بقلم: علي يورطاجول
أدّى حصول الأحزاب اليمينية المتطرّفة على نسبَة ناهزت 30% في انتخابات البرلمان الأوروبي إلى ظهورِ تعليقات وتحليلات متباينة في تركيا، وطرْحِ سؤال حول مدى واقعية منظور عضوية تركيا بالاتحاد الأوروبي، خاصة إذا علمنا أن المفاوضات الجارية في هذا الصدد يمكن وصفها بـ”مفاوضات إلى ما لا نهاية وإلى ما لا نتيجة”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إنَّ الأجواء في أوروبا سيئة للغاية. وفي هذه الأيام التي بدأت فيها الأزمة الاقتصادية المستمرة تتحول إلى أزمة سياسية، وتزايَدت التساؤلات حول الاتحاد الأوروبي وعُملته المشتركة اليورو، وارتفعَ نُفوذ الأحزاب اليمينيَّة المتطرِّفة؛ فإن مناقشة مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي تشبه إلى حد كبير تقديمَ الآيس كريم في الشتاء القارس.[/box][/one_third]وفي الحقيقة، ليس هذا هو السؤال الذي ينبغي طرحه. ذلك أنه لا يناقش أحد اليوم مسألة انضمام تركيا للنّادي الأوروبي بشكل جاد. فهناك 14 فصلًا فقط فُتحت منذ بدء المفاوضات بين أنقرة وبروكسل، فيما لا يزال 17 فصلًا آخر ممنوعة من الفتح والمناقشة. كما أن القضية القبرصية لم يتمّ التوصُّل إلى حلّ حتى اللحظة. وتركيا لا تستطيع حتى فتح فصول، هناك إمكانية في فتحها، مثل فصل “التوظيف والسياسات الاجتماعية”. وباختصار، فإن تركيا بعيدة كل البعد عن الوفاء حتى بشروط التفاوض فضلًا عن منظور العضوية الكاملة.
إنَّ الأجواء في أوروبا سيئة للغاية. وفي هذه الأيام التي بدأت فيها الأزمة الاقتصادية المستمرة تتحول إلى أزمة سياسية، وتزايَدت التساؤلات حول الاتحاد الأوروبي وعُملته المشتركة اليورو، وارتفعَ نُفوذ الأحزاب اليمينيَّة المتطرِّفة؛ فإن مناقشة مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي تشبه إلى حد كبير تقديمَ الآيس كريم في الشتاء القارس. ولهذا السبب فإن السؤال الصحيح هنا هو “هل تستطيع تركيا أو تريد الحصول على العضوية إذا ما أُتيحت الظروف المواتية؟”. وسيكون في محله إذا ناقشنا هذا الموضوع في إطار المعلومات الأساسية للعضوية وقرارات الاتحاد الأوروبي.
إن التشخيص الأول هو أن قضية عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي بشكل مستقِل عن المناخ السياسي السائد في أوروبا كانت دائمًا سؤالًا صعبًا. فتركيا ليست بالدولة الهيِّنة، ليس فقط لتعداد سكانها البالغ 76 مليون نسمة وتاريخِها وموقعها الجغرافي ومساحتِها، ولكن في الوقت نفسه لثقافَتها الاجتماعيَّة والسياسيَّة. ولأن منح تركيا عضوية الاتحاد الأوروبي يعتبر قضية لها أبعاد ستُؤدّي إلى تغيير التوازنات الداخلية للاتحاد وستؤثر على هُويَّته، فمِن الطبيعي أن تكون لدى الدول الأعضاء هُناك حجة استقطاب سياسي. وبالرغم من كل هذه الحقائق، فإن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كانت قد أقرّت بمبدأ بدء المفاوضات مع أنقرة بالإجماع في ثلاثِ مناسبات، في ديسمبر/كانون الأول 1999 وديسمبر/ كانون الأول 2004 وأكتوبر/ تشرين الأول 2005. كما وافق البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة على هذه القرارات. وإنَّ هذه الحقائق تُبرهن على أن مسألة العضويَّة ستَلقى قبولاً إذا ما جرت مناقشتُها بشكل جدّيّ وفي التوقيت المناسب.
إن من ينظُر عن كثَب إلى عملية توسع الاتحاد الأوروبي يرَ أن قراراته لم تُحسَم في إطار التخطيط والبرامج، بل في ظِل التطوّرات السياسية التي تصِل إلى أبعاد دراماتيكيَّة وإملاءات المصالح السياسية والاقتصادية. ولقد دَخلت مسألة انفتاح الاتحاد الأوروبي على منطقة البحر المتوسط، التي شملت إسبانيا واليونان والبرتغال، حيِّز التفعيل بهدف تحقيق الاستِقرار إلى حد ما، عقب سقوط الأنظمة الفاشية الديكتاتورية في هذه البلدان. وحدَث الزِّلزال الكبير الثاني بانهيار الاتحاد السُّوفيتي، حيث فتح حينها الاتحاد الأوروبي أبوابه للدول الإسكندنافية فورًا، ثم لاثني عشَر بلدًا في أوروبا الشرقية بعد عملية إعداد قصيرة. وإنَّ هذا المنطق السياسي ينسحب كذلك على تعامل الاتحاد مع دول البلقان وتركيا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن هناك أوساطاً فاعلة في أعماق أنقرة لا تحبِّذ انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي؛ لأنها تخشى، حين تتحوّل تركيا إلى دولة معاصِرة يسود فيها القانون، من ضياع “الدولة” التي تملكها والتي تُشكّل مصدر سلطتها وقوتها وثروتها. وعلى الرغم من أن هذه الأوساط على دراية بالأهمية الاقتصادية للاتحاد، إلا أنها تنظر بعين الريبة لمفاوضات عضوية الاتحاد الأوروبي للسبب المذكور.[/box][/one_third]لا شكّ في أن تركيا تُعد دولةً ذات أهمية كبيرة لا يمكن إهمالها بالنسبة لأوروبا، لا سيما من الناحية الاقتصادية، ولا أحد في أوروبا ينكر هذه الحقيقة. فالقضية الجوهرية هي تجاوزُ تركيا العتبة وجلوسُها على طاولة البحث والنِّقاش للانضمام من عدمه. إذ تقول بعض الأوساط اليمينية واليسارية في أوروبا “لتكن تركيا تحت رقابة وسيطرة الاتحاد الأوروبي دون أن يكون لها تأثير فيه”. أي إنهم يرغبون أن تبقى تركيا على عتبة الاتحاد بدلَ جلوسها على طاولة اتخاذ القرارات على قدم المساواة مع الدول الأعضاء.
إن هناك أوساطاً فاعلة في أعماق أنقرة لا تحبِّذ انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي؛ لأنها تخشى حين تتحوّل تركيا إلى دولة معاصِرة يسود فيها القانون من ضياع “الدولة” التي تملكها والتي تُشكّل مصدر سلطتها وقوتها وثروتها. وعلى الرغم من أن هذه الأوساط على دراية بالأهمية الاقتصادية للاتحاد، إلا أنها تنظر بعين الريبة لمفاوضات عضوية الاتحاد الأوروبي للسبب المذكور. ولهذا فهي لا تنزَعج من بقاء تركيا على عتبة الاتحاد؛ ذلك لأن رقابة القضاء والبرلمان وديوان المحاسبات على الدولة هي معيار عضوية الاتحاد، وليس معيار الدول الواقفة على عتبته! وماذا كنتم تظنّون سبب عدمِ فتْحِ فصل السياسات الاجتماعية والأمن الوظيفي في المفاوضات؟
خلاصة القول: إن عضوية تركيا ستُطرح للنقاش في فترة يسود فيها مناخ سياسي استثنائي، بالرغم من المقاومة المستمرة في أوروبا وأنقرة على حد سواء، ولن يحدث هذا اليوم. إذن فهل تركيا مستعدة لمثل هذا التطوّر وطرح الموضوع للنقاش حقاً؟ أي أن تكون دولة تأخذ المفاوضات على محمل الجد، وتحترم حقوق الإنسان الأساسية، ولا تصنَّف مع روسيا أو إيران في التصنيف ذاته في مجال حرية الإعلام، وتَعتبر الفساد جريمة يعاقِب عليها القانون، بمعنى أن تنجح في التغلّب على “أنقرة”. فما رأيكم؟ هل تقدم تركيا مثل هذه الصورة أو تسير في هذا الاتجاه؟!
ــــــــــــــــــــــــ
جريدة زمان التركية