بقلم: مصطفى أونال
لم يكن يتبادر إلى الأذهان أن تظهر سياسات التصنيف حسب الإنتماءات والتوجهات مرة أخرى على السطح في” تركيا الجديدة” في عام 2014، ولم يكن أحد يتصور أن يقوم بهذا حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي طالما عانى من هذه السياسات كثيرًا.
فقد كان الحزب في الماضي القريب أحد ضحايا سياسات التصنيف والاستبعاد هاته؛ التي جعلت المؤسسات والمناصب الحكومية محظورة عليه، وأصبح بذلك يمتلك خلفية عن هذا النوع من السياسات، وفي الوقت ذاته دفع الثمن مقابل كل ما تعرض له، إذ مُنِعَ رئيسه السابق رجب طيب أردوغان من ممارسة العمل السياسي بسبب شِعر تلاه في أحد خطاباته وحوكم بسببه بالسجن. وكذا طالت الضغوط التي تمارسها السلطات جهوده في العمل السياسي؛ وأغلقت حزبي السلامة الوطني والرفاه انتهاءً بحزب الفضيلة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لم يكن يتبادر إلى الأذهان أن تظهر سياسات التصنيف حسب الإنتماءات والتوجهات مرة أخرى على السطح في” تركيا الجديدة” في عام 2014، ولم يكن أحد يتصور أن يقوم بهذا حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي طالما عانى من هذه السياسات كثيرًا.[/box][/one_third]بل وكاد حزب العدالة والتنمية نفسه أن يتعرض للحلّ، إلا أنه نجا من الحظر المفروض عليه بالأمس ليصل إلى سدة الحكم، وأصبح هو من يعد ويخطط لعمليات التصنيف ضد معارضيه وخصومه، وهذا لم يعد فقط من قبيل الادعاءات والإتهامات، بل أصبح كل شيئ واضحا للعيان.
وحتى الآن مرَّ ما يقرب من عامين على تداول الأخبار حول قيام حكومة العدالة والتنمية بتجهيز وإعداد خطة تصفية بين كبار الموظفين، بيد أنه تأكد بعد ذلك صحة هذه الأخبار، ومن المؤسف أن قرار عمليات التصنيف الذي تم اتخاذه في مجلس الأمن القومي في عام 2004، وكذالك في 2014 يحمل توقيع حزب العدالة والتنمية، بل وبالطرق نفسها التي عانى منها الحزب، مثل استخدام أساليب استخباراتية وإطلاق الشائعات والادعاءات التي يتوصلون بها من قبل السعاة أو عمال الشاي داخل المؤسسات، وبدأوا ينعتون خصومهم بالكيان الموازي أو الدولة الموازية وما شابه من هذه الادعاءات، في محاولة للتستر على عجزهم عن وصفهم بـ”الرجعيين” ، وهذا هو الفارق الوحيد بين اليوم والبارحة. وهم ليسوا كما يُدعى أنهم يتحركون داخل الدولة التركية وفقًا لدوافع مختلفة، أو يقومون بأعمالٍ مخالفةٍ للقانون، ويقصد بهم الأشخاص المنتمون لحركة الخدمة، أو من لهم علاقة بها. حقًا هي عملية لمطاردة الساحرات، كما سماها رئيس الوزراء السابق رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان..
وبالفعل آتت هذه العمليات أكلها؛ إذ أسفرت عن عشرات الاعتقالات، ونقل المئات الآخرين من مناصبهم، وعزل آخرين وإبعادهم عن وظائفهم بشكل تعسفي، فأعداد ضحايا هذه العمليات كثر، وعلى الجانب الآخر نجد من يعارض هذه التصرفات، وهناك من يقول “لا”، وهناك من يرفض أن يوفر جسرًا لهم لمخالفة القانون، منهم شخصيات في مناصب عليا بالدولة، وعلى رأسهم الرئيس الحادي عشر لتركيا عبدالله جول، إذ طالت عمليات التصنيف قصر “تشانكايا” الرئاسي بأنقرة، وتم استهداف أصدقاء جول المقربين، فقد انتشرت التصنيفات في وقت قصير عبر الكوادر المتخصصة في مواقع التواصل الاجتماعي لحزب العدالة والتنمية. ولم يبال جول بملفات هذه العمليات، ولم يكترث بقائمة الأسماء التي جرت عليها عمليات التصنيف.
ولم يصبح جول شريكًا فيما أطلق عليه رئيس الوزراء السابق أردوغان “مطاردة الساحرات”، فهذا سبب من الأسباب التي دفعت السيدة “خير النساء جول” قرينة الرئيس السابق جول أن تطلق تصريحاتها الصادمة للجميع، عندما قالت معبرةً عن استيائها: “إن ما نعيشه في هذه الأيام لم نعشه حتى في أيام النقاش الذي دار حول حجابي وفي شبه الانقلاب العسكري في 28 فبراير/ شباط 1997”.
كما يمكننا أن نستنتج مدى استياء جول تجاه سياسات التصنيف، من خلال كلماته التي قالها خلال حفل الوداع الذي عقد في قصر الرئاسة، قبل أيام من انتهاء فترته؛ “في النهاية يقوم كل من حولي بعملهم بأسلوب محترف، لكنهم ألصقوا بعض الجرائم والتهم لأناسٍ، على الرغم من عدم صحتها…”
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]هل يفكر حزب العدالة والتنمية أو يخطر بباله أنه يرتكب خطأ ما؟ فالحزب الحاكم اختار طريقا خاطئا، لا مخرج منه، فنهاية عمليات مطاردة الساحرات، ستكون الصيد حتمًا، فوصمة عار تصنيف المسؤولين تكفي حزب العدالة والتنمية بل وتزيد، والرئيس الحادي عشر عبدالله جول، ورئيس المحكمة الدستورية “هاشم كيليتش”، ورئيس هيئة الأركان “نجدت أوزال” شاهدين على هذه الفترة، ونالوا شرف ومجد قول “لا” للانتهاكات القانونية.[/box][/one_third]وبالتأكيد لم يكن عبدالله جول هو الوحيد الذي لم يكترث بعمليات التصفية والتصنيف، فكان رئيس أركان الجيش التركي “نجدت أوزال” أيضًا، واحدًا ممن قالوا “لا للانتهاكات القانونية”، وتقريبًا لا يوجد داعٍ أن نتحدث عن مدى حساسية هيئة أركان الجيش التركي، تجاه مثل هذه الموضوعات، فإذا قال رئيس الأركان ذاته، “لا للانتهاكات القانونية” فما بالنا بحجم وأبعاد عمليات التصنيف أو ما أطلقه رئيس الوزراء تحت مسمى “مطاردة الساحرات”.
وعلى ما يبدو؛ فإن هذا صحيح، وأنه تم إرسال قائمة عمليات التصنيفات إلى رئيس هيئة الأركان، وكان أوزال قد قالها بالفعل وبصراحة وبوضوح: “لقد طالبنا جهاز المخابرات الوطنية ومديريات الأمن أن يوافونا بمعلومات حول الأمر، إلا أنها لم تصل إلينا، فنحن لا يمكننا أن نبدأ أي إجراءات استنادًا على بلاغات لا تحمل توقيعات”، مشيرًا إلى الملفات والقوائم التي قدمها حزب العدالة والتنمية له، خلال عام 2014، دون أن تحمل أي توقيعات. كما قال أوزال: “لا، لن يتم ذلك بدون وثائق إثبات”. وأنا أكتب هذا لتسجيل الأمر في صفحات التاريخ.
ولم يتوقف الأمر عند الرئيس السابق عبدالله جول، ورئيس أركان الجيش التركي “نجدت أوزال”، بل خرج رئيس المحكمة الدستورية “هاشم كيليتش” عن صمته، وتناول الأمر هو الآخر. فـ”كيليتش” بحكم منصبه يأتي ضمن الصفوف الأولى لبروتوكولات الدولة التركية، لذلك قدمت له أيضًا قائمة بعمليات التصنيف ليقوم بعمل اللازم، وكان كيليتش قد قال من قبل: “إن هناك تجاوزات وأخطاء جدية خطيرة، تجرى من خلال توجيه التهم لبعض الأشخاص دون الاستناد إلى أي معلومات أو وثائق، وأنا أقول هذا دفاعًا عن المؤسسة التي أتواجد على رأسها، وعن باقي المؤسسات، إذ تُرسل إلينا طلبات اتهام دون توقيع، مصنفين بعض الأشخاص بتهمٍ وادعاءات، وقد وصلت إلي أيضًا قائمة بالأشخاص الذين من المقرر أن تطولهم عمليات التصنيف، بيد أني لم أكترث بها، فقد كانت قائمة بكل أعضاء المؤسسة، لم تحمل أي توقيع ولا أي شئ، فمن أعدها، أعدها وفقًا لأهوائه”.
عجبًا، هل يفكر حزب العدالة والتنمية أو يخطر بباله أنه يرتكب خطأ ما؟ فالحزب الحاكم اختار طريقا خاطئا، لا مخرج منه، فنهاية عمليات مطاردة الساحرات، ستكون الصيد حتمًا، فوصمة عار تصنيف المسؤولين تكفي حزب العدالة والتنمية بل وتزيد، والرئيس الحادي عشر عبدالله جول، ورئيس المحكمة الدستورية “هاشم كيليتش”، ورئيس هيئة الأركان “نجدت أوزال” شاهدين على هذه الفترة، ونالوا شرف ومجد قول “لا” للانتهاكات القانونية.