بقلم: آدم يافوز أرسلان
(الزمان التركية)- تعد فترة 24 ساعة في السياسة التركية تعد فترة زمنية طويلة، فالأحداث الجارية تثبت هذا. ولعل أحدث مثال على هذا قرار الانتخابات المبكرة وأعمال التحالفات بين الأحزاب السياسية.
كل يوم وكل ساعة قد تكون لها أهمية مصيرية، ففي هذه المرحلة ينبغي أن أوضح أن الرأي العام التركي يرجع قرار أردوغان وباهتشيلي بإجراء انتخابات مبكرة بصورة مفاجئة إلى الأزمة الاقتصادية المرتقبة.
وعلى الرغم من صحة هذا الأمر أعتقد أن الأزمة الاقتصادية ليست أهم عامل مؤثر في هذا القرار، نظرا لأن الأزمة الاقتصادية هي نتيجة تراكمية وليست مفاجئة وتحدث شيئا فشيئا. ومن هذا المنطلق ينبغي توضيح أن أداء الاقتصاد يتدهور وتهرب الاستثمارات بسبب الممارسات غير قانونية لنظام أردوغان.
وينبغي أيضا الإشارة إلى تعرض السوق التركية لتراجعات بسبب اجراءات حالة الطوارئ، لكنني على يقين بأن خوف أردوغان يتعلق أكثر بمقومات خارجية، فترويض أردوغان للمقومات الداخلية أمر سهل.
أردوغان بات يسيطر على الإعلام التركي بأكمله عقب عملية بيع مجموعة دوغان التي كانت تظهر في الماضي بمظهر شبه موالي للنظام، كما بإمكانهم تحميل حركة الخدمة مسؤولية الأزمة الاقتصادية والتلاعب بها تحت مزاعم مثل القوى الخارجية واللوبي والعقول المدبرة.
الحزب الحاكم يتمتع بالقوة والعدد الكافي من الموالين له الذين يمكنانه من فعل ما يحلو له، كما أن تدفق الأموال مجهولة المصدر تمكنه من إيجاد حلول مؤقتة في الأوضاع الطارئة، لكن الأنباء الواردة من الخارج ليست أمورا يمكن لأردوغان السيطرة عليها والتلاعب بها.
هناك خوف كبير من “قضية ضراب”
لقضية بنك الشعب التركي ورجل الأعمال من الأصل الإيراني رضا ضراب التي لا تزال قائمة في الولايات المتحدة دور مهم في هذا الأمر.
وكما هو معروف فإن ضراب الذي اعتقل في مارس/ آذار عام 2016 بمدينة ميامي الأمريكية امتثل أمام المحكمة بعد فترة اعتقال دامت 20 شهرا للإدلاء باعترافات وكشف الكثير من الأمور حول علاقاته بأردوعان ومسؤولين في حزبه.
ويدور الحديث في أمريكا حول قطعية فرض مكتب متابعة الممتلكات الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبة رد اعتبار على بنك الشعب التركي وتوقعات بعدم اكتفاء العقوبة على البنك التركي وحده.
الأمر الثاني هو تشارك المعلومات والوثائق وهو أحد أهم أعمدة الاتفاق الذي أبرمه ضراب مع النيابة الأمريكية، أي أن تعاون ضراب والنيابة العامة سيتواصل خارج قاعة المحكمة أيضا.
ويمكنني القول بكل سهولة بصفتي شخص يتابع الجلسات من موقعها على مدار شهر أن هاكان آتيللا هو الحلقة الأولى من السلسلة.
الأمر الثالث هو أن إفادات العناصر الداعشية التي أمسكت بها القوات الأمريكية أو حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا قد تسفر عن مفاجآت، فالمؤسسات الفكرية في العاصمة تتحدث عن هذا الأمر منذ فترة وأن روايات هؤلاء الدواعش ومشاركاتهم مع الأجهزة الأمريكية قد تسفر عن قضايا جديدة ومفاجئة.
الأمر الرابع هو استعداد الكونجرس الأمريكي لفرض حظر على تركيا، إذ أن الكونغرس يسعى منذ فترة لتطبيق قانون ماغنيتسكي بسبب الراهب الأمريكي المعتقل في إزمير بينما يعمل البيت الأبيض والخارجية الأمريكية على عرقلة مسألة العقوبات بحجة مصالح البلاد.
وعدم الإفراج عن الراهب حتى الآن يثير توتّر الكونجرس بما فيه الكفاية، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه مايك نشروا تغريدات حول الموضوع بينما يشدد العديد من أعضاء الكونجرس على ضرورة الرد على تركيا “باللغة التي تفهمها”.
وبالتالي فإن الخسائر الناجمة عن أحد هذه العوامل الأربعة أو عدد منها بالنسبة لأردوغان ستكون كبيرة، لكن الحظر أو العقوبات الاقتصادية التي ستفرض قد تعود بالنفع على أردوغان مع اقتراب الانتخابات، فأردوغان سيعمل على تدعيم موقفه بخطابات مثل “العقل المدبر يعمل على الإطاحة بآخر حصن للأمة” والموجهة للكتل العاشقة لنظريات المؤامرة.
بهذه المناسبة دعوني أذكركم أن أنقرة متخوفة من العقوبات التي ستفرضها واشنطن، ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي يقلل البنك المركزي أصول الدولة الموجودة داخل الولايات المتحدة. وإلى الآن تراجع الاحتياطي إلى 7 مليار دولار وهو الأدنى منذ عام 2012.
ماذا تتوقع أمريكا؟
حسنا، ماذا تتوقع أمريكا من “الرئيس التركي الجديد” الذي سيُنتخب خلال الانتخابات المقبلة؟ لدينا بيانات مادية فيما يتعلق بهذا الأمر، وما أقصده ليس وثائق استراتيجية سرية أو خطط لتحركات.
الخارجية الأمريكية تعد تقريرا عن وضع حقوق الإنسان في نحو 200 دولة، وهذه التقارير تكون شاملة.
وخلال الأيام الماضية كشفت الخارجية الأمريكية عن تقريرها، وشغلت تركيا 64 صفحة من التقرير الذي قرأه السفير مايكل كوزاك. ونظرا لتدهور الوضع الحقوقي في تركيا فإن التقارير السابقة كانت سلبية بالنسبة لتركيا غير أن هذا التقرير كان شاملا بصورة كبيرة وتضمن انتقادات عنيفة.
سرد التقرير الانتهاكات الحقوقية في كل المجالات واحدة تلو الأخرى، كما برز خلال التقرير الانتقادات المتعلقة بحالة الطواري وتناول التقرير أيضا عمليات الاستيلاء على المؤسسات والشركات والمصانع والاعتقالات وحالات الفصل من العمل التي ليس من المعروف على ماذا تستند.
وصنف التقرير مزاعم التعذيب “كأهم مشاكل انتهاكات حقوق الإنسان”، وأكد التقرير أيضا أن عدم استقلال القضاء أدى إلى ضعفه وعدم إدارة الحملات الانتخابية بصورة عادلة.
تطرق التقرير إلى اعتقالات الصحفيين والأكاديميين وحجب المواقع الالكترونية والضغوط الممارسة على منظمات المجتمع المدني.
مثلما ذكرت مسبقا فإن التقرير يتناول الدولة بصورة شاملة وتشير النقاط السابقة ذكرها إلى أن الوضع ليس على ما يرام.
ومن جانبه ذكر السفير مايكل كوزاك عضو وحدة الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل بالخارجية الأمريكية أنه توجد قضايا خطيرة جدا تتعلق بتركيا وفي هذا الصدد يدعو الجانب الأمريكي الحكومة التركية إلى إنهاء حالة الطوارئ واحترام حق المحاكمة العادلة والمستقلة للمعتقلين وإعادة تركيا إلى كونها دولة تحترم سيادة القانون مرة أخرى.
وشدد كوزاك على أن هذا الوضع مقلق ويجب على الحكومة التركية التراجع وإدراك الاتجاه الذي تدفع البلاد صوبه وإعادة البلاد إلى طبيعتها المطلوبة بكل الطرق والسبل الممكنة.
هذه العبارات تجيب على السؤال السابق طرحه أي أنها توضح ما تتوقعه أمريكا من الرئيس الجديد في الوقت الذي لم يتضح فيه بعد المرشحون الآخرون.
جبهة الاتحاد الأوروبي أيضًا لا تختلف
شهدت الأيام الماضية أيضا نشر المفوضية الأوروبية “تقرير التقدم” الخاص بتركيا، وعلى الرغم من كونه “تقرير التقدم” فإنه كان مليئا بأمثلة تعكس تراجعا. وقبل الخوض في التفاصيل ينبغي الإشارة إلى زعم الإعلام التركي المؤيد لأردوغان أن التقرير سيتضمن تصنيف حركة الخدمة كتنظيم إرهابي قبيل إعلان المفوضية الأوروبية للتقرير.
وعلى الرغم من عدم ورود أمر كهذا في التقرير فإن الإعلام التركي واصل نشر الأكاذيب مما جعل الملايين الذين لا يتابعون مصادر أخرى يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي صنف حركة الخدمة كتنظيم إرهابي.
فيما يتعلق بمحتوى التقرير وقد تضمن الكثير من الانتقادات مثل تقرير الخارجية الأمريكية، بل أن الخبراء اعتبروه أعنف تقرير حتى اليوم.
باختصار سجلت التقرير إبعاد نظام أردوغان تركيا عن الديمقراطية وأوروبا بطريقة مقصودة وتدهور تركيا في العديد من المجالات مثل حرية التعبير عن الرأي والحقوق الأساسية وسيادة القانون والمجتمع المدني وحق الامتلاك. وارتكز التقرير على حالة الطوارئ وتدهور النظام القضائي في تركيا.
رسالة التقرير إلى المعارضة
حسنا ماذا يتوقع الاتحاد الأوروبي من الرئيس التركي الجديد؟ يريدون لتركيا العودة إلى القانون تماما مثل الولايات المتحدة.
الخلاصة أن تقرير الخارجية الأمريكية وتقرير المفوضية الأوروبية يؤكدان على أن عملية إنقاذ كبيرة في انتظار الرئيس الذي ستسفر عنه الانتخابات القادمة.
ويتوقع الجانبان إنهاء حالة الطوارئ والعودة إلى القانون وإحياء استقلال القضاء وضمان حرية الفكر والتعبير عن الرأي بالإضافة إلى إنهاء التعذيب وسوء المعاملة والإفراج عن الصحفيين والأكاديميين المعتقلين.
حسنا، من بإمكانه تلبية هذه التوقعات من المرشحين غير أردوغان؟ ليس من المعروف بعد المرشحون الآخرون لكن من الواضح والجلي أن أردوغان لن يلبي مطالب أمريكا والاتحاد الأوروبي أي أن انتخاب أردوغان سينذر بعهد سيء بالنسبة لكلا الطرفين.
وعلى من يعجز عن تخيل مستقبل تركيا حال انعزالها عن أمريكا وأوروبا النظر إلى الدول الاستبدادية حول العالم.
وبهذا فإنه في الوقت الذي تحدد فيه الأحزاب المعارضة الأخرى مرشحيها من المهم الأخذ بعين الاعتبار تمتع الشخص المرشح بالقدرة على إصلاح العلاقات مع أمريكا والاتحاد الأوروبي، بل ويُشترط عليهم إعطاء الأولوية إلى هذه النقطة بالذات.
لقراءة الخبر باللغة التركية اضغط على الرابط التالي: