثر قانونية وعدالة وديمقراطية وشفافية، وقال إنكم ستعانون الأمرّين خلال سنوات قليلة من أجل الحصول على حقوقكم الحالية، لاعْتقدت أنه يفعل بنا كما تفعل برامج الكاميرا الخفية، وفي الوقت الذي كنا نحمل فيه أمل أن ننطلق، كدولة تركيا الديمقراطية والقانون، أصبحنا نشتاق إلى الديمقراطية والشفافية اللتين كانتا موجودتين في بلادنا قبل سنوات قليلة.
وبعد أن انتخب أردوغان رئيسًا للجمهورية، أصبح من الصعوبة بمكان الحديث عن الديمقراطية والقانون والعدل والشفافية في الدولة التي يخطط لبنائها من يحلمون بتأسيس تركيا جديدة! فهم يفكرون في دولة أكثر ضغطًا وإحكامًا، ويحلمون باشتراكية وطنية تصدر فيها الدولة القرارات الخاصة بكل شيء، ولا ريب في أن أكذوبة” الكيان الموازي” هي امتداد لهذه الفكرة، لا سيما ادعاء الإعلام الموازي، هذا الادعاء الذي يغذّي فاشية لم توجد حتى في ألمانيا النازية أيام هتلر.
وإذا كان التفكير المختلف والإيمان بأشياء مختلفة ونشر أخبار مختلفة يعني الإعلام الموازي، وإذا كان من يقول ذلك هم أشخاص مقربون من الحكومة؛ فلا يمكن أن يستخلص أحد من هذه المزاعم إلا نية هؤلاء لترسيخ نظام فاشي في البلاد، أي أن وسائل الإعلام التي تنشر أخبارًا مختلفة عن الإعلام الذي ترى الدولة أنه مناسب، تعتبر وسائل إعلامية موازية!
وإذا كان لا يفهَم من تعبير “تركيا الجديدة” أنها تعني الديمقراطية والقانون، فإن هذه الوضعية تنبئ عن مخاوف حقيقية، هذا فضلًا عن أن مستشار رئيس الوزراء يغيت بولوط، الذي يعتبر من أكثر الشخصيات حديثًا عن مصطلح تركيا الجديدة، بدأ يدافع بصوت جهوري عن ضرورة التخلي عن طلب العضوية بالاتحاد الأوروبي، والاتجاه للتعاون مع روسيا والصين، أي أنهم يريدون نموذجًا لدولة لا مكان فيها لمصطلحات ديمقراطية كالشفافية والتعددية والعدل، بل دولة مجتمعة حول زعيم قوي يصدر القرارات في كل شيء.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إذا كان التفكير المختلف والإيمان بأشياء مختلفة ونشر أخبار مختلفة يعني الإعلام الموازي، وإذا كان من يقول ذلك هم أشخاص مقربون من الحكومة؛ فلا يمكن أن يستخلص أحد من هذه المزاعم إلا نية هؤلاء لترسيخ نظام فاشي في البلاد، أي أن وسائل الإعلام التي تنشر أخبارًا مختلفة عن الإعلام الذي ترى الدولة أنه مناسب، تعتبر وسائل إعلامية موازية![/box][/one_third]إن هؤلاء يرون أن هذا الشخص هو الوحيد الذي له الحق في إصدار القرارات بالدولة، وأنهم لن يشركوا معه أحدًا، وإذا نفذوا هذا النموذج سيفهم الشعب التركي كافة أن ما نعيشه اليوم ليس صراعًا بين الحكومة وحركة “الخدمة”، بل صراع من أجل تغيير وجهة تركيا.
إلى أين ستتجه تركيا؟ هل ستتجه نحو نموذج دولة شرقية في الظاهر لكن غير مسلمة أم دولة غربية في الظاهر ولكن تحافظ على قيم الإسلام بداخلها؟ لا يجب أن تعتبروا أن الدولة المسلمة لا تشهد إلا حجاب النساء وإطلاق الشعارات الداعمة لقطاع غزة فقط، فهذا ليس إلا الإسلام الشكلي؛ إذ إن الدولة المسلمة الحقّة هي التي تحافظ على الشفافية، وتنظر إلى المال العام وكأنه مال اليتيم، وتحرّم الفساد والرشوة والسرقة وقول الزور، وتحتم عدم خيانة مال الدولة الذي يعتبر أمانة من الشعب لدى الحكومة.
لا تنسوا أن مؤشر الدراسة التي أجرتها جامعة جورج تاون الأمريكية حول القيم الإسلامية أثبت أن شعبي نيوزيلندا وأيرلندا يعيشان بشكل يتوافق مع المبادئ الإسلامية أكثر من جميع الدول الإسلامية، بينما لا تحدثنا تركيا الجديدة عن أي من هذه المواضيع، ولا تأمرنا إلا بطاعة زعيم قوي جدًا والخضوع للقرارات التي سيصدرها، ولا يوجد أي شيء آخر يعدوننا به.
لكن الحمد لله أثبتت لنا الانتخابات الرئاسية الأخيرة أن تحويل وجهة تركيا نحو النموذج الروسي أو الصيني ليس سهلًا، ولهذا السبب، فإن من يبذلون الجهود الحثيثة من أجل تحقيق هذا سينهكون تركيا فقط ولن يستطيعوا تحقيق أي شيء آخر.
صحيفة “زمان” التركية