بقلم: بولنت كوروجو
يستمر الجدل في تركيا حول الوضعية القانونية لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي اختير رئيسًا للجمهورية في الانتخابات التي أجريت الأحد الماضي.
يضع الدستور التركي توصيفًا واضحًا لرئيس الجمهورية كالتالي “يقطع من انتخب لمنصب رئيس الجمهورية علاقته بحزبه – إن وجدت – وتنتهي عضويته بالبرلمان”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لقد تعلّم أردوغان الدرس من الوضع الذي عانى منه الرئيسان الأسبقان تورجوت أوزال وسليمان ديميريل، وأدرك أنه من المستحيل التحكم في حزبه عن بُعد وهو في القصر الجمهوري، ولأن رئيس الحزب هو الذي يختار بمفرده، فالجميع مدين له، وحتى إن وصف من يحكم البلاد من القصر الجمهوري بأنه الزعيم الطبيعي والدائم، فإن من يملك زمام الأمر داخل الحزب يكون هو السلطان الآمر الناهي، أي أن ما يقوله رئيس الحزب ينفَّذ في الحال.[/box][/one_third]وتعرّف المادة التالية عملية الانتخاب كالتالي: “المرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات الصحيحة ينتخَب رئيسًا للجمهورية”، وعندما يقطع علاقته بالحزب تنتهي رئاسته له، كما أنه عندما تنتهي عضويته بالبرلمان تنتهي فترة توليه رئاسة الوزراء، ولا يوجد الشيء الكثير الذي سيفعله أردوغان في منصب رئيس الوزراء الذي سيبقى فيه لأسبوعين قادمين، لكنه يريد تنظيم شؤون حزبه بصفته رئيسًا عامًا له.
لقد تعلّم أردوغان الدرس من الوضع الذي عانى منه الرئيسان الأسبقان تورجوت أوزال وسليمان ديميريل، وأدرك أنه من المستحيل التحكم في حزبه عن بُعد وهو في القصر الجمهوري، ولأن رئيس الحزب هو الذي يختار بمفرده، فالجميع مدين له، وحتى إن وصف من يحكم البلاد من القصر الجمهوري بأنه الزعيم الطبيعي والدائم، فإن من يملك زمام الأمر داخل الحزب يكون هو السلطان الآمر الناهي، أي أن ما يقوله رئيس الحزب ينفَّذ في الحال.
يأمل أردوغان في أن يواصل سيطرته على حزبه على المدى القريب على أقل تقدير من خلال عقد المؤتمر الاستثنائي للحزب تحت قيادته قبل أن يودع منصبه، وأعتقد أنه سيرضى لو قيل له اترك رئاسة الوزراء واحتفظ برئاسة الحزب.
أما السبب الوحيد لعقد المؤتمر الاستثنائي للحزب يوم 27 أغسطس / آب الجاري، أي قبل يوم واحد من مراسم حلفه لليمين كرئيس للجمهورية، فهو إنجاز هذا الأمر بينما الرئيس عبد الله جول في فترة المنع من مزاولة العمل السياسي، كونه رئيسا للجمهورية.
إن الأحزاب السياسية ليست مؤسسات تستطيع فعل كل ما تريد؛ إذ إنها مرتبطة بالدستور والقوانين واللوائح الخاصة بها، أما المؤسسة التي تراقب عمل الأحزاب فهي الهيئات القضائية، وفي مقدمتها المحكمة الدستورية، فيما تتولى المحاكم الإشراف على مؤتمرات الأحزاب السياسية، وكانت محكمة الصلح العاشرة في أنقرة قد عيّنت وصيًّا على حزب السعادة، وأجبرته على إعادة عقد مؤتمره، ويجب بكل تأكيد إلغاء مؤتمر يستخدم فيه أردوغان، الذي سقطت عضويته بحزب العدالة والتنمية وفقًا للدستور، كل صلاحيات رئيس الحزب، حتى أن تصريح حسين تشيليك نائب رئيس الحزب المتحدث باسمه، الذي قال فيه “سندخل المؤتمر بمرشح واحد”، يعتبر سببًا مسوغًا للاعتراض، ولا ينبغي لنا أن ننسى أن المحكمة الدستورية ألغت – بهذه الذريعة – القانون الذي يمنع الرئيس عبد الله جول من إعادة ترشيح نفسه في منصبه.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الأحزاب السياسية ليست مؤسسات تستطيع فعل كل ما تريد؛ إذ إنها مرتبطة بالدستور والقوانين واللوائح الخاصة بها، أما المؤسسة التي تراقب عمل الأحزاب فهي الهيئات القضائية، وفي مقدمتها المحكمة الدستورية، فيما تتولى المحاكم الإشراف على مؤتمرات الأحزاب السياسية.[/box][/one_third]إن الخطوات السريعة جدًا التي أقدمت عليها إدارة حزب العدالة والتنمية قبل عودة الرئيس جول إلى صفوف الحزب، ربما تؤدي إلى حالة من الانكسار داخل الحزب، فالأصوات التي حصل عليها الحزب تحت زعامة أردوغان في ظل هذه الحملات الانتخابية الضخمة لا تعتبر إشارة إيجابية فيما يتعلق بالانتخابات المقبلة، فالحصول على أصوات الناخبين برئيس عام ضعيف والبقاء في السلطة وحيدًا يشكل خطرًا لا مفر منه، ولقد شاهدنا في نموذجي حزبي الوطن الأم (ANAP) والطريق القويم (DYP) كيف أن الذين بقوا في الحزبين سارعوا من أجل إنقاذ أنفسهم، فإذا حافظ الحزب على قوته، تستمر نِعَم السلطة، ولن تكون مفاجأة أن يضع الجميع هذه المخاوف في المقام الأول من الآن فصاعدًا.
لم يتناقش أحد في حالتي أوزال وديميريل حول هذا الأمر لعدم وجود مرشح قوي يكون زعيمًا يسيطر على الحزب، أما مسألة رئاسة الوزراء فقد حُلّت من خلال صيغة التفويض، حيث فوض أوزال علي بوزار وفوض ديميريل أردال إينونو، وأكملا فترتهما المؤقتة، لكن أردوغان، بالرغم من هذين المثالين، مصرّ على مواصلة بقائه في منصب رئيس الوزراء، بيد أن مَن تسقط عنه عضويته بالبرلمان يفقد رئاسة الوزراء تلقائيًا، وجميع القوانين والإجراءات التي يوقع عليها أردوغان، بعد أن انتخب رئيسًا للجمهورية، سيرفضها القضاء، ولن يكون صحيحًا كذلك الحصول على نتائج في المحكمة الدستورية من خلال الخدع الكلامية، وكانت أزمة أغلبية ثلثي أعضاء البرلمان” 367 صوتا” من أجل إقرار التعديلات الدستورية، على المنوال نفسه، بحيث انجرّت البلاد إلى أزمة سياسية بسبب فرض العدد الكافي لاتخاذ القرار بصفته العدد الكافي للاجتماع بحجة أن الدستور لا ينص على ما يخالف ذلك.
ولا يوجد فرق بين ما حدث إبان انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2007 وبين ما يريد أردوغان فعله اليوم، وبالمناسبة، فإن هذا الغموض يفك شفرة الخلفية العقلية التي كان يفكر بها واضعو دستور انقلاب 12 سبتمبر / أيلول 1980.
إن واضعي الدستور الانقلابي لم ينظموا شؤون رئاسة الجمهورية لرؤيتهم أن السياسيين المدنيين لا يتوافقون مع تولي هذا المنصب، واقترحوا فقط أن منصب رئيس الوزراء يصبح شاغرا إما بالاستقالة أو بالإسقاط، وغفلوا عن احتمال انتخاب رئيس الوزراء ليكون رئيسًا للجمهورية.
وفي الواقع، نحن الآن أمام وضعية سقوط الحكومة؛ إذ أنه عندما يشغر منصب رئيس الوزراء تسقط الحكومة، ويبدو أن هناك غموضا في المسألة لأن المواد ذات الصلة في الدستور تنص على إسقاط الحكومة بواسطة الاستقالة والتصويت على الثقة ، أو حجب الثقة لتترَك البلاد دون حكومة ويجدَّد البرلمان إذا لزم الأمر ، هذا في حين أن هناك حالات يمكن أن يشغر بها منصب رئيس الوزراء مثل الوفاة أو انتخابه رئيسًا للجمهورية، وإذا لم يكن هناك حكم واضح يفصل في هذه القضية، يصدر قرار بتفسير الدستور بمواد الدستور نفسه، لكن إصرار أردوغان ربما يجرّ حزبه وتركيا إلى حالة من الفوضى.
صحيفة” زمان” التركية