بقلم: علي أصلان
كانت قمة قادة دول حلف شمال الأطلسي ” ناتو” في ويلز فرصة للرئيس الأمريكي لاستعادة الثقة بزعامته بعد أن أثار حفيظة الأمريكيين وحلفائهم في العالم بعد أن قال في تصريح له قبل أسبوعين: “ليست لدينا استراتيجية ضد داعش حتى الآن” ،وقد استفاد من هذه الفرصة جيدًا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]من الطبيعي أن يتم الاهتمام بأردوغان الذي شارك في القمة إلى جانب الرئيس الأمريكي والزعماء الأوربيين بصفته رئيسًا للجمهورية التركية، وهو زعيم دولة تملك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، لكن هل هذا يعني أنهم يحترمون أردوغان وحكومته ويثقون بهما؟ برأيي لا، فمن ذا الذي يثق بمن يتكبر على الغرب في الرأي العام التركي ولكنه يغدو كالمذنب الجبان حين يلتقي بالزعماء الغربيين، فلو لم يكن الغرب متذمرا من ازدواجية المعايير لدى حكومة أنقرة لما جندوا عناصر استخباراتية للتجسس عليها.[/box][/one_third]وعاد أوباما إلى البيت الأبيض مسرورًا بعد أن جمع حوله الأوربيين الذين وقَّعوا على تعهدات جديدة بعد أن كانوا لا يتدخلون في التصدي لروسيا وداعش، وهذه القمة لا تكفي بالطبع، فهناك العديد من التحديات في مواجهة حلف الناتو، لكن يبدو أن الحلف بدأ بالتحرك بعد أن حاد عن هدفه منذ انتهاء الحرب الباردة إلى الآن، كما ذكَّر بالتحديات الروسية وبأن الغرب ليس بمأمن كما كان يظن.
وقد انصبت الأولوية على القيم الجيوستراتيجية لدى الأوربيين الشرقيين والجنوبيين. أما تركيا فقد برزت مكانتها إلى جانب الحلفاء الأوربيين من خلال تأثير توسع داعش في جنوبها وروسيا في شمالها.
ما هي دواعي توجيه الخطاب لأردوغان؟
وفي هذا الإطار فإنه من الطبيعي أن يتم الاهتمام بأردوغان الذي شارك في القمة إلى جانب الرئيس الأمريكي والزعماء الأوربيين بصفته رئيسًا للجمهورية التركية، وهو زعيم دولة تملك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، لكن هل هذا يعني أنهم يحترمون أردوغان وحكومته ويثقون بهما؟ برأيي لا، فمن ذا الذي يثق بمن يتكبر على الغرب في الرأي العام التركي ولكنه يغدو كالمذنب الجبان حين يلتقي بالزعماء الغربيين، فلو لم يكن الغرب متذمرا من ازدواجية المعايير لدى حكومة أنقرة لما جندوا عناصر استخباراتية للتجسس عليها.
ولابدَّ أنَّ التصرفات الاستبدادية لأردوغان وحكومته التي تأتمر بأوامره بتهديد سيادة القانون وحرية الصحافة والمجموعات المدنية المستقلة والمعارضين ستؤثر سلبًا في العلاقة مع أمريكا والغرب، فالدول الغربية تولي الأهمية أولاً لمصالح الأمن القومي وتُرجئ الخوض في المشاكل المخالفة للديمقراطية في العلاقات الثنائية، وهذا بالضبط ما قاموا به طيلة الحرب الباردة، فقد غضوا الطرف عمومًا عن الانقلابات العسكرية، وانتهاك حقوق الإنسان، والفساد في تركيا؛ أو انتقدوا ذلك بصوت خافت، فمن يعلم كم نالت الدول الغربية من المكاسب مقابل الشرعية الدولية التي منحتها لتركيا، ولم لا يعملون على الاستفادة من حكومة أردوغان التي تدعي التجديد مع أنها في الحقيقة غيرت قميصها القديم فقط؟ فهم يتقربون بشيء من الفتور إلى حكومة تنادي بالهتافات الإسلامية بالمقارنة مع النظام العلماني القديم ولكنهم لا يتوانون أبدًا عن تحقيق مصالحهم.
وينبغي النظر إلى اجتماع أوباما بأردوغان من الجانب الذي ذكرته قبل قليل، إذ كان واضحًا في أثناء التقاط الصور من خلال لغة الجسد الحادة لأوباما أنه أجرى هذا اللقاء على مضض، وذلك من أجل تحقيق مصلحة بلده فقط، ولم يكن ذلك من قبيل المصادفة، فقد تهرب أوباما من العبارات الودية الشخصية تجاه أردوغان، واكتفى بالحديث عن الدور التركي في حلف الناتو وفي العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الذين يطلبون الدعم من دول خارجية في الخلافات الداخلية ويصورون بعض موظفي الدولة والمجموعات المدنية على أنهم يهددون الأمن القومي رافعين لافتة “الدولة الموازية” يؤكدون عجزهم وميولاتهم المناهضة للديمقراطية، ويضعون الجمهورية التركية في موقف حرج الشيء الذي يقلل من هيبتها.[/box][/one_third]ولا ندري ما إذا كان أوباما قد تحدث إلى أردوغان بشكل حاد عن سيادة القانون أو لا، لأننا لم نطلع على تفاصيل الاجتماع، وإن أوباما، الذي تصرف بدم بارد وبشكل واقعي وبراجماتي طيلة مدة ولايته الرئاسية دون التطرق لحقوق الإنسان والديمقراطية، لا يمكن أن نأمل منه التدخل في تركيا من أجل الديمقراطية، ويبدو أن أوباما لم يعقد الاجتماع لأنه على وفاق مع أردوغان بل لأن مصلحة الأمن القومي لأمريكا اقتضت ذلك.
تعمد الإساءة في موضوع كولن مرة أخرى
ومن أسباب تخوف أوباما من اجتماعه بأردوغان هو التصريحات التي أدلى بها أردوغان في وقت سابق عن محتوى اللقاء، الأمر الذي انعكس على الرأي العام التركي مخالفاً للواقع، وكنا رأينا خير مثال على هذا الانعكاس بعد قول أردوغان أن أوباما بدا متحمسًا لإعادة الشيخ العلامة الجليل فتح الله كولن بناء على طلب أردوغان عبر اتصال هاتفي في فبراير/ شباط الماضي. وكانت المرة الأولى التي يكذِّب فيها البيت الأبيض رئيس وزراء تركي في تاريخ العلاقات بين البلدين.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار تصريحات أردوغان وأنباء الصحف الموالية له فيما بعد اللقاء الأخير لتبين وجود محاولة لخلق جو شبيه بذلك الادعاء، فهم يصورون الأمر وكأن أوباما يقول لهم أرسلوا إلي المستندات اللازمة وأنا سأتكفل بالأمر، وفي الحقيقة سنرى كيف سيرد البيت الأبيض على سياسة تفادي أردوغان وفريقه لطلبهم غير المشروع.
إن الذين يطلبون الدعم من دول خارجية في الخلافات الداخلية ويصورون بعض موظفي الدولة والمجموعات المدنية على أنهم يهددون الأمن القومي رافعين لافتة “الدولة الموازية” يؤكدون عجزهم وميولاتهم المناهضة للديمقراطية، ويضعون الجمهورية التركية في موقف حرج الشيء الذي يقلل من هيبتها، وإن مثل هذه التصرفات الواردة من أنقرة ليست غريبة أبدًا على الديمقراطية العالمية، فقد ظهرت في السابق ادعاءات مبالغ فيها في العواصم الغربية بحجة ما يُسمى “بالخطر الرجعي” ،ولا يخفى على الدول الغربية أن اتهام الحكومة لما تسميه بالدولة الموازية بأنها سبب عمليات الفساد محض افتراء، لكن الدول الغربية ستظل على علاقة بتركيا ما لم تخسر تركيا موقعها الجيوستراتيجي.