القاهرة (زمان التركية) – نشرت صحيفة “الأهرام العربى” تحقيقًا ينسف ادعاءات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن انقلابًا دبرته حركة الخدمة كان يستهدف الإطاحة به عام 2016، واستندت الصحيفة المصرية في تحقيقها إلى ثلاثة تقارير مخابراتية.
ويقول التحقيق إن الرئيس أردوغان الذي يستعد حاليًا لخوض انتخابات رئاسية مبكرة الشهر المقبل، هو من دبر المحاولة الانقلابية و”صمّمها على الفشل”، لكى يتمكن من الحصول على ذريعة تصفية معارضيه، ويرى أن الزعم بأن ملهم حركة الخدمة فتح الله جولن هو “العقل المدبر” للانقلاب الفاشل، احتمال بعيد تنفيه أدلة المخابرات التركية نفسها.
وجاء في التقرير الذي كتبه الكاتب الصحفي محمد عبيد الله:
حصلت «الأهرام العربى» على 3 تقارير استخباراتية تكشف أسرار وكواليس ما دار فى تركيا من أحداث ليلة 15 يوليو 2016، التى وصفها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بأنها محاولة انقلاب عليه.
كشفت التقارير أن الرئيس التركى، هو من هندس عملية الانقلاب ورسم سيناريوهاتها، بهدف القضاء على المعارضة والقبض على قيادات الجيش والشرطة والقضاء، وتحويل نظام الحكم من برلمانى، إلى رئاسى بصلاحيات ديكتاتور للبقاء فى السلطة حتى عام 2029.
أول هذه التقارير نشرها مركز الاستخبارات فى الاتحاد الأوروبى، والثانى خاص بجهاز الاستخبارات التركى حول ما يسمى «محاولة الانقلاب الفاشلة»، وفنّد التقرير الأول الرواية التى حاكها الرئيس رجب طيب أردوغان بقريحته المتقدة(!) حول هذه المحاولة، فيما أسقط التقرير الثانى أسطورة تطبيق التواصل «بايلوك»، المستند الأساسى فى اتهام حركة الخدمة «فتح الله جولن» بالوقوف وراء المحاولة الشيطانية(!) بمعنى أن جهاز المخابرات التركى قتل نفسه بنفسه من خلال تقريره هذا.
التقرير الاستخباراتى الأوروبى يعد الثانى من نوعه، حيث سبق أن نشرت مجلة «فوكس» الألمانية فى منتصف عام 2016 تقريرًا أعدته المخابرات البريطانية، يكشف أنها تابعت المكالمات الهاتفية والبريدية المشفرة لكبار مسئولى الحكومة التركية منذ اللحظة الأولى من بدء أحداث محاولة الانقلاب، وأن المسئولين الأتراك يأمرون فيها بتقديم فتح الله جولن كرقم أول يقف وراء هذه المحاولة، من أجل تنفيذ حملة تصفية شاملة فى المؤسسة العسكرية وأجهزة الدولة الأخرى، بتوظيف لافتة “الانتماء إلى تنظيم فتح الله جولن..” الجاهزة.
وجاء هذا التقرير الاستخباراتى الأوروبى الذى نشرته مجلة «تايمز» البريطانية مؤكدًا ما توصلت إليه المخابرات البريطانية ليلة الانقلاب الفاشل. خلاصة التقرير الأوروبى حول الانقلاب فى تركيا ويمكن تلخيص النقاط التى تطرق إليها التقرير الاستخباراتى الأوروبى الصادر فى 24 أغسطس 2016، الذى أفردت معظم الصحف والقنوات العربية والعالمية مساحة كبيرة له، كما يلي:
قال التقرير، بشكل غير مباشر، إن الرئيس أردوغان هو من دبر هذه المحاولة الانقلابية وصمّمها على الفشل، لكى يتمكن من الحصول على ذريعة تصفية معارضيه.
وأكّد أن أردوغان كان ينوى القيام بعملية تطهير شاملة ضد قوى معارضة فى المؤسسة العسكرية قبل محاولة الانقلاب فى يوليو 2016.
أما الزعم بأن فتح الله جولن هو «العقل المدبر» الذى يقف وراء الانقلاب الفاشل، كما يزعم أردوغان، فاحتمال بعيد.
ادعاء أردوغان بأن حركة الخدمة هى من دبر الانقلاب الفاشل يتعارض مع تقارير الدولة التركية نفسها، والمعطيات الأوروبية حول قوة ونفوذ هذه الحركة فى المؤسسة العسكرية، آخر معاقل العلمانية بصفة خاصة، وأجهزة الأمن بصفة عامة، بعد عمليات التصفية والتطهير التى بدأت منذ نهاية عام 2013، حيث انطلقت تحقيقات الفساد والرشوة التى اعتبرها أردوغان محاولة انقلاب أيضا تقف وراءها حركة الخدمة، وفق رأيها.
أغلب الاحتمال هو أن تكون مجموعة عسكرية تضمّ معارضين للحزب الحاكم وعلمانيين وانتهازيين ومن سماهم بـ«متعاطفين مع جولن»، هى من دبرت هذه المحاولة، ذلك تخوفًا واستباقًا لحملة وشيكة لأردوغان توقعوا أن تستهدفهم، مستبعدًا صدور أى أمر من جولن فى هذا الصدد.
محاولة الانقلاب باتت محفزة لأردوغان لكى ينفذ عملية تطهير فى كل أجهزة الدولة، وفى مقدمتها المؤسسة العسكرية، خطط لها فى وقت سابق قبل وقوع المحاولة فعلاً.
استغل أردوغان المحاولة الانقلابية لإعلان حالة الطوارئ فى عموم تركيا ليشرع بعدها فى عملية تصفية موسعة ضد كل من صنفهم ضمن المعارضين.
لم يكن خافياً على الملمين بالشأن التركى وجود انزعاج متبادل بين أردوغان والجيش الوطني، حيث إن أردوغان كان يسعى لتحويل الجيش إلى (أداة طيعة) فى يده ليحقق بها حلمه فى نقل البلاد من النظام البرلمانى إلى النظام الرئاسى تحت قيادته من جانب، ومن جانب آخر حلمه فى إسقاط النظام السورى برئاسة بشار الأسد الذى بات مسألة شخصية وعقدة نفسية عنده، تمهيداً لإعلان نفسه (خليفة المسلمين) باعتباره (فاتح الشام) و(محرك الثورات العربية)، لكن الجيش الوطنى رأى ورصد أنه يحاول تحقيق هذه الأحلام فى الداخل عن طريق توظيف منظمة حزب العمال الكردستانى عبر مفاوضات السلام تارة، وحرب شاملة تارة أخرى، وفى الخارج من خلال استخدام منظمة داعش الإرهابية، ومثيلاتها الأخرى، بمعنى أن الجيش كان مطلعاً على أسرار أردوغان فى تعاونه مع الإرهابيين وأردوغان كان يعلم اطلاع الجيش هذا وكان بالمرصاد.
نفهم من التصريحات التى أدلى بها أردوغان ليلة الانقلاب الفاشل، التى قال فيها «هذه المحاولة فى التحليل الأخير لطف كبير من الله من أجل تطهير القوات المسلحة التى من المفترض أن تكون خالية ونقية من هذه العناصر»، واتخاذُ مثل هذه الخطوة قبيل عقد مجلس الشورى العسكرى مطلع أغسطس 2016 له دلالته، فالبعض توقعوا ما سيحدث فى هذا الاجتماع، فبادروا إلى الإقدام على مثل هذه الخطوة»، أنه كان يخاف من قيام الجيش بفتح «ملفّ الإرهاب» (داعش والكردستاني) فى ذلك الاجتماع، مع إبراز الأدلة والوثائق، بعد أن سرّب التسجيل المصور الذى كشف عن الأسلحة المختبئة فى شاحنات المخابرات المرسلة إلى داعش فى سوريا، ولذلك كان يبحث عن «ذريعة» قبل انعقاد هذا الاجتماع لأركان الدولة ليقوم بحركة استباقية، وينقذ نفسه من الضغوطات العسكرية المحتملة (وهذا الكلام يتطابق تماما مع ما ورد فى التقرير الأوروبي: تخوفًا واستباقًا لحملة وشيكة).
إن أردوغان وأتباعه من جيشه السرى من شركة «صدات» الأمنية، قاموا بهذه التمثيلية الانقلابية بغية إحكام قبضتهم على المؤسسة العسكرية ووضعها تحت وصايتهم، وحتى يتسنّى لهم إقصاء المعارضين لهم فى داخل السلك العسكري.. أو ربما أثار بعض العسكر القوميين المتشددين للقيام بهذا الأمر وتورط معهم بعض السذّج.
فمثلما أن أردوغان أحدث «انقلاباً مضادا» فى اليوم التالى من بدء تحقيقات الفساد والرشوة، ونسف جهازى الأمن والقضاء من ألفه إلى يائه، بحجة تطهيرهما من أعضاء «الكيان الموازى»، ثم أنشأ بدلاً منهما جهازى أمنٍ وقضاءٍ «موازيين» تابعين له تماماً، وذلك من أجل التستّر على جريمة «الفساد والرشوة»، كذلك أقدم على «انقلاب مضاد» فى صبيحة ليلة الانقلاب «المفبرك» بمهارة العناصر المشبوهة المذكورة، أطاح بكل القادة العسكريين وأعضاء القضاء الأعلى، سواء شاركوا فى الأحداث أم لم يشاركوا، بذريعة تنقية الجيش من عناصر «الكيان الموازى» أيضاً، ثم راح يعيّن مكانهم أتباعه المبايعين له وحلفاءه من القادة المدانين سابقاً فى قضايا انقلابية مثل قضيتى شبكة وعصابة أرجينيكون والمطرقة.
نشرت معظم الصحف التركية تقريرًا أعدته المخابرات التركية لكى تحمل الحطب إلى النار التى أشعلها أردوغان لإحراق أبناء حركة الخدمة فيها، إلا أنها تناقضت مع نفسها وكذبت نفسها بنفسها دون أن تشعر!
يعلم المتابعون للشئون التركية أن تطبيق «بايلوك» للتواصل هو الدليل الوحيد الذى يقدمه أردوغان، كدليل على اتهامه لحركة الخدمة بتدبير المحاولة الانقلابية. مع أنه واحد من عشرات التطبيقات للمحادثات مثل «واتس آب» و«فيبر» و«لاين» و«وى تشات» و«سكايب» و«إيمو» و«بى بى إم» وغيرها، فإن أردوغان نشر عبر جهاز مخابراته وإعلامه، منذ اليوم الأول من محاولة الانقلاب الفاشلة، آلافاً من القصص والحكايات الوهمية حول استخدام أفراد حركة «الخدمة الانقلابيين» هذا التطبيق لأغراض تداول «المعلومات والأوامر السرية»، فيما بينهم. ولكى يضفى عليه غموضًا وأسرارًا ليكون سندًا لاتهماته، فإنه زعم بأن بايلوك «الوسيلة السرية لتواصل أعضاء حركة الخدمة»، وتلقى العسكريون أمر الانقلاب عبره، ولا يمكن تحميله إلا من خلال واصلة أو بولوتوث. وادعى أن جهاز مخابراته يحوز 18 مليون مراسلة و3.5 مليون رسالة إلكترونية من تلك المراسلات التى جرت بينهم عبر بايلوك، فإنه وبرغم مرور أكثر من نصف عام على الانقلاب الفاشل لم يقدم حتى اليوم للرأى العام أى رسالة تلمح إلى حديث العسكريين فيما بينهم عن الانقلاب! وغنى عن البيان أنه لو عثر على ذرة منها تثبت ماادعاه لأعلنه للجميع بدلاً من الحكايات التى يضحك عليها العالم برمته. أجل، هذا هو كل مزاعم أردوغان حول بايلوك!
يمكن تلخيص مزاعم أردوغان حول بايلوك فى عدة نقاط رئيسة:
هو «الوسيلة السرية لتواصل الانقلابيين».
لا يستخدمه إلا المنتمون إلى حركة الخدمة.
لا يمكن تحميل التطبيق إلا من خلال وصلة أو بولوتوث.
كل هذه المزاعم سقطت بالتصريحات التى أدلى بها صاحب هذا التطبيق، وبالتقرير الجديد الذى نشرته المخابرات التركية قبل عدة أيام. أما كونها «الوسيلة السرية لتواصل الانقلابيين» فلم تنشر المخابرات حتى اللحظة تلك الرسائل التى زعمت بأنها احتوت على أمر الانقلاب الصادر عن فتح الله جولن.
أجرى ديفيد كينز؛ الشخص الذى أعد برنامج وتطبيق بايلوك، حواراً مع صحيفة «حريت» التركية، وأسقط جميع المزاعم المذكورة وقضى على أسطورة بايلوك..! إذ أكّد أن التطبيق توقَّف تداوله وطرحه فى كل من Google Play وAppstore منذ شهر يناير / كانون الثانى من عام 2016، أى قبل ستة أشهر من وقوع الانقلاب الفاشل. كما شدد على أن التطبيق نزلّه حوالى 600 ألف شخص، وأنه مفتوح للجميع، وليس مقتصراً على المنتمين إلى حركة الخدمة!
فكيف يمكن أن يكون تطبيق معروضا على كل من Google Play وAppstore خاصا بأناس دون آخرين يا ترى؟!
وهذه الحقائق التى ذكرها ديفيد كينز، الذى من المفترض أن يكون صاحب القول الفصل فى هذه المسألة، أكدها تقرير جديد أعدته المخابرات التركية وتداولته كل الصحف فى تركيا. ومع أن التقرير أعد من أجل الدعاية السوداء ضد حركة الخدمة، وتقديم أدلة جديدة تساند نظرية وقوفها وراء الانقلاب الفاشل، فإن «قراءة ما بين السطور» تكشف لنا الحقائق التى تسقط أسطورة بايلوك. إذ نرى فى ثنايا هذا التقرير أن المخابرات التركية تعترف بشكل صارخ بأن التطبيق يمكن أن يحمله أى شخص من Google Play المفتوح للجميع. بمعنى أنها نفت مزاعمها السابقة التى ادعت فيها أنه لا يمكن تحميله إلا من خلال واصلة أو بولوتوث، وأنه خاص بأفراد حركة الخدمة. كما تقرّ المخابرات التركية فى ثنايا تقريرها الأخير، بأن هذا التطبيق قد بدأ عرضه على المستخدمين عبر Google Play منذ بداية عام 2014 حتى مطلع عام 2016، أى انتهى عرضه قبل 6 أشهر من الانقلاب الفاشل. وإقرار جهاز المخابرات بهذه الحقيقة يسقط الأكذوبة التى تقول إن تطبيق بايلوك كان وسيلة التواصل السرية بين الانقلابيين من المدنيين والعسكريين.
وقد ظهر أن جهاز الاستخبارات التركية أرسل لوزارة العدل خطابًا فى 27/05/2017 يحمل عنوان «استخدام تطبيق بايلوك»، معترفًا بحدوث خطأ فى البيانات الخاصة بمستخدمى التطبيق.
وحذر جهاز الاستخبارات فى خطابه التحذيرى المرسل إلى وزارة العدل من أن القائمة الخاصة بمستخدمى تطبيق بايلوك، قد تكون غير دقيقة، بسبب إمكانية مشاركة الإنترنت مع الآخرين عن طريق الشبكات اللاسلكية «واى فاى».
ومع أنّ المنتظر والمطلوب من وزارة العدل أن تقوم بالواجب، وتصحح الأخطاء الواردة فى هذا الصدد بشكل دقيق، وإزالة المظالم التى تعرض لها عشرات الآلاف من المواطنين، أغلبهم من حركة الخدمة، بحجة استخدامهم هذا التطبيق، ومن ثم القيام بتعويضهم، فإنها اكتفت بإرسال نسخة من هذا الخطاب إلى محاكم الجنايات المختصة فى تاريخ 13/07/2017 فقط.
وأوضحت الاستخبارات التركية فى خطابها، أنها قدَّمت القوائم والبيانات الخاصة بالتطبيق للنيابة العامة على قرص صلب (هارد ديسك) من نوع سونى HD-B1، لافتة النظر إلى أن الملفات الخاصة بالقضية كان فى صورتها الخام وتحتاج إلى مزيد من العمل عليها.
ومن اللافت للانتباه فى خطاب جهاز الاستخبارات، هو استخدامه للمرة الأولى كلمة «تطبيق بايلوك»، بعد أن كانت جميع مراسلاته الرسمية تصفها بـ«برنامج المراسلات المشفر بايلوك»، بغية إضافة أسرار وغموض إلى هذا التطبيق ليسهل إقناع الرأى العام بالاعتقالات الجماعية التعسفية بتهمة الانقلاب استنادًا إليه.
إذا علمنا أن معظم عمليات الاعتقال التى طالت أكثر من 55 ألف شخص من أصل 105 آلاف من المشتبه بهم، وعمليات العزل والفصل والنقل التى شملت 200 ألف شخص على أقل تقدير، وفق المعطيات الرسمية، مستندها الوحيد هو أسطورة وبالون بايلوك، فإنه تبين لنا ضخامة الظلم الذى تشهده تركيا.
والطامة الكبرى هى أن عمليات الاعتقال والفصل بتهمة «استخدام بايلوك» تستمر حاليًا على قدم وساق فى تركيا، وسط مزاعم استخدامه من قبل 125 برلمانيًّا من أحزاب مختلفة، بل حتى هناك وزراء يستخدمون هذا التطبيق!
على كل حال، فإن جميع عمليات الاعتقال بتهمة «استخدام تطبيق بايلوك» تعسفية وغير قانونية، حتى لو كانت المزاعم الواردة حوله صحيحة، ذلك أن هذه المزاعم مصدرها المخابرات التركية التى سبق أن أعلنت بشكل رسمى «أن الوثائق والمعلومات الاستخباراتية التى تقدم للمؤسسات المعنية، التى تعد بعد تقييم وتفسير الوثائق والمعلومات التى تأتى إلى جهازنا من مصادر مختلفة لا يمكن استخدامها كأدلة قانونية».
فهل ستستمر الحكومة التركية فى دفن رأسها فى الرمال مثل النعامة وتواصل سرد مزاعمها الخاوية حول وقوف حركة الخدمة وراء ما سمته «الانقلاب الفاشل»، على الرغم من الحقائق التى أظهرتها هذه التقارير البريطانية والأوروبية والتركية الثلاثة وتصريحات ديفيد كينز؟!