(زمان التركية)ــ نشر موقع (أحوال تركيا) تقريرًا يتناول الوضع الاقتصادي الصعب في تركيا، والذي يبدو أنه سيتأزم أكثر وأكثر، بعد إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان في تصريحات صحفية، نيته فرض سيطرة أكبر على السياسات النقدية في الدولة، ما يثير قلقًا بالغًا لدى المستثمرين.
وجاء في التقرير: يقول المستثمرون في تركيا إن الكيل قد طفح بعد أن تعهد الرئيس رجب طيب أردوغان بفرض سيطرة أكبر على السياسة النقدية والاقتصادية بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 يونيو.
وعقب هذا التصريح الكارثي، تراجعت قيمة الليرة إلى مستوى قياسي جديد عند 4.46 ليرة للدولار يوم الثلاثاء، لتصل خسائر العملة التركية هذا العام إلى أكثر من 15 في المئة. وفي مقابلته مع تلفزيون بلومبرغ، قال أردوغان إنه، وليس البنك المركزي، المسؤول الأول عن توجيه السياسة النقدية.
وظهرت تصريحات أردوغان لبلومبرغ وكأنها محاضرة شاملة حول النظريات البديلة لكيفية إدارة الاقتصاد الوطني، والتي تضمنت مرة أخرى إصراره على أن ارتفاع أسعار الفائدة ناجم عن التضخم. كما استشهد أردوغان، الذي كان وقتها في لندن للقاء رئيسة الوزراء تيريزا ماي ومجموعة من المستثمرين، بالولايات المتحدة وبريطانيا باعتبارهما “مثالين واضحين” على كيفية مساهمة أسعار الفائدة الحقيقية السلبية في تحفيز الاستثمارات في الاقتصاد الوطني، مع إبقاء معدلات التضخم تحت السيطرة في الوقت ذاته.
وكان أردوغان قد أعلن الأسبوع الماضي أنه إذا قالت الأمة يوما “كفى” (تمام بالتركية)، فإنه سيتنحى جانبا. وهو تصريح استغله خصومه السياسيون على الفور ليطلقوا حملة “تمام” على وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد أن حققت الحملة انتشارا كبيرا على الإنترنت في غضون دقائق، رد أنصار أردوغان بإطلاق حملة مضادة تحمل وسم “ديفام” (أي استمر بالتركية).
وقال تيم آش، الخبير الاقتصادي في شركة “بلو باي” لإدارة الأصول في لندن، إن المقابلة مع بلومبرغ أظهرت أردوغان متحررا من كل القيود التي كانت من الممكن أن تمنعه من الحديث بصراحة عن أفكاره وتصوراته الاقتصادية، ومن دون النظر في أي عواقب لكلماته، لدرجة أنه حاول إقناع محاوره جاي جونسون بصحة نظرياته الاقتصادية.
في المقابل، ضغط جونسون على أردوغان بشأن نهجه المتعلق بالإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة خلافا لنصائح الخبراء الاقتصاديين، وطلب منه أن يستشهد بإحصاءات الدول الأخرى التي يقول هو نفسه إنها تمثل دليلا على صحة خطته لتخفيض أسعار الفائدة بعد الانتخابات.
وقال أردوغان ردا على ذلك: “لا داعي لأن ننظر إلى اليسار وإلى اليمين ولأن نعيد اكتشاف العالم.. فعندما تكون هناك أمثلة واضحة وملموسة، لماذا نندفع إلى اليسار أو اليمين؟”.
واستطرد أردوغان بعدها ليستشهد “بالتطور الخطير للغاية” في الأرجنتين، حينما رفعت الحكومة معدلات الفائدة إلى 14.4 نقطة مئوية بما يتجاوز مستوى التضخم، للحد من انخفاض قيمة عملتها، بهدف ضمان إبرام اتفاق قرض جديد مع صندوق النقد الدولي لإنقاذ اقتصادها.
وعندما سأله جونسون عما إذا كان ينوي لعب دور في السياسة النقدية بعد الانتخابات، أجاب أردوغان: “بالطبع! قد يسبب ذلك انزعاجا للبعض. لكن علينا فعل ذلك. لأن من يحكمون الدولة هم المسؤولون أمام المواطنين.”
وفي إشارة أخرى على بدء نفاد صبر المستثمرين من أردوغان، ارتفعت عوائد السندات لأجل عشر سنوات في تركيا إلى 14.5 في المئة يوم الثلاثاء، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق.
وفي ظل امتناع البنك المركزي عن رفع أسعار الفائدة (سبق للبنك أن رفع أسعار الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام، وبنحو 75 نقطة أساس فقط إلى 13.5 في المئة للدفاع عن قيمة الليرة المتعثرة)، تتعرض سوق السندات لضغوط متزايدة.
وذكرت تقارير صحفية محلية أن المستثمرين الأجانب بدؤوا يفقدون الثقة في الاستثمار في السندات التركية، متعللين في ذلك باتساع الفجوة بين أسعار العطاءات والعروض. كما أن الطلب على سندات الدين بالليرة التركية في المزادات الأخيرة اتسم بالفتور في أحسن الأحوال.
ويبدو أن أردوغان لن ينتظر حتى نهاية الانتخابات للشروع في محاولة تخفيض أسعار الفائدة. ففي الأسبوع الماضي، قام بنكان تديرهما الدولة ويسيطر عليهما مستشارو أردوغان وحلفاؤه من خلال صندوق الثروة السيادي التركي، بخفض أسعار الفائدة على الرهون العقارية إلى 0.98 في المئة شهريا، ما يعني أنهما سيتكبدان خسائر ضخمة في الإقراض لأن البنوك الأخرى تحصل الودائع بأكثر من 13 في المئة سنويا.
وقال أردوغان يوم الاثنين الماضي إن البنوك التركية يجب أن “تتكيف” وفقا لخططه فيما يتعلق بخفض أسعار الفائدة.
وكانت السياسات الحكومية قد ساهمت بشكل مباشر في رفع معدلات الفائدة والتضخم في البلاد، إذ قدم أردوغان عشرات المليارات من الدولارات في صورة ضمانات لقروض الشركات العاملة في قطاع الصناعة، وأمر بزيادة مدفوعات المعاشات للمتقاعدين ومنح حوافز استثمارية ضخمة، من بينها إعفاءات ضريبية وتسهيلات في إجراءات الضمان الاجتماعي، لحلفائه المقربين من رجال الأعمال.
وقد أدت كل هذه الإجراءات إلى ارتفاع معدل التضخم إلى 10.9 في المئة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط التضخم في الأسواق الناشئة. كما أدت إجراءات التحفيز الاقتصادي التي أقرها أردوغان، والتي دفعت النمو الاقتصادي نحو الصعود إلى أكثر من 7 في المئة العام الماضي – وهو أعلى معدل في مجموعة الدول العشرين الصناعية – إلى زيادة العجز في الحساب الجاري إلى أكثر من 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مصحوبا بزيادة في الطلب على الواردات.
كما يشعر صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الائتماني بقلق بالغ إزاء التطورات الاقتصادية في تركيا. وفي أبريل، خفضت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف ديون تركيا بالعملات الأجنبية بدرجة واحدة إلى –BB، أي أقل بدرجتين من درجة الاستثمار، محذرة من أن الاستبداد المتزايد لنظام أردوغان يجعل من الصعب التنبؤ بالسياسات الاقتصادية التركية في المستقبل القريب.