بقلم: محمد كاميش
طلبت زوجة رئيس الوزراء في الفترة التي كان فيها أردوغان بايراقدار وزيرا للبيئة والتخطيط العمراني تحويل أرض إحدى المحميات إلى منطقة يسمح فيها بالبناء، أو بالأحرى تحويل إحدى القرى التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا من حيث القيمة السعرية، نظرًا لموقعها الإستراتيجي المجاور للمطار، إلى أراض لبناء وحدات سكنية عليها.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إننا شهدنا حتى اليوم الكثير من الانتهاكات القانونية وانتهاك حقوق العباد في المشاريع والخطط العمرانية، خاصة في الظروف الاستثنائية وحالات الطوارئ في بلدنا، إلا أننا لم نشهد أبداً تهرباً من القانون وحياداً عنه مثلما نشهد في الفترة الأخيرة.[/box][/one_third]وعليه، تناولت وسائل الإعلام هذه الواقعة، ويؤكد أردوغان بايرقدار ما تناولته وكتبته الصحف ويعترف بأنه نفذ الطلب المقدّم إليه، وأن هذا المكان الذي كان في السابق قرية افتتح لإنشاء المساكن.
هذا الخبر لا يفاجئ أحدا، ولا يدهشه بالمرة، ولا يجعل أحداً يثور على هذه الفوضى والفساد، لأن هذه الواقعة أصبحت من قبيل الأمور الطبيعية التي من الممكن أن تشهدها تركيا، وحالة من الحالات التي يسمعها المواطن وتمر مرور الكرام دون تدقيق فيها.
وبمعنى آخر، إن ما يحدث أشبه بأنك تقتني قطعة أرض على أنها أرض زراعية، ثم تلجأ إلى المسؤولين أصحاب النفوذ، وبمساعدتهم تجري تغييرات على الأرض وتحولها إلى أرض صالحة للبناء عليها، ليس هذا فحسب، إنما تحصل أيضًا على مئات الملايين دون أن تكلف نفسك العناء في وضع حجر أو إرهاق ذراعك.
وهذا هو معنى تغيير حالة الأرض وتحويلها من أرض غير معدّة للبناء إلى أرض يسمح فيها بالبناء؛ تشتري قطعة أرض وهي في وضع حقل، وعندئذ يكون سعرها رخيصاً كما لو كانت بالمجان، لأنك اشتريتها على أنها حقل، وإن واجهتك مشكلات في الإنشاء عليها وعجزت عن حل ذلك في البلديات، تلجأ إلى معارفك في الوزارة وتحولها إلى أرض للبناء، ثم ترتفع قيمة الأرض أضعافا مضاعفة في لحظة واحدة، وتتحول إلى خزائن يُباع المتر الواحد فيها بالآف الدولارات، وتحصل على إيجارات رهيبة دون أن ترهق نفسك في الصناعة أو الإنتاج أو القيم المضافة أو أعمال المشاريع العلمية والتكنولوجية.
لكن ما يؤلم حقًّا في هذه القصة، أنه لم تأت من سكان الحي، الذين يتحلى غالبيتهم بمبادئ الإسلام، أي شكاوى أو اعتراضات على هذا الربح غير العادل والمكتسب بطرق ريعية، ولا أعرف إذا كان الكثير من هؤلاء الذين يجرون مثل هذه التعديلات بصورة تسيئ لحس العدالة من أجل تحقيق مصلحتهم الشخصية أو مصلحة أحد من أقاربهم، مستغلين في ذلك سلطة الدولة، ينتظرون وقوع زلزال كبير حتى تستيقظ ضمائرهم، لكن هناك مُسمّى واحد لمنح شخص حق البناء على أرض غير صالحة للبناء بهذه الصورة وهو “الربح غير العادل” ،وإذا كان يهمهم، فإنهم ينتهكون بذلك حقوق العباد المحرومين من هذه الامتيازات.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن الأمر الواقع الذي تفرضه قوة الإدارة السياسية وفَّرت مصالح شخصية كبيرة لبعض الأشخاص دون مراعاة أي قانون، فتحولت الشواطيء والغابات شيئًا فشيئاً إلى مجمعات سكنية، وكل زاوية من زوايا إسطنبول تحت تهديد الإنشاءات، ويتم هدم القصور الصغيرة العتيقة على مرأى ومسمع من الجميع.[/box][/one_third]وتجدر الإشارة هنا إلى أنه بعد انقلاب 12 أيلول/سبتمبر 1980، تم إنشاء مجموعة من الفيلات داخل غابة موجودة على أطراف جبل التلفريك بمدينة إزمير غرب تركيا، ومع أنه ليس ثمة من يعرف بالضبط من قام بإنشاء هذه الفيلات، إلا أن بعض الضباط يقولون إنهم أعضاء في الجمعية التعاونية التي أنشأتها، وتمت مناقشة قضية هذه الفيلات البالغ عددها نحو 50 أو 60 فيلا، والحديث عنها لسنوات طويلة، وانتقد الجنرال كنعان إيفرين، الذي اختير رئيسًا للجمهورية بعد الانقلاب الذي قاده ، بصورة لاذعة هؤلاء الذين أنشأوا الفيلات في تلك المنطقة، واتهمهم بأنهم يطعنون بسكين صدئة قلب الطبيعة وحضنها.
كنتُ أنظر حتى فترة قريبة إلى الثكنات والمحميات العسكرية، وأقول في حق العسكريين: “انظروا! إنهم سيطروا على أجمل أماكن المدينة”، كانت هناك ثكنات عسكرية في الأماكن المركزية الأكثر تنظيمًا والمليئة بالخضرة، وأتذكر أنني كنت أوجه انتقادات ضد العسكر بسبب هذا الموضوع. بيد أنني كلما أشاهد اليوم تحويل كل الأماكن التي تهجرها الجهات العسكرية إلى وحدات سكنية ومبان خاصة، أتفهم جيدًا أنه يجب عليّ أن أعتذر للعسكر على حديثي عنهم في السابق؛ إذ تبين أنهم هم الذين يضفون الخضرة على هذه الأماكن، حيث كانت تبقى داخل نظام وترتيب معين بفضلهم، واتضح أن العسكر هم من كانوا يقفون حائلا أمام تحويل كل أطراف الدولة إلى مناطق ريعية.
نعم، إننا شهدنا حتى اليوم الكثير من الانتهاكات القانونية وانتهاك لحقوق العباد في المشاريع والخطط العمرانية، خاصة في الظروف الاستثنائية وحالات الطوارئ في بلدنا، إلا أننا لم نشهد أبداً تهرباً من القانون وحياداً عنه مثلما نشهد في الفترة الأخيرة، وإن الأمر الواقع الذي تفرضه قوة الإدارة السياسية وفَّرت مصالح شخصية كبيرة لبعض الأشخاص دون مراعاة أي قانون، فتحولت الشواطيء والغابات شيئًا فشيئاً إلى مجمعات سكنية، وكل زاوية من زوايا إسطنبول تحت تهديد الإنشاءات، ويتم هدم القصور الصغيرة العتيقة على مرأى ومسمع من الجميع، ويُنشأ مكانها مبان جديدة، حتى أن المساحات الخضراء الموجودة في قلب المدينة مثل حديقة “كوشويولو والده باغي” في مرحلة الإنشاء عليها.
والآن أظن أن لدي الحق في أن أسأل؛ ألا يزعج ضمائركم ولو قليلاً هذا الاقتصادُ الريعي وهذه الأرباح غير العادلة، وتحوُّل السياسية إلى أداة لتحقيق أرباح شخصية، وإزالة الأشجار والغابات ومحو هوية المدينة عن طريق الإنشاءات؟!