منى سليمان*
(زمان التركية)ــ في مؤشر جديد على تصاعد التوتر بين تركيا من جهة ومحور “اليونان، قبرص” من جهة أخرى، أعلنت القوات البحرية اليونانية في 4 مايو 2018 عن قيام سفينة شحن تركية بالتعرض لزورق عسكري تابع لها كان يقوم بدورية لمراقبة حركة الهجرة غير الشرعية في بحر إيجه. في دورية قبالة جزيرة ليسبوس ضمن عمليات لحلف شمال الأطلسي ثم أسرعت السفينة بعدها نحو الساحل التركي. ويعد ذلك أول رد فعل تركي علي قرار رئيس الوزراء اليوناني “أليكسيس تسيبراس” يوم 23 أبريل 2018 تجميد الصفقات التجارية مع تركيا إلى حين الإفراج عن الجنديين اليونانيين المحتجزين بمحافظة أدرنة بتركيا. ومن جانبه هدد رئيس قبرص “نيكوس أناستاسيادس” يوم 31 مارس 2018 تركيا باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي حال أقدمت أنقرة على استخدام سفينة خاصة بها، لأغراض التنقيب عن الغاز الطبيعي في المنطقة الاقتصادية الخاصة بقبرص. وقد تصاعد التوتر بين الدول الثلاث منذ مطلع عام 2018، وذلك بفعل الإعتراض التركي على التنقيب القبرصي واليوناني على الغاز الطبيعي في حقول شرق المتوسط وإدعاء أنقرة أنها تمتلك الحق في التنقيب في مياه إقليمية ليست تابعة لها. واتخذ الإعتراض التركي أشكالا عسكرية من بينها منع شركات التنقيب من العمل في المياه الإقليمية لقبرص.
فهل نشهد حربا بين الطرفين أم سيتمكنان من إحتواء الأزمات المستمرة بينهما؟
أولا: تصعيد متبادل:
بدأت تركيا أزمة تصعيد التوتر ثم إستجابت اليونان وقبرص لأفعالها الإستفزازية قولا وفعلا وبلغ التوتر حده بين الدول الثلاث عقب إعتراض سفن عسكرية تركية لسفينة تابعة لشركة “إيني” الإيطالية للتنقيب عن الغاز الطبيعي أمام السواحل القبرصية، ومنع خفر السواحل التركي وزير الدفاع اليوناني “بانوس كامينوس” في نهاية يناير 2018 من الإقتراب من جزيرة “كارداك” المتنازع عليها في بحر إيجه، مما أعترضت عليه نيقوسيا وأثينا ثم تصاعدت حدة الخطاب السياسي بين الدول الثلاث.
1-الموقف التركي:
أفتعل الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” أزمات التصعيد المتكررة مع قبرص واليونان، وينتهز أى فرصة لتوجيه إنتقادات لليونان وقبرص ودافعه الوحيد في ذلك هو إستقطاب القوى التركية القومية التي تناصب اليونان وقبرص العداء. وكانت آخر مواقف “أردوغان” في هذا السياق التي أعلن عنها في 22 أبريل 2018 هو رفض تسليم جنديين يونايين محتجزين بتركيا لأثينا حيث أشترط على اليونان تسليمه ثمانية جنود فروا إليها عقب المحاولة الانقلابية في 2016 أولا وهو ما رفضه نظيره اليوناني. وسبق له ان حذر في 13 فبراير 2018 الشركات الأجنبية العاملة في مجال إستكشاف الغاز الطبيعي من التورط في الخلاف القائم بين بلاده وقبرص حول أحقية كلا منهما في إستكشاف الغاز الطبيعي بشرق البحر المتوسط.
وليس “أردوغان” وحده من يفتعل الأزمات بل كذلك بعض أعضاء حكومته فقد صرح وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” في 5 فبراير 2018 خلال حواره مع صحيفة يونانية، أن بلاده لن تعترف بإتفاق ترسيم الحدود بين مصر وقبرص الموقع عام 2013 والتي تم بناء عليها تحديد المناطق الاقتصادية للدولتين في شرق البحر المتوسط المنطقة الغنية بالغاز الطبيعي. وأدعى أن الاتفاقية تعتدي على “الجرف القاري التركي” الذي تزعم أنقرة أنه يمتد لخطوط الطول(32، 16، 18) درجة شرق البحر المتوسط.
كما تعهد في 12 أبريل 2018 رئيس الهيئة العامة لأركان الجيش التركي “خلوصي أكار” باتخاذ التدابير الضرورية في بجر إيجه ورفض بلاده فرض أمر واقع في إيجة وشرق المتوسط، وذلك بعدما أطلقت القوات اليونانية طلقات تحذيرية لإبعاد مروحية تركية حلقت فوق جزيرة “رو” الصغيرة على الحدود بين البلدين فوق مياه البحر.
2- الموقف اليوناني:
في خطوة تصعيدية من قبل اليونان جمد رئيس الوزراء اليوناني “أليكسيس تسيبراس” يوم 23 أبريل 2018 الصفقات التجارية مع تركيا إلى حين الإفراج عن جنديين يونانيين محتجزين في محافظة أدرنة. واتهم تركيا بالابتعاد عن أهدافها الأوروبية. وأكد إن بلاده ستبقى رابطة الجأش في مواجهة “استفزازات خطيرة” من جانب تركيا. بينما رفض الرئيس اليوناني “بروكوبيس بافلوبولوس” اشتراط نظيره التركي تسليم تركيا ثمانية جنود أتراك متورطين في انقلاب عام 2016، مقابل بحث مطلب الإفراج عن جنديين يونانيين محت في تركيا.
وفي أعنف تصريح سياسي من مسؤول يوناني ضد تركيا انتقد وزير الخارجية اليوناني “نيكوس كوسياس” في 19 ابريل 2018 الممارسات التركية في بحر إيجه وذلك عقب رفع العلم التركي على جزيرة كارداك (إيميا) الصخرية المتنازع عليها مع تركيا والتي تزعم أنقرة إمتلاكها منذ عام 1996، ودعا تركيا بألا تتعدى حدودها في بحر “إيجه” حسب القانون الدولي لأن اليونان ليست سوريا أو العراق اللتين استغلت تركيا الفرصة لدخول أراضيهما. بيد أنه أستبعد أيضا تطور الأمر لمواجهة عسكرية بين بلاده وتركيا.
وكانت المرة الأولى التي ينتقد فيها “تسيبراس” تركيا بحدة في 26 يناير 2018 حيث وصفها بأنها “جارة عدوانية”، وذلك بعد شهر واحد من فشل زيارة “أردوغان” لليونان في إحتواء التوتر بين البلدين. ثم لوح “تسيبراس” لأول مرة بإستخدام الحل العسكري لمواجهة تركيا في 25 مارس 2018 حيث إنتقدها بلهجة حادة وطالبها بالتوقف عن أنشطتها غير القانونية في بحر إيجة واحترام القانون الدولي.وأكد أن أثينا يمكنها حماية حقوقها السيادية وسلامة أراضيها. وتعهد بالعمل لعودة الجنديين المحتجزين في تركيا لوطنهما في أقرب وقت ممكن. ثم كرر إنتقاده لأنقرة مرة أخرى في 2 أبريل 2018 وأكد أنها تكثف أعمالها الاستفزازية وتدمر العلاقات بين الدولتين. وكذلك اتهم وزير الدفاع اليوناني “بانوس كامينوس” (المعروف بسياساته الوطنية القومية وعدائه لتركيا) الأتراك بتصدير توترهم ومشاكلهم إلى اليونان بينما تظاهر آلاف اليونانيين للمطالبة بالإفراج عن جنديين يونانيين معتقلين في تركيا. وأعلن “كامينوس” في أبريل 2018 الدفع بتعزيزات عسكرية ممثلة في 3500 جندي إلى الجزر الواقعة في بحر إيجه، وكذلك 3500 جندي إلى جزيرة إفروس القريبة من الحدود التركية، وأكد استعداد بلاده للتصدي لأي تهديد خارجي، وتعهد بإخراج الجنديين اليونانيين من تركيا، وإعادتهم لليونان مرة أخرى.
3-الموقف القبرصي:
بالطبع الموقف القبرصي منقسم الى شقين الأول جمهورية “شمال قبرص” حليفة تركيا وقبرص حليفة اليونان وعضو الإتحاد الأوروبي والناتو. وفيما يخص موقف شمال قبرص ففور انتخابه رئيسا لجمهورية قبرص الشمالية في 2015 أعلن “مصطفى أكينجي” رغبته في توحيد شطري الجزيرة وتسوية القضية القبرصية وبالفعل خاض جولتين برعاية الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة بيد أنهما فشلا في التوصل لنتائج. ويعرف عن “أكينجي” أنه رجل سلام ويرغب في عقد اتفاق تاريخي مع قبرص لتوحيد الجزيرة، وقد اتخذ بعض الخطوات التي تؤكد ذلك وتبعد بلده المنقسم عن السيطرة التركية وكان آخرها مصادقته يوم 4 مايو 2018 على “وثيقة غوتيريس” التي تنهي دور تركيا الضامن بجزيرة قبرص.
وبهذه الموافقة سيتم تهميش دور تركيا التي تحمي وتدافع عن حقوق قبرص الشمالية، الغير معترف بها سوى من جانب أنقرة فقط. وتنص الوثيقة على وضع آليات لمراقبة تنظيم مناسبة تتضمن أبعادًا مختلفة ويتفق عليها طرفي الجزيرة لتوحيدها. والوثيقة في مضمونها تمهد لإنهاء الوجود العسكري التركي في شمال قبرص حيث تنشر أنقرة 35 ألف جندي بها، وتعد قبرص تابعة لتركيا إقتصاديا وسياسيا وعسكريا منذ تقسيم الجزيرة عام 1974.
أما موقف دولة قبرص فإنه يختلف عن نظيره التركي حيث إن الرئيس القبرصي “نيكوس أناستاسيادس” تعهد بإستخدام كل الوسائل الدبلوماسية والسياسية المتاحة لمواجهة تركيا، وأكد أن فشل مفاوضات توحيد قبرص يعود لمطالب تركيا لأن القيادة القبرصية التركية تخضع للسيطرة التامة لتركيا ولذا فأن الطريق المسدود الذي وصلت إليه مفاوضات يوليو 2017 كما أعلن مفوض الرئاسة القبرصى “فوتيس فوتيو” 11 مارس 2018 “إن قبرص تواجه تعنتا تركيا وغطرسة زائدة وغير مسبوقة على المستوى الدولى مؤخراً، بالإضافة إلى إنتهاكات صارخة للقوانين الدولية المتعلقة بالحقوق السيادية فى منطقتها الإقتصادية الخالصة”. ولكنه أكد أن بلاده ستعمل لإيجاد حل سياسي يعيد توحيد قبرص ويحولها إلى أرض سلام وأمن ورخاء لسكانه مع ضمان جميع الحقوق والحريات الأساسية للجميع”.
وفيما يخص الرد علي التهديدات التركية بمنع التنقيب عن الغاز الطبيعي في سواحل قبرص أعلن وزير الخارجية القبرصي عن عزم بلاده مواصلة التنقيب رغم الإعتراض التركي ويتوقع أن تبدأ شركة “إكسون موبيل” الأمريكية عمليات الإستكشاف قبالة قبرص في النصف الثاني من عام 2018. وكذلك أعلنت شركة النفط الإيطالية “إيني” أنها ملتزمة بالتنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية لقبرص شرق البحر المتوسط رغم الاعتراض التركي.
ثانيا: القضايا الخلافية:
الخلاف بين تركيا واليونان خلاف قديم وتاريخي وربما يعود لقرون مضت ولهزيمة الدولة البيزنطية وفتح مدينة القسطنطينية (أسطنبول) على يد السلطان العثماني الأشهر “محمد الفاتح”، وفي العصور المعاصرة بدأ الخلاف بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى 1918، وخلال الإعداد لإتفاقيتي “سفر، لوزان” اللتين أقتطعتا أجزاء كبيرة من أراضي الدولة العثمانية المهزومة لصالح اليونان، ثم تعمق الخلاف بعد إحتلال تركيا لشمال قبرص عام 1974. لتصبح قبرص طرفا في الخلاف وتشكل مع اليونان محورًا ضد تركيا. ثم أندلعت ثلاث حروب بين تركيا من جهة وقبرص واليونان من جهة أخرى في أعوام 1974 و1987 و1996. فضلا عن الخلافات حول الإضطهاد العرقي وحقوق التعدين في بحر إيجه والسيادة على بعض الجزر غير المأهولة فيه.
1- انقسام جزيرة قبرص:
مثل التدخل العسكري التركي في شمال قبرص عام 1974 وما نتج عنه من تقسيم الجزيرة وسيطرة القبارصة الأتراك المدعومين من أنقرة علي شمال الجزيرة احتلالا تركيا صريحا لشمال قبرص ونشبت حربا بين تركيا واليونان كانت الاولى بين عضوين في حلف “الناتو” الذي تدخل آنذاك لوقف اطلاق النار بينهما وليبقي الوضع كما هو منذ 1974، حيث أعلنت دولة بأسم “جمهورية شمال قبرص التركية” لم يعترف بها المجتمع الدولي وتعترف بها أنقرة فقط. فيما سيطر القبارصة اليونانيون على ثلثي الجزيرة و”دولة قبرص” عضو الأمم المتحدة والأتحاد الأوروبي. وشكلت الأمم المتحدة لجنة لتوحيد جزيرة قبرص تعقد جولات مستمرة بين القبارصة الاتراك واليونانيين بيد أنها تفشل في التوصل لأي حل بفعل التعنت التركي في الدفاع عن حقوق القبارصة الأتراك السياسية والإقتصادية. والموقف التركي الرافض للإعتراف باتفاقية ترسيم الحدود بين قبرص ومصر، يمثل جزء من سياسة أنقرة الخارجية حول انقسام الجزيرة حيث إنها ترفض الاعتراف بأى إتفاق تبرمه قبرص لا يمثل فيه “القبارصة الأتراك” كنوع من “المناكفة السياسية” لدولة قبرص.
2 – النزاع ببحر إيجه:
تتكرر بإستمرار الحوادث بين السفن والزوراق الحربية التركية واليونانية مما يزيد التوتر في المنطقة الحدودية المتنازع عليها. كما تفاقم النزاع على بحر إيجه عندما قامت اليونان برفع حدود مياهها الإقليمية إلى 6 أميال في بحر إيجه، لتخالف بذلك الاتفاقية التي كانت تعطي كلتا الدولتين عمق 3 أميال فقط، وقامت أيضاً برفع مجالها الجوي إلى 10 أميال، بدلاً من 3 أميال حددتها الاتفاقية.
أما الخلاف حول جزيرة “كاراداك” أو “إيميا” التي تقع علي بعد سبعة كم فقط من الساحل التركي، ورغم ذلك تطالب اليونان بالسيادة عليها. فيعود لنهاية 1995، بعدما رست سفينة بضائع تركية على شاطئ الجزيرة. إلا أن اليونان زعمت أن الجزيرة الصخرية تعود لها. واشتعلت الأزمة عندما توجه رئيس بلدية مدينة كاليمنوس وقتها إلى الجزيرة ورفع عليها العلم اليوناني في 26 يناير 1996. في تلك الأثناء أمرت رئيسة الوزراء التركية آنذاك “تانسو تشيلر” بالتدخل عسكريًا لاستعادة السيطرة على الجزيرة، وعلى الفور انطلقت فرقة من نخبة القوات البحرية التركية وتوجهت إلى الجزيرة وأنزلت منها العلم اليوناني، كما شهدت تلك الفترة سقوط مروحية عسكرية يونانية على الجزيرة وراح ضحية الحادث ثلاثة عسكريين. وفي الـ25 ديسمبر 1996، رست سفينة تركية تحمل اسم “فيجن أقات” على “كارداك” التي تبعد 3.8 أميال بحرية من شواطئ مدينة “بودروم” التركية. وادّعت اليونان حينها أن السفينة رست في مياهها الإقليمية، غير أن تركيا رفضت ذلك وأكدت أن الجزيرة تعود لها.
وقد تجدد الخلاف بين أنقرة وأثينا حول جزر بحر إيجه في فبراير 2017 عندما طرحت اليونان خططاً للإسكان في 28 جزيرة صغيرة في بحر إيجه، ما أثار قلق أنقرة. ثم قام وزير الدفاع اليوناني في أبريل 2017 بزيارة جزيرة أغاثونيسي المتنازع عليها.
ثم في يناير 2018 منع خفر السواحل التركي وزير الدفاع اليوناني “بانوس كامينوس” من الوصول لجزيرة “إيميا”، مما دفع وزارة الخارجية اليونانية لإستدعاء السفير التركي بأثينا على خلفية التوترات القائمة بين البلدين بشأن جزيرة “كارداك”، واتهمت تركيا بارتكاب أعمال استفزازية عبر تصادم قوارب خفر السواحل التركي واليوناني بالقرب من الساحل الصخري لجزيرة كارداك. وكذلك أصدرت وزارة الخارجية اليونانية يوم 1 أبريل 2018 بيانًا موجهًا إلى تركيا يؤكد ملكية أثينا لجزر إيميا الصخرية، وسيادتها عليها. وفي المقابل أشار البيان التركى على “سيادة تركيا على صخور كارادك” مستعملا بذلك الاسم التركى للجزر المتنازع عليها. مشددًا على عدم القبول “بأى أمر واقع من الجانب اليونانى نحو التكوينات الجغرافية فى بحر إيجه، والوضع القانونى المتنازع عليه”.
3- دعم حزب العمال الكردستاني:
تتهم أنقرة أثينا على مدار العقود الماضية بإيواء ناشطين أكراد متهمين بالانتماء لتنظيم “حزب العمال الكردستاني” (بي كا كا) وتنفيذ هجمات دموية ضد الجيش والمدنيين الأتراك ووصفت تركيا اليونان بأنها مأوى لتنظيم (بي كا كا) الذي يعتبر تنظيما إرهابياً في تركيا والدول الاوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
4- اللاجئين العسكريين:
في منتصف يوليو 2016 لجأ 8 عسكريين أتراك بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل ببلاده بطائرة عسكرية لليونان وطالبوا باللجوء السياسي فيها وقد منحتهم أثينا ذلك، ثم رفضت أنقرة طلبا للقضاء اليوناني للمطالبة بتسليم العسكريين الثمانية لها بيد أن طلبها رفض من قبل محكمة استئناف يونانية بنهاية عام 2016. وتكرر الأمر مرة أخرى في 16 مارس 2018 حيث رفضت محكمة الاستئناف اليوناينة للمرة الثالثة على التوالي الطلب التركي.
ولم تنتهي الأزمة عند هذا الحد بل تفاقمت عندما أعلنت في الأول من مارس 2018 قوات حرس الحدود التركية بإعتقال ملازم ورقيب من الجيش اليوناني، في منطقة “بازار كولا” الحدودية مع اليونان التابعة لولاية أدرنة. بيد أن أثينا اكدت انهم ضلوا الطريق خلال عاصفة جليدية عندما كانا يقومان بدورية على الحدود الشمالية الشرقية لليونان ودخلا الأراضي التركية خطأ. إلا أن المحكمة التركية في أدرنة أمرت بتوجيه تهمة “محاولة التجسس العسكري دخول منطقة عسكرية محظورة” للجنديين. وطالبت أنقرة بتسليمهم لها. وهنا بالطبع استغل “أردوغان” الحادث وطالب بدوره أثينا بتسليمه الجنود الاتراك الثمانية وهو ما رفضته اليونان.
ولم يقتصر الأمر على مطالبات بتبادل عسكريين من الجانبين، لأن هناك حركة هجرة من تركيا لليونان وقبرص عبر زوراق بالبحر المتوسط للمدنيين هربا من الإضطهاد الذي يعانون منه على يد الحكومة التركية وبأوامر مباشرة من الرئيس التركي لاسيما ضد المنتمين والعاملين بمؤسسات منظمة المجتمع المدني المتهمة بتدبير الانقلاب العسكري جماعة “جولن”. وعلي سبيل المثال أعلنت أثينا في ٢١ فبراير ٢٠١٨ وصول 17 تركياً الى اليونان، بعد فرارهم من بلادهم في زورق، وطلبوا اللجوء السياسي.
5- رفض إنضمام تركيا للإتحاد الأوروبي:
أعلنت اليونان وقبرص رفضهما أكثر من مرة لإنضمام تركيا للإتحاد الأوروبي، وقد قدم إنحراف سياسات تركيا الداخلية والخارجية الأسانيد التي أصبحوا يعتمدوا عليها في موقفهم هذا، فمنذ توقف مفاوضات إنضمام تركيا للإتحاد. اعتمدت أنقرة سياسات داخلية تعتمد على قمع الحريات وإضطهاد المعارضة والأكراد والأقليات، فضلا عن السياسات التركية الخارجية المعتمدة على التدخل في الشأن الداخلي لدول الجوار عبر دعم فصائل مسلحة ومعارضة في تلك الدول ثم التدخل العسكري في سوريا والعراق. ودعم الجماعات الإرهابية الامر الذي كان محل إنتقاد من قبل الحكومات الأوروبية ككل وليس اليونان وقبرص فقط وقد تصاعدت حدة الإنتقادات بعد الإنقلاب الفاشل في 15 يونيو 2016 والحملات المنظمة التي قادها الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ضد معارضيه.
6- غاز شرق المتوسط:
يعد الخلاف حول غاز المتوسط هو أحدث القضايا الخلافية بين تركيا وقبرص، وقد أفتعلته تركيا التي تعد دولة إقتصادية كبرى يحتل إقتصادها المرتبة الـ17 في العالم وتطمح لتصبح الاقتصاد العاشر بالعالم بعد 5 سنوات اى عام 2023 وفق تصريحات الحكومة التركية، ويبلغ عدد سكانها 81 مليون نسمة، وهي سوق إقتصادي كبير وتملك العديد من المشروعات التنموية التي تجعلها في حاجة مستمرة لمصادر جديدة للطاقة نظرًا لكونها تفتقر لأيا منها، ولذا تسعى لضمان حصتها من غاز شرق المتوسط، لاسيما بعد الكشف عن مخزون غازي كبير بتلك المنطقة، وبدء التنقيب عنه من قبل دول المتوسط. حيث نجحت مصر في إفتتاح حقل “ظُهر” الذي اكتشفته شركة “إيني” الإيطالية ويعد أكبر الاكتشافات الغازية في المنطقة وكذلك ستبدأ التنقيب عن 11 منطقة جديدة داخل المياه الإقليمية المصرية بشرق البحر المتوسط. وبدوره أعلن وزير الطاقة القبرصي “جورج لاكوتريبيس” اكتشاف مخزون جوفي للغاز الطبيعي في المياه القبرصية. وتطالب تركيا بتعليق عمليات التنقيب في بحر إيجة لحين التوصل إلى حل تقسيم الجزيرة المقسومة شطرين، شطر تابع لها وآخر تابع لليونان. وكانت البحرية التركية قد تحرشت في فبراير 2018 بسفينة تابعة لشركة إيني الإيطالية. بيد أن قبرص لم تهتم بالتهديدات التركية بمنع السفن من التنقيب عن الغاز أمام سواحلها ووقعت قبرص عقودًا للتنقيب مع كبريات شركات النفط “إيني” الإيطالية و”إيكسون موبيل” الأمريكية.
ثالثا: بيئة إقليمية متوترة:
لم تفلح زيارة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” التاريخية لليونان التي أجراها في ديسمبر 2017 في إحتواء الخلافات المستمرة بين أنقرة وأثينا وفشلت في تقريب وجهات النظر بين الدولتين. ثم بدأ التصعيد المتبادل بين قبرص وتركيا بفعل الخلاف حول التنقيب عن غاز المتوسط، وفشل جولات توحيد قبرص. ونجاح التحالف الثلاثي المصري اليوناني القبرصي في تحقيق أهدافه بترسيم الحدود وبدء التنقيب عن الغاز. مما شكل عوامل إقليمية مساعدة على تفاقم التوتر بين تركيا و”قبرص، اليونان”.
1-فشل زيارة “أردوغان” لليونان:
عول كثيرين على زيارة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الأولى لليونان التي تمت في (7 -8) ديسمبر 2017 لتخفف من حدة التوتر في العلاقات بين أنقرة وأثينا، لاسيما وأنها الأولى لرئيس تركي منذ 60 عام، بيد أن تصريحات “أردوغان” قد أفسدت الزيارة وفشلت في تحقيق أى تقدم ملموس لتحسن العلاقات بين الدولتين العضوتين بحلف الناتو، حيث أنه “تفنن” في إحداث المزيد من الأزمات بين أنقرة وأثينا وبدأ زيارته بالمطالبة بمراجعة معاهدة “لوزان” ثم انتقد وضع الأقليات المسلمة بإقليم تراقيا شمال اليونان. كما عكر صفو الزيارة ما كشفته وسائل الإعلام اليونانية عن إحباط الأمن لخطة معدة لاغتيال “أردوغان” خلال تواجده بأثينا. وكان “أردوغان” قد زار اليونان مرة واحدة من قبل عام 2004 بصفة رئيس وزراء، ويرجع فشل الزيارة إلي ..
-مطالبة بتغير معاهدة “لوزان”: اقترح “أردوغان” في تصريحات لوسائل الإعلام اليونانية مراجعة معاهدة “لوزان” الموقعة عام 1923 والتي رسمت حدود تركيا الحالية مع كافة دول جوارها بما فيهم اليونان. وهو ما رفضته أثينا وأكدت إن المعاهدة غير قابلة للتفاوض. وينبغي التأكيد هنا أن ما طالب به “أردوغان” يؤكد أنه لا يعلم بقواعد الأعراف الدبلوماسية الدولية لأنه لا يوجد بند في المعاهدة ينص علي تعديلها أو إعادة النظر فيها بعد مرور عدد محدد من السنوات كما أنه يجب موافقة أثينا وكافة الأطراف الدولية المعنية بالإتفاقية حال تمت إعادة النظر فيها. ومعاهدة “لوزان” كررت تركيا المطالبة بتعديلها هي معاهدة لوزان التي وقعت بعد معاهدة سفر، ويعود الفضل “للوزان” لأنها أعادت لتركيا عدد كبير من الاراضي التي تم اقتطاعها منها بفعل “سفر”. بينما ينتقد “أردوغان” لوزان لأنها أدت الى خسارة تركيا مساحات هائلة من الأراضي.
-إنتقادات وضع مسلمي “تراقيا”: في ختام زيارته التي استمرت يومين أدى “أردوغان” الصلاة في مسجد في بلدة كوموتيني بإقليم تراقيا شمال شرقي اليونان، استقبله آلاف من مؤيّديه، وانتقد أردوغان وضعهم وطالب أثينا بالاهتمام بهم. وساق في ذلك عدة مؤشرات علي اضطهادهم ومنها تدني معدلات دخلهم القومي, حيث يبلغ الدخل القومي للفرد في اليونان حوالي 18 ألف دولار، لكن معدل الدخل القومي للفرد لمسلمي “تراقيا” الغربية لا يتجاوز الـ2200 دولار.
وجدير بالذكر أن أقليم “تراقيا” يقطنه 150 ألفاً مسلم وصفهم “أردوغان” بأنهم “جسر بين تركيا واليونان” حيث يراهم موالين لتركيا وهو أمر غير مقبول في العلاقات الدولية لأن مواطني الدولة ينتمون ويوالون لها دون النظر لدينهم أو أعراقهم. ويتضح من موقف “أردوغان” تجاه مسلمي “تراقيا” أنه ينصب نفسه سلطانا على مسلمي العالم متناسيا أن الدولة العثمانية أنهارت ولن تعود بأي شكل من الأشكال، كما أن مواقفه تحمل مغالطات تاريخية جمة ومنها أن دعم تركيا لليونان هو سبب انضمام الأخيرة لحلف “الناتو” وهذا خطأ تاريخي.
وبهذا يمثل فشل زيارة “أردوغان” لليونان خسارة اقتصادية وسياسية للدولتين، فرغم المجالات الإستثمارية الواسعة التي يمكن أن تستفيد بها كل دولة إلا أنهما أختارا العداء والتوتر ليكون السمة الغالبة على علاقاتهما. وتجاهلا عشرات المشاريع في مجال الطاقة تحديدا والسياحة التي يمكن حال تنفيذها أن تحدث قيمة مضافة لاقتصاد الدولتين، لاسيما مع وصول حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو ثلاثة بلايين دولار عام 2016، كما تبلغ الإستثمارات اليونانية في تركيا نحو 8.6 بليون دولار مقابل 500 مليون دولار استثمارات تركية مباشرة في اليونان.
2- فشل جولات توحيد قبرص:
شهد العام الماضي جولتين لتوحيد شطري جزيرة قبرص بيد أنهما فشلا في التوصل لأي إتفاق مما مثل خيبة أمل للقبارصة الاتراك واليونانيين على حد سواء لاسيما بعد الدعم الأممي لتلك الجولات والإستعداد الرسمي وغير الرسمي لتوحيد شطري الجزيرة، هذا الاستعداد تلاشي مع مرور الوقت بفعل تصاعد التوتر مرة أخرى في مطلع 2018 بين تركيا وقبرص حول التنقيب عن غاز شرق المتوسط.
ففي 7 يوليو 2017 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش” فشل جولة توحيد قبرص التي عقدت في مدينة “كران مونتانا” بسويسرا واستمرت لمدة اسبوع برعاية الأمم المتحدة رغم الالتزام القوي والكبير ومشاركة كل الوفود والأطراف المختلفة فيها، وقد شارك فيها الرئيس القبرصي اليوناني “نيكوس اناستاسياديس” ورئيس جمهورية شمال قبرص التركية “مصطفى اكينجي” ممثلين عن “الدول الضامنة” وهي اليونان وتركيا وبريطانيا. كما حضرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي “فيديريكا موجيريني” المحادثات لإظهار الدعم للعملية التفاوضية وباعبتار ان قبرص عضو بالاتحاد منذ 2004. واتصل نائب الرئيس الأمريكي “مايك بنس” “باناستاسيادس وأكينجي” لحثهما على التوصل لإتفاق ينهي 40 عام من تقسيم الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها مليون نسمة تقريبا. وجدير بالذكر أن “أناستاسيادس، وأكينجي” أجريا مفاوضات من قبل في مايو 2015، بسويسرا بيد أنها باءت بالفشل أيضا. وتتمحور الاجتماعات دوما حول 6 محاور رئيسية، هي (الاقتصاد، الاتحاد الأوروبي، والملكية، إلى جانب تقاسم السلطة والإدارة والأراضي والأمن والضمانات) وترجع نقاط الخلاف التي تعرقل المفاوضات بين الجانبين إلي ..
-اتهمت كافة الأطراف أنقرة بعرقلة التوصل لإتفاق نظرًا لتعنتها في مسألة الأمن والضمانات وآليات سحب قواتها العسكرية من شمال قبرص البالغ عددهم 35 ألف نسمة. حيث يطالب القبارصة اليونانين بانسحاب كامل لما يصفونه بالقوة التركية المحتلة لشمال الجزيرة، فيما يخشى القبارصة الاتراك الناطقين بالتركية وحلفاء أنقرة من تفجر أعمال عنف ضدهم حال الانسحاب التركي.
-طلبت قبرص الرومية من أنقرة السماح بعودة 92 ألف شخص من القبارصة الروم للشمال، رغم أن معظمهم ليسوا على قيد الحياة. كما طلبت استبعاد تركيا من المؤتمر الخماسي للدول الضامنة، رغم كونها احد الدول الضامنة.
-في آخر جولة للمفاوضات أقترح “أناستاسيادس” أن يقوم الكيان القبرصي التركي على 28,2% من أراضي الجزيرة كنوع من الحكم الفيدرالي، بيد أن “اكينجي” رفض وطالب بنسبة 29,2 %. كما طالب الاخير بأن يكون للقبارصة الأتراك تمثيل سياسي ومشاركة فعالة في عملية صنع القرار في الدولة الفيدرالية المستقبلية.
وفي أحدث جهودهما لإحياء المفاوضات المتعثرة لتوحيد جزيرة قبرص فشل “أناستاسيادس” و”أكينجي” في لقائهما الذي عقد في 18 أبريل 2018 وهو الأول لهما منذ 9 أشهر، فشلا في التوصل لأي اتفاق أو تقدم يذكر، وأكدا التزام كل طرف بمواقفه السابقة التي أعلن عنها خلال مفاوضات 2017 بسويسرا.
3- التحالف المصري اليوناني القبرصي:
أحتفلت مدينة الإسكندرية شمال مصر بأسبوع “إحياء الجذور” في 30 أبريل 2018 وهو منتدى ثقافي جمع رؤساء “مصر، قبرص ، اليونان” في مؤشر جديد علي قوة التحالف الاستراتيجي بين الدول الثلاث والذي نجح في توثيقه الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، وهو ما ينكأ جروح “أردوغان” الذي فشل في أن يكون جزءا من هذا التحالف الناجع والمؤثر في الدائرة المتوسطية سياسيا وفي الاقتصاد العالمي بفعل إكتشاف اكبر مخزون للغاز الطبيعي أمام سواحل الدول الثلاث شرق المتوسط. ولعل تحرك أردوغان وزيارته الفاشلة لليونان ما كانت الا محاولة للرد على التحرك المصري الناجح في شرق المتوسط حيث إن زيارته تمت بعد نجاح القمة الخامسة لهذا التحالف التي عقدت بقبرص في ديسمبر 2017.
وكانت أنقرة قد اتخذت موقفًا مناهضًا من التحالف الثلاثي “المصري-اليوناني-القبرصي” منذ الإعلان عنه في 2014، حيث ترى أنه موجه ضدها نظرًا لأن علاقاتها متوترة مع دوله الثلاث. ورغم نفي (القاهرة، وأثينا، ونيقوسيا) أن تعاونها موجه ضد أى دولة في البحر المتوسط إلا أن أنقرة لم تقتنع بذلك. ويرجع الفضل لهذا التعاون الثلاثي في ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص وبدء اكتشاف حقول الغاز المصرية التي أبرزها حقل “ظهر”. وقد برز الاستياء التركي من دول التحالف الثلاثي جليًا بعد عقد القمة الخامسة بالعاصمة القبرصية نيقوسيا في 21 نوفمبر 2017، حيث رفضت ما جاء في البيان الختامي للقمة من دعوة لحل القضية القبرصية وفق قرارات الأمم المتحدة. كما اعترضت أنقرة على إجراء اليونان ومصر مناورات (ميندوزا5) العسكرية البحرية قرب سواحل جزيرة “رودوس”، وأجرت مناورات بحرية في الموقع نفسه، مما يدل على استياء أنقرة وتخوفها من نجاح التعاون الثلاثي، لانه يهدد مصالحها في شبه جزيرة قبرص، وشرق المتوسط، وداخل الاتحاد الأوروبي، وفي المقابل يعزز المكانة الإقليمية لثلاث دول محل خلاف معها. ومن نتائج القمة الخامسة للمباحثات الثلاثية بين الرئيس السيسي، ونظيره القبرصي، نيكوس أنيستاسياديس، ورئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، التي عقدت بنيقوسيا، دعم القضية القبرصية واتفقت الدول الثلاث على ضرورة توحيد جزيرة قبرص، وفق قرارات الأمم المتحدة، وفي إطار نظام فيدرالي يجمع شَطْرَي الجزيرة في سلام، دون أي تدخلات خارجية.
رابعا: ردود الفعل:
- مصر:
أصبحت مصر أحد أطراف النزاع القبرصي التركي حول غاز المتوسط لأنها أحدى دول شرق المتوسط التي تنقب عن الغاز في تلك المنطقة ونجحت في إفتتاح حقل ظهر في فبراير 2018، وبعد تصريحات وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” التي شكك في اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص أصدرت وزارة الخارجية بالقاهرة بيانًا يؤكد أن اتفاق ترسيم الحدود بين مصر وأنقرة ليس محل نقاش لأي جهة، لأنها تتسق وقواعد القانون الدولي وتم إيداعها كاتفاقية دولية في الأمم المتحدة، وأي محاولة للمساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية في تلك المنطقة، تعتبر مرفوضة وسيتم التصدي لها. ومن المعروف أن العلاقات بين انقرة والقاهرة متوترة منذ منتصف 2013، وهناك العديد من نقاط الخلاف بينهما اضيفت لها الموقف التركي المتعنت من التنقيب عن غاز المتوسط والاعتراض التركي على التحالف المصري القبرصي اليوناني.
- الاتحاد الأوروبي:
أصدرت قمة الإتحاد الأوروبي في فبراير 2018 بيانا تندد فيه بالتصرفات التركية ببحر إيجه والبحر المتوسط لاسيما منع تركيا سفينة حفر إيطالية قبالة سواحل قبرص لأسابيع من التنقيب عن الغاز في المياه الاقتصادية الحصرية للجزيرة المتوسطية. وهي تعد من المرات الأولى التي يتم فيها توجيه إدانة قوية غير مسبوقة لمواصلة تركيا نشاطها غير القانوني في شرق المتوسط الذي يضم بالتأكيد المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص. كما دعا الإتحاد تركيا لوقف مضايقاتها بشكل عاجل وإتباع سياسة حسن الجوار وإحترام حقوق سيادة قبرص اليونانية في التنقيب عن مواردها الطبيعية وإستغلالها. وهو ما أنتقدته أنقرة واعتبرت الانتقادات الموجهة إليها “غير مقبولة”. كما انتقد رئيس المفوضية الأوروبية “جان كلود يونكر” أستمرار احتجاز أنقرة لعسكرييّن يونانيين وطالب بسرعة الإفراج عنهما. وهو ما أستنكرته أنقرة أيضا وأتهمت “يونكر” بالإنحياز لوجهة النظر اليونانية في القضايا الخلافية بين أنقرة وأثينا. ورغم عقد قمة بين تركيا ممثلة في رئيسها “رجب طيب أردوغان” مع قادة الإتحاد الأوروبي في فارنا ببلغاريا في 26 مارس 2018 إلا أن البيان الختامي لها لم يحدد آليات احتواء الخلافات بين تركيا والأتحاد الاوروبي، والتي من بينها بالطبع الخلافات بين تركيا و”اليونان – قبرص”.
- حلف الناتو:
حلف “الناتو” دعا أعضائه تركيا اليونان لحل خلافاتهما سياسيا حيث طالب الأمين العام للحلف “ينس ستولتنبيرغ” الدولتين بحل خلافاتهما بروح حسن الجوار وفي إطار المحادثات الثنائية. وألمح إلى أن تدخل “الناتو” في هذه العلاقات لن يكون مفيدا. لان كلا من الدولتين حليف ثمين وعضو هام في الناتو منذ عشرات السنين، وبينهما اتفاقية للدفاع الجماعي للحلف. و موقف “ستولتنبيرغ” هذا يعبر عن معضلة يواجهها الحلف بفعل تصاعد التوتر بين انقرة وأثينا ، ولم يوضح ماذا سيكون موقف الحلف ولم سينحاز حال تحول الخلاف السياسي والنزاع الحدودي لحرب معلنة بين الطرفين؟
- الموقف الأمريكي:
فور تصاعد الخلاف في فبراير 2018 بين تركيا وقبرص حول التنقيب عن غاز المتوسط أكد “ويس ميتشل” مساعد وزير الخارجية الأمريكية دعم بلاده لحق قبرص فى التنقيب عن الغاز والنفط قبالة سواحلها، والدافع الأمريكي هنا ينقسم لشقين.. الأول عدم رغبة واشنطن من تأجيج المزيد من الملفات في الشرق الاوسط الذي يعاني من عدم الاستقرار، والثاني الدفاع عن مصالح شركات النفط الأمريكية العملاقة ممثلة في “موبيل” التي لها عقد للتنقيب عن غاز المتوسط بسواحل قبرص. وفيما يخص قضية توحيد قبرص كان الموقف الأمريكي واضحا وطالب أطراف الملف القبرصي بضرورة إستئناف المحادثات لإعادة توحيد الجزيرة. والموقف الأمريكي عامة يسعى للحفاظ على إثنين من حلفائه في الشرق الأوسط وهما اليونان وتركيا، فرغم التوتر القائم في العلاقات بين واشنطن وأنقرة فإن الأولي لا ترغب في إتساع فجوة الخلاف بينهما لأن هذا سيقضي بالضرورة تعزيز العلاقات التركية الروسية وهو ما يضر المصالح الامريكية بعدة أقاليم حيوية كالشرق الأوسط وبحر قزوين ووسط آسيا وهذا ما لا يرغب فيه صانع القرار الأمريكي.
خامسا: سيناريوهات مستقبلية:
من خلال الإستعراض السابق حول العلاقات التركية اليونانية القبرصية والقضايا الخلافية فيها وبيئتها الاقليمية والدولية، نجد أن التصعيد هو السمة الغالبة علي المستقبل القريب لتلك العلاقات، وليس بالضرورة أن يكون تصعيد عسكري فهناك العديد من الوسائل التي تستخدمها كل دولة لتصعيد موقفها والاعلاء من النزعات القومية الوطنية مما يمكنها من إكتساب المزيد من الشعبية في الداخل. وقبل طرح السيناريوهات المستقبلية للعلاقات بين أنقرة وأثينا ونيقوسيا، يجب التأكيد على أن تركيا ستواجه اليونان وقبرص كمحور واحد على الدوام نظرًا لأن الروابط السياسية والاستراتيجية والاقتصادية بين نيقوسيا وأثينا ستعزز تحالفهما ضد أنقرة، ولذا سنجد عدد من السيناريوهات وهي..
1-استمرار التوتر القائم:
وهذا السيناريو الأقرب للواقع ويقضي بإستمرار حالة تصعيد الخطاب السياسي من كل طرف ضد الآخر فضلاً عن إستمرار المناوشات والإعتراضات العسكرية التي تقوم بها السفن التركية واليونانية ضد بعضهم البعض في بحر إيجه. ومن المرجح أن يصعد “أردوغان” من خطابه القومي ضد اليونان تحديدًا خلال الشهرين المقبلين كجزء من حملته للإنتخابات الرئاسية بغية إستقطاب أكبر عدد من أصوات حلفائهم من حزب “الحركة القومية” المعاديين لليونان. وربما يفتعل المزيد من الأزمات مع أثينا ونيقوسيا ليضمن الفوز بالإنتخابات الرئاسية المقبلة والتي ستعقد في 24 يونيو 2018، لاسيما وأن الخلافات مع اليونان طرحت نفسها كاحد الاوراق الانتخابية بقوة حيث وعد زعيم حزب “الشعب الجمهوري” المعارض بإعادة 18 جزيرة يونانية إلى سيطرة أنقرة حال فوزه بالرئاسة. وبالطبع يجب على “أردوغان” المزايدة على هذه الوعود وإستغلال التوتر مع أثينا أفضل إستغلال لمصلحته الإنتخابية.
ثم بعد فوزه المتوقع بالرئاسة سيلجأ “أردوغان” للتهدئة لإحتواء غضب الأتحاد الأوروبي منه الذي طالما حذره من ضرورة إتباع سياسة حسن الجوار مع الدولتين. وبالطبع ستستجيب أثينا ونيقوسيا لتصعيد “أردوغان” وسيعملان على تصعيد موقفهما ضد أنقرة والقبارصة الأتراك أيضا لإجتذاب المزيد من أصوات القوميين اليونانيين في الدولتين.
2- إندلاع حرب موسعة:
وهذا السيناريو يقضي بإندلاع حرب شاملة بين تركيا من جهة واليونان وقبرص من جهة اخرى، بيد أنه غير وارد ومستبعد لعدة اسباب اولها ان انقرة واثينا اعضاء بحلف الناتو والاخير لن يسمح لاعضائه بمحاربة بعضهما البعض، ثانيا ان الدول الكبرى كروسيا والولايات المتحدة الامريكية ولهما تواجد عسكري واضح بشرق البحر المتوسط لن يسمحا باندلاع حرب تعرقل خطط كلا منهما في تعزيز نفوذهما. كما ان الاقتصاد التركي واليوناني ليسا في حالة تسمح لاى من الدولتين بإعلان الحرب.
3- التهدئة وتطبيع العلاقات:
وهذا السيناريو يقضي باقتناع الاطراف الثلاثة “تركيا، اليونان ، قبرص” بضرورة تهدئة التوتر المتصاعد بينهما واعادة احياء مفاوضات توحيد جزيرة قبرص التي تعد ابرز القضايا الخلافية بينهم ولن يتم تطبيع العلاقات بينهم دون حل جذري لها. وربما يتم ذلك حال تدخلت وساطة دولية كالامم المتحدة أو الولايات المتحدة الامريكية لانهاء التوتر بين حلفائها في شرق المتوسط.