بقلم: علي بولاج
تعرضت إسرائيل وقياداتها السياسية لموجة عاتية من الانتقادات اللاذعة وردود الفعل، جراء العدوان الأخير على قطاع غزة. وأن تأتي ردود الفعل والانتقادات هذه من دول العالم الإسلامي فهذا أمرٌ طبيعي ومعتاد، لكن هذه المرة شهدنا ارتفاع صيحات الانتقادات الغربية على هذا العدوان أيضاً.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن المتظاهرين اليهود في كلٍ من تركيا والولايات المتحدة خرجوا احتجاجًا على السياسات الإسرائيلية المتبعة ضد الفلسطينين؛ من احتلال، ومجازر، وعرقية، وسياسات متعجرفة، مؤكدين على بعدهم التام وعدم تأييدهم لسياسات الدولة الصهيونية.[/box][/one_third]وبادر اليهود الذين يعيشون في مختلف بقاع العالم، و237 من اليهود الذين ذاقوا الآلام في المعسكرات النازية على يد الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية، وأبناؤهم، إلى شجب سياسات الدولة العبرية، وما تقوم به من مجازر ومذابح بحق الفلسطينين؛ ودعوا إلى مقاطعة إسرائيل.
ومن اللافت للانتباه في الخطاب الذي أرسله أعضاء جمعية مناهضة الصهيونية العالمية (USN) لصحيفة” نيويورك تايمز” الأمريكية، والذي نشرته بتاريخ 24 أغسطس/ آب الماضي، العبارات التي استخدمت في الخطاب ضد إسرائيل: “إننا بصفتنا يهوداً وضحايا النازية والإبادة العرقية الألمانية، وأبناؤنا، نطالب وبشكلٍ قاطع وعلى نحو عاجل أن يتم إيقاف العدوان الإسرائيلي والمجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني داخل قطاع غزة، ونشجب بشدة استمرار الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، وتحويل فلسطين التاريخية إلى تجمعات من المستعمرات اليهودية”.
وقيم أعضاء الجمعية الخطاب المنشور بعنوان: “المساواة بين النازيين والحمساويين” الذي نشره البروفيسور الأمريكي اليهودي الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 1986، “إيلي فيزيل”، على أنه “إظهار الباطل على أنه حق”.
وبحسب أعضاء الجمعية الذين نشروا الخطاب، فإن “منظمة الأمم المتحدة لا يمكن أن تعطي الحق، وتوفِّرَ الشرعية لقصف الملاجئ، والمنازل، والمستشفيات، والجامعات، ولا يمكنها أن تعطي الشرعية لأحد ما، أياً كان، منع أناسا من الماء والكهرباء”.
واختتموا خطابهم مؤكدين على ضرورة وقف العدوان قائلين: “إن هذا يشمل أيضًا الإبادة العرقية التي تتم في حق الفلسطينيين. ونحن ندعو وبشكلٍ عاجل وفوري، لرفع الحصار عن قطاع غزة، والإنهاء الفوري للاحتلال المفروض عليه، وندعو العالم أجمع إلى مقاطعة الدولة العبرية من جميع النواحي الاقتصادية، والثقافية، والأكاديمية. وعبارة “أبدًا مرة أخرى” تعني بالتأكيد “أبدًا مرة أخرى لأيّ شخص أو مجموعة”.
وعقب هذا البيان الذي أصدره أعضاء جمعية مناهضة الصهيونية الدولية، أصدر مجموعة من الكتاب اليهود حاملي الجنسية التركية، بيانًا آخر تعليقًا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، نُشر في 29 أغسطس/ آب الماضي، بتوقيع عدد من الكتاب الأتراك اليهود المعروفين في الأوساط الأدبية؛ من بينهم “صولي أوزال”، و”جم بهار”، و”روني مرجوإليس”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن تركيا تشهد مع الأسف انتشارًا وتوسعًا لمعاداة السامية، وأصبحت الانتقادات ظاهرية، خالية من الروح والمضمون، فقد بدأت الأساليب الانتقامية وعمليات العقاب الجماعي، التي كانت تطبق وتتبع في العصور الوحشية من التاريخ، تطل بظلالها بين طبقة المتدينين المحافظين.[/box][/one_third]وقد ظلّل ناشرو البيان نقطتين من أهم النقاط الواردة فيه: الأولى هي لفت الانتباه “لوجود حملة تزعم أن اليهود من حاملي الجنسية التركية هم من يتحملون مسؤولية العدوان الإسرائيلي على القطاع”، الثانية، هي توضيحهم أنهم يعارضون السياسات الإسرائيلية المتبعة ضد سكان القطاع، ليس بصفتهم “اليهودية” بل بصفتهم “الإنسانية”.
واستطرد الكتاب اليهود ناشرو البيان قائلين: “إن أي مواطن من أبناء هذا البلد، ليس مجبرًا على أن يخضع للمحاسبة، أو التعليق، أو أن يبدي رأيه حول واقعة ما لا علاقة له بها، وقعت في أي مكان آخر في العالم”.
إن وجهات النظر والأفكار التي تتبلور في البيان الصادر عن مجموعة الكُتَّاب، صحيحة ورشيدة، لأن إلقاء المسؤولية على اليهود في كل هجوم وعدوان تشنه إسرائيل في حق الفلسطينين، يظهر اليهود وكأنهم “المتهم الأول” أمام الرأي العام العالمي، فالإنسان بعد أن يُنعت بـ”المتهم الأول” يمكن بعد ذلك أن يكون مذنبًا أو مجرمًا. نعم.. فعند إمعان النظر في الأمر، نجد أنه قد تم تهيئة المناخ ووضع الأساس لأحكامٍ وأفكار معادية ومناهضة لليهود واليهودية.
إلا أن هذا يُعد مبدأً مخالفاً لما تنص عليه الآيات الواردة في القرآن الذي يؤمن به المسلمون على أنه كتاب مُنزل من الله عبر الوحي؛ كما قال الله تعالى في الآية 113 و114 و115 من سورة “آل عمران” ﴿لَيْسُواْ سَوَاء مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ(114) وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)﴾.
فالمتظاهرون اليهود في كلٍ من تركيا والولايات المتحدة يخرجون احتجاجًا على السياسات الإسرائيلية المتبعة ضد الفلسطينين؛ من احتلال، ومجازر، وعرقية، وسياسات متعجرفة، مؤكدين على بعدهم التام وعدم تأييدهم لسياسات الدولة الصهيونية.
وعلى الرغم من كل هذا؛ فإن تركيا تشهد مع الأسف انتشارًا وتوسعًا لمعاداة السامية، وأصبحت الانتقادات ظاهرية، خالية من الروح والمضمون، فقد بدأت الأساليب الانتقامية وعمليات العقاب الجماعي، التي كانت تطبق وتتبع في العصور الوحشية من التاريخ، تطل بظلالها بين طبقة المتدينين المحافظين. وهنا يُرى الانتقام وسياسات العقاب الجماعي، على أنها أمرٌ جائز وملائم لتعميمها على جميع اليهود، دون الاكتراث بجمعيات مناهضة للصهيونية، والإصلاحيين، ومن يتمتعون بضمير واعٍ، ومن يعيشون دون التدخل في أي شيء. لأن المتدينين المحافظين المعارضين هم الآخرون يتعرضون للعقاب والمعاملة بالطريقة وبالعقلية نفسها، ويجب علينا أن نجد طريقاً لدعوة المسلمين إلى تصحيح إيمانهم من جديد.