مضيق إسطنبول هو الممر المائي الذي يربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ويشطر إسطنبول إلى شطرين آسيوي وأوربي.
ويطلق على الأماكن الآهلة بالسكان حول المضيق في كلا الشطرين الآسيوي والأوربي اسم “بوغاز إيتشي”، وهذه الأماكن تلعب دورا مهما في تعريف تركيا و إسطنبول إذ هي من أهم رموز السياحة الخارجية لمدينة إسطنبول التي كانت عاصمة للرومان ثم للعثمانيين واليوم هي أكبر مدينة في تركيا.
ويمتاز هذا المضيق بأنه أضيق ممر يتم من خلاله الشحن البحري الدولي، ويوجد عليه جسر السلطان محمد الفاتح وجسر بوغاز إيتشي، وهناك جسر السلطان سليم الأول (ياووز سليم) ،وهو قيد الإنشاء.
ويشهد المضيق حركة النقل عبر القارات والحافلات البحرية والعبَّارات التي تقل البضائع والسيارات والمسافرين، وبواخر النقل الداخلي والزوارق.
ويمر من أسفل المضيق مشروع مرمراي لخطوط السكك الحديدية، الذي يربط الشطرين الآسيوي والأوربي لمدينة اسطنبول ببعضهما وسوف يربط بالخط الحديدي للقطار السريع، وسيصبح من الممكن الذهاب من لندن إلى بكين عبر الخطوط الحديدية دون الخروج عن الخط الحديدي.
مضيق إسطنبول هو المنفذ الوحيد الذي يسمح بالوصول إلى البحر المتوسط بالنسبة لكل من الدول الواقعة على ساحل البحر الأسود (بلغاريا ورومانيا وجورجيا وروسيا وأوكرانيا).
وكان البيزنطيون يطلقون على هذا المضيق اسم (بوسبوروس) ومعناه مضيق الثور أو البقرة.
وليس هناك نظرية معترفة بها عالميا في كيفية تشكل مضيق إسطنبول، لكن أغلب الآراء الجيولوجية في هذا الموضوع ترجح أن المضيق عبارة عن خط زلزالي امتلأ بمياه البحر بعد حدوث هبوط في الأرض.
مستوى مضيق إسطنبول منخفض عن مستوى البحر الأسود وأعلى من مستوى بحر مرمرة، والفرق بين المستويين في بداية المضيق ونهايته هو 40 سم، ولذلك فهناك تدفق سطحي مستمر من البحر الأسود إلى بحر مرمرة.
ويبلغ طول هذا المضيق 29.9 كم من البحر الأسود إلى بحر مرمرة، والمسافة بين أقرب نقطتين على ساحلي المضيق هي 698 م بين حصني “الأناضول” و”روم إيلي”، وأعمق مكان في المضيق هو 110م بين منطقتي “ببك” و”قنديللي”، في حين أن متوسط العمق هو 60 م.
ولاتوجد على سواحل المضيق أراض سهلية، فبعد انتهاء البحر بعدة أمتار تبدأ المرتفعات الوعرة، ومعظم السهول في القسم الأوربي، خاصةً، تشكلت نتيجة ردم البحر بالتراب.
وأهم ارتفاع مطل على المضيق هو تلة “تشامليجا الكبرى” التي يبلغ ارتفاعها 252م وتلة “تشامليجا الصغرى” البالغ ارتفاعها 216 م.
وتوجد منطقتان من اليابسة محاطتان بمياه المضيق وهما الجزيرة الصخرية التي يقع عليها برج الفتاة في شواطئ “صالاجاق” وجزيرة “كوروجشما” التي تُعرف باسم (جلطة سراي) الواقعة على شواطئ “كوروجشما”.
وإن أقدم مكان للتجمع البشري في سواحل مضيق إسطنبول هو ما يعرف اليوم بشبه الجزيرة التاريخية حيث استوطن فيها يونانيون قادمون من مدينة “ميغارا” في 685 ق.م. وكان المضيق طريقًا مائيًا هامًّا للوصول إلى المستعمرات المقامة على سواحل البحر الأسود. وقد كان الإمبراطور الفارسي “داريوس الأول” قد عبر مضيق إسطنبول بوضع مئات السفن جنبًا إلى جنب كي تكون جسرًا عواما عندما خرج لحرب الإسكيت سنة 493ق.م.
وقد غدا المضيق ذا أهمية في الثقافة التركية وفي الحياة اليومية منذ القرن 18. وقد أُنشئت على سواحل المضيق العديد من أماكن الصيد والحدائق والمنتزهات ومضامير السير والتجوال للاستخدام الخاص للسلاطين العثمانيين .
وقد بُنيت القصور في أجمل البقاع على سواحل المضيق وخصوصًا في عهد اللالة (عهدالخزامى)، فامتلأت هذه السواحل بأماكن الاصطياف التي بناها كبار المسؤولين في ذلك العصر.
وقد افتتحت حمامات بحرية للرجال والنساء في بعض الشواطئ الرملية من تلك المصايف. وقد غدت رحلات المضيق الليلية تحت ضوء القمر عبر الزوارق شائعة جدًا.
وقد كثرت البيوت عشوائية المخالفة للقانون على سواحل المضيق في خمسينيات القرن الماضي. وبعد ذلك حلت المجمعات الفخمة والفيلات والمباني مكان بعض تلك المساكن غير النظامية.
وبعدما افتُتح الجسران المعلقان للعبور من فوق المضيق في سنتي 1973 و 1988 اكتسبت الهجرة إلى إسطنبول والتنقل بالبواخر والسكن على شواطئ المضيق أهمية كبرى.
واليوم توجد 7 مناطق في بوغاز إيتشي (على سواحل المضيق)، وهي : [فاتح، بيي أوغلو، بشيكطاش، صاري يير] في الجزء الأوربي؛ بالإضافة إلى: [قاضي كوي، أُسكُدار، بي كوز] في الجزء الأناضولي/الآسيوي.
ولا تزال بعض القصور الصغيرة القديمة المطلة على البحر محافظة على رونقها التاريخي، وهي من أغلى العقارات في إسطنبول وفي تركيا عامةً. ومن هذه القصور : قصر حسيب باشا، محسن زاده، أحمد فتحي باشا، زكي باشا، تحسين بك، الكونت أوستروروغ، شاه زاده برهان الدين، ظريف مصطفى باشا، نوري باشا بالإضافة إلى قصر قبرصي.
ومن بين القصور الكبيرة والمباني الفخمة المطلة على ساحل المضيق هناك كثير من الأبنية التاريخية مثل: قصر “طوبقابي”، وقصر “تشيراغان”، وقصر “بَيلربيِي”، وقصر “كوتشوك صو”، وقصر “بَيكوز”، وقصر “عادلة سلطان”، وجامعة “غلاطه سراي”، والقنصلية المصرية، ومتحف “صاقب صابانجي”.
وتعبر 130 مليون واسطة نقل سنويًا من الجسرين.
وبدأت فكرة إقامة جسر فوق المضيق في العصر العثماني، وبقي هذا الموضوع مطروحًا إلى أن لقي اهتمامًا حقيقيًا بعد إجراء دراسة لمشروع الجسر سنة 1953.
وفي 20 يناير/كانون الثاني 1970 تم التوقيع على تنفيذ الجسر في اجتماع حضره رئيس الوزراء حينها “سليمان دميرال”. وكان المشروع يشمل جسرًا ثالثًا فوق الخليج وطريقًا دائريا لإسطنبول . وبُدئ بوضع حجر أساس الجسر في 20 فبراير/شباط 1970 .
وقد افتُتح الجسر في30 أكتوبر/تشرين الأول 1973 عبر مراسيم رسمية بمناسبة الذكرى الـ50 لتأسيس الجمهورية التركية.
أما الجسر الثاني فوق المضيق فهو جسر السلطان محمد الفاتح ، وقد بُدئ بتنفيذه في 29 ماي/أيار 1985. وقد افتتحه الرئيس “طورغوت أوزال” في 3 يوليو/تموز 1988 عبر مراسيم رسمية.
وقد ارتبط الشطر الأناضولي من إسطنبول بالشطر الأوربي من خلال هذين الجسرين بالإضافة إلى مشروع الخط الحديدي تحت البحر (مرمراي). وهذا المشروع يبلغ طوله 13.6 كم من أصل 63 كم من مجموع طول الخطوط الحديدية. والقسم المار تحت المضيق من هذا المشروع يبلغ طوله 1.4 كم .
وقد بُدئ بتنفيذ هذا المشروع في ماي/أيار 2004 ، وقد بلغت تكلفة تحسين عبور المضيق وإنشاء الأبنية الجديدة 2.5 مليار دولار.
ويمر من المضيق 55 ألف سفينة سنويًا.