أدلى الباحث والكاتب الإسلامي التركي “علي بولاج”، المستشار السابق لرئيس الوزراء “رجب طيب أردوغان” فيما بين عامي 1995 – 1998، بمعلومات مثيرة للغاية حول حزب العدالة والتنمية والتطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة.
وفيما يلي نورد ملخص الحوار الذي أجرته معه صحيفة “بوجون” التركية:
س:ما الثمن الذي طلبته الدول الغربية في مقابل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا؟
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]قناعتي الشخصية تقول إنه ليس هناك دول مباشرة وراء تنظيم القاعدة. لكن هناك الأمراء من أغنياء النفط. ويُعتبر تنظيم القاعدة واحدًا من أقوى التنظيمات التي جاءت على مر التاريخ. وقد أُسس وفق عقيدة ورؤية معينة، وهي “تنظيم بلا منظمة”.
[/box][/one_third]ج: طُلبت من تركيا ثلاثة أشياء؛ أولها المحافظة على إسرائيل داخل حدود آمنة، وجعلها دولة (شرعية) في المنطقة. وثانيها، ضَمان عدم الإضرار بآبار البترول وخُطوط نَقل مصادر الطاقة. وثالثُها، منع وصول الجماعات الراديكالية كتنظيم القاعدة إلى السلطة.
وقالوا لتركيا “إذا قبلت هذه الشروط، سنجعلك يابان الغرب”، وقبلت تركيا هذه الشروط.
س: من هم الذين قالوا ذلك؟
ج: حدث ذلك في مباحثات عُقدت بين عامي 2000 – 2002. وهكذا فُتح الطريق أمام حزب العدالة والتنمية. وأصدر الرئيس الأمريكي وقتها “بيل كلينتون” تعليماته للاتحاد الأوروبي وهو على متن الطائرة قائلًا “أزيلوا العقبات من أمام تركيا”. وعندما وصل تركيا، قال “إن تركيا هي من ستدشّن القرن الحادي والعشرين”.
هذا القول لم يكن من قبيل الرشوة، بل كان إستراتيجية. وقالوا لأردوغان حينها “سنطيح بقادة الجيش إذا كانوا هم العقبة التي ستمنع تقدُّمك”. وأُجريت الإصلاحات، وازداد رأس المال. وأصبح التآزر التركي مصدر إلهام للربيع العربي.
يقول رئيس الوزراء أردوغان “قلت للأسد عجِّل بإجراء الإصلاحات، لكنه لم يفعل”.
طلب أردوغان من الأسد أن يفعل خلال ثلاثة أشهر ما لم تستطع تركيا أن تفعله في 30 عامًا. ولم تكن تركيا لتقبل حتى لو بادر نظام الأسد إلى تنفيذ أكثر الإصلاحات جذريةً. فما كان يدور في عقولهم هو التالي: “تأخرنا في ليبيا، فعلينا ألا نتأخر كذلك في سوريا. ولنتحرك بالتعاون مع السعودية لنؤسِّس نظامًا يؤيدنا في سوريا، ومن ثم نسيطر على الشرق الأوسط عبر سوريا”.
بينما سبق أن قال الأسد “أنا راضٍ أن أكون الولاية التركية رقم 82، لكن طلبي الوحيد هو عدم تدمير العلاقات مع إيران”. بيد أن السياسة التي تنتَهِجها تركيا كانت ترمي لفصل سوريا عن إيران، وتقريبها من الغرب، والسيطرة على العالم العربي من خلالها. أحسَّت سوريا بهذا المخطط، وقد قرأت وزارة خارجيتنا ما سيعقب ذلك كالتالي: “إيران والعراق ولبنان يقفون إلى جانب سوريا. فإذا تدخلنا عسكريًا في سوريا سنكون مضطرين لدخول حرب ضد هذه الدول الثلاثة في اللحظة نفسها. لكن ليس لدينا القدرة الكافية لذلك، كما لا نقدر على سوريا”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]هذا التنظيم يضع نصب عينيه السيطرة على بلاد الشام، أي سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والعراق. والآن تُؤسّس دولة بدعم سلفي – وهابي – سعودي في جنوب تركيا. استولوا على الموصل، ويتقدمون بسرعة كبيرة. وأما تركيا فهي في وضع بائس ودون حيلة.[/box][/one_third]
س: مَنْ أدخل تنظيم القاعدة إلى المنطقة؟
ج: قناعتي الشخصية تقول إنه ليس هناك دول مباشرة وراء تنظيم القاعدة. لكن هناك الأمراء من أغنياء النفط. ويُعتبر تنظيم القاعدة واحدًا من أقوى التنظيمات التي جاءت على مر التاريخ. وقد أُسس وفق عقيدة ورؤية معينة، وهي “تنظيم بلا منظمة”. وليس من السهل حل طلاسمه والسيطرة عليه. مَنْ أسّس التنظيم هم أناس تلقوا تعليمًا جيدًا، منهم المهندس والمحامي ومستخدم وسائل التكنولوجيا جيدًا وحامل الماجستير. انخرط معظم هؤلاء في السياسة بصفتهم قوميين عرب أو ماركسيين. وهذا التنظيم يخدم – في النهاية – الاستراتيجية السعودية في المنطقة.
س: ما هدف داعش؟
ج: هذا التنظيم يضع نصب عينيه السيطرة على بلاد الشام، أي سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والعراق. والآن تُؤسّس دولة بدعم سلفي – وهابي – سعودي في جنوب تركيا. استولوا على الموصل، ويتقدمون بسرعة كبيرة. وأما تركيا فهي في وضع بائس ودون حيلة.
س: هلا أوضحت لنا عملية التحقيق في قضية الفساد والرشوة الأخيرة في تركيا؟ ماذا خلف الكواليس؟
الدولة في تركيا الآن تستعيد صورتها القديمة بواسطة حزب العدالة والتنمية، وقالت “لنبدأ من أقوى العناصر الموجودة في البلاد”.
س: أي حركة الخدمة؟
ج: بالضبط، ذلك أن جماعة الخدمة قوية للغاية، ولديها رؤية عالمية، وتعرف معظم اللغات المتحدَّث بها في العالم، وتمتلك تقاليدَ وأعرافاً دولية، وتحظى بدعم اجتماعي، وهي تخاطب الطبقة الوسطى. ولهذا، فلا يمكنك قمعها إذا طالبت بعملية تحويل ديمقراطي. وهي كذلك لا تتغذى بمصادر من الدولة.
وبالمناسبة، فإن حزب العدالة والتنمية تلطَّخت يداه بالفساد. لذلك فلما دخل الفريق الاتحادي (إشارة إلى جمعية الاتحاد والترقي) إلى وزارة الخارجية وإلى الغرفة السرية لحزب العدالة والتنمية عام 2011، تمكّن من إقناع أردوغان بالفكرة التالية، حيث كانت المعادلة في السابق: السلطة = حزب الشعب الجمهوري + الجيش. أما اليوم فسنغيّر المعادلة ونستبدل حزب الشعب الجمهوري بحزب العدالة والتنمية، ولكن عليك ( أردوغان) أن تتصالح مع الدولة العميقة.
س: إذا كان الأمر كذلك، فإن هذا يعني أن ما تغير هو صاحب نظام الوصاية فقط..
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]سيحين الدور كذلك على بقية الجماعات، لأن هذا هو مشروع الدولة وهذه العملية تدخل ضمن خطتها. سيستخدمون حزب العدالة والتنمية في تحقيق هذه الغاية، ثم سيتخلصون منه أيضاً! وكما سجنوا مَنْ أحدَث انقلاب 28 فبراير/شباط، سيفعلون الأمر ذاته مع حزب أردوغان.[/box][/one_third]ج: نعم بالضبط، لقد نجحوا أيّما نجاح في إقناع حزب العدالة والتنمية بأن “هناك جيشاً تركياً قوامه مليون فرد، وهناك تركيا كبيرة، سنوقّع اتفاقية سلام مع الأكراد، وسنكون قوة في الشرق الأوسط، إياك أن تثق بشركائك، فهم سيخدعونك .ثم بدأت بعد ذلك عملية التصفية ضد حركة الخدمة.
وفي هذه الأيام، أتى الدور على الجماعات الإسلامية الأخرى، حيث ينفّذون عملية التصفية ذاتها ضد جماعات رسائل النور، وبدأوا إغلاق السَّكنات الطلابية لجماعة سليمان، كما أنهم يهدّدون جماعة محمود أفندي.
وسيحين الدور كذلك على بقية الجماعات، لأن هذا هو مشروع الدولة وهذه العملية تدخل ضمن خطتها. سيستخدمون حزب العدالة والتنمية في تحقيق هذه الغاية، ثم سيتخلصون منه أيضاً! وكما سجنوا مَنْ أحدَث انقلاب 28 فبراير/شباط، سيفعلون الأمر ذاته مع حزب أردوغان. فهذه الدولة روحٌ تنتقل من جسد إلى جسد. وهي الآن تعيش في جسد حزب العدالة والتنمية.
إن معركة “جاناق قلعة” هي أهم الأسباب التي أفضت إلى تأسيس الجمهورية التركية على هذه الطريقة والنمط من قبل مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه. وتوفي في هذه المعركة 50 ألف مقاتل إسلامي. ولقد ترك هؤلاء الإسلاميون كتبهم في المدارس، وذهبوا ليستشهدوا على الجبهة. فانتهى المخزون من هذا النوع من الناس! وحزب العدالة والتنمية هو من أكبر الكوارث التي حلّت بنا منذ معركة “جاناق قلعة”! ذلك لأنه حوّل جميع العلماء والمثقفين إلى أتباع للدولة! فقد أفرغوا الدين من محتواه، وظهرت على الساحة زمرة من الأغنياء الذين هرَبوا إلى منازلهم الفاخرة من أجل الاستهلاك والتفاخر والتسابق، ونسوا تاريخهم وماضيهم.