تعتبر منطقة بلاد الرافدين من أقدم المناطق التي سكنها البشر. وقد شهدت على مر التاريخ أشد الصراعات وأعتاها بين الحضارات والأديان والأعراق والقوى السياسية العالمية والإقليمية والمحلية.
والوضع اليوم لا يختلف كثيرًا عن الأمس، فالمنطقة تعيش تطورات سريعة ومفاجئة، يصعب على متابعيها من الخبراء والمحليين فهمها، ناهيك عن الأشخاص العاديين.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كان من الملفت للانتباه التحدث عن الوضع الديمقراطي المتراجع إلى الوراء، ومفاوضات السلام في ولايتي “ديار بكر” و”ماردين” التركيتين، في ظل أجواء تسيطر عليها الآراء المعترضة على إنشاء المخافر، وما بدأه حزب العمال الكردستاني من إجراءات كرد فعل على هذا،مثل عمليات قطع الطرق، والأحداث العصيبة التي شهدتها مقاطعة “ليجة” في ديار بكر، والتوتر الحاصل جراء واقعة إنزال العلم التركي…[/box][/one_third]لقد أصيب العالم أجمع بحالة من الدهشة وهو يشاهد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، أحد التنظيمات الراديكالية التي أفرزتها النزاعات الداخلية الدامية في سوريا والعراق، يسيطر على مدينة الموصل العراقية بين ليلة وضحاها، ثم يحتجز العاملين في القنصلية التركية بالمدينة كرهائن، وينجح في السيطرة على عدد من المدن العراقية الأخرى بسرعة البرق، ليتقدم بعد ذلك صوب العاصمة بغداد. ولقد خرجت سوريا والعراق، اللتان يهمُّ تركيا مستقبلهما، عن كونهما بلدين نعرف عنهما كل شيء. فاليوم نرى أن الحدود المصطنعة التي خطها الإنجليز والفرنسيين عقب الحرب العالمية الأولى تفقد معناها بسرعة.
وفي الوقت الذي أُلغيت فيه الحدود فعليًا بين منطقة جنوب العراق، ذات النفوذ الشيعي، وإيران، نجد أن اندماج الأكراد وأهل السنة يأخذ مكان الحدود الرسمية بين سوريا والعراق.
والوضع ذاته واقع إذا ما تحدثنا عن حدود تركيا مع كلا البلدين. ومن هذا المنطلق، فإن مستقبل كردستان العراق ومنطقة “روج آفا” الكردية، التي نجحت في انتزاع حكمٍ ذاتيٍ فعليٍ شمالي سوريا، يحمل أهمية قصوى كذلك بالنسبة لمفاوضات السلام التي تجريها السلطات التركية مع قادة حزب العمال الكردستاني.
وكان من الملفت للانتباه التحدث عن الوضع الديمقراطي المتراجع إلى الوراء، ومفاوضات السلام في ولايتي “ديار بكر” و”ماردين” التركيتين، في ظل أجواء تسيطر عليها الآراء المعترضة على إنشاء المخافر، وما بدأه حزب العمال الكردستاني من إجراءات كرد فعل على هذا، مثل عمليات قطع الطرق، والأحداث العصيبة التي شهدتها مقاطعة “ليجة” في ديار بكر، والتوتر الحاصل جراء واقعة إنزال العلم التركي، والتظاهرة التي أطلقتها بعض الأمهات الراغبات في استرجاع أبنائهن من مقاتلي حزب العمال الكردستاني بالجبال، وحركة الاتصالات الجديدة الخاصة بمفاوضات السلام، والاضطرابات الكبيرة التي يعيشها الجانب الآخر من الحدود التركية.
وفي إطار اجتماع عقدته ممثلية الاتحاد الأوروبي في أنقرة مع عدد من الصحفيين الأتراك والأوروبيين، عُقد لقاء مع أسماء مثل “جولتان قيشاناق” رئيسة بلدية ديار بكر، و”أحمد تُرك” رئيس بلدية ماردين، وسنحت الفرصة للاطلاع على نظرة حزب السلام والديمقراطية لوتيرة الأحداث، وكذلك وجهة نظرهما إزاء تطورات الأحداث ذات الصلة بتنظيم داعش.
وقد استقبل رئيس بلدية ماردين “أحمد تُرك” برفقة الرئيسة المشاركة السريانية الأصل “فبرونية آقيول” الوفدَ الذي ضم سفير الاتحاد الأوروبي الجديد في أنقرة “ستيفانو مانسرفيسي” ومجموعة من الصحفيين. وقال تُرك، في بداية حديثه، إنهم عازمون على إدارة ماردين متعددة الثقافات بمفهوم يسع مشاركة كافة أفراد الشعب. وانتقد تُرك عدم تحويل ممتلكات الولاية إلى إدارتها بالرغم من توليهم مسؤوليات الإدارة الخاصة بصفتها بلدية كبرى، مضيفًا أن البلدية الكبرى تلقّت قطعة أرض واحدة من أصل 2618 قطعة أرض مملوكة للإدارة الخاصة. وأشار إلى أن قطعة الأرض هذه هي منطقة القبور. وكان من المحير أن يوجه تُرك العديد من الانتقادات اللاذعة إلى حزب العدالة والتنمية بالرغم من اشتراكه مع حزب العدالة في مفاوضات السلام الجارية مع قادة حزب العمال الكردستاني، ويعتقد تُرك أن المفاوضات لا تجري مع الأكراد بشكل سويّ، وتعتبر من إحدى آرائه الحادة هي: ادعاؤه أن السلام لن يتحقق ما دام زعيم حزب العمال الكردستاني “عبد الله أوجلان” قابع في السجن.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] لقد راجعت الحكومة التركية سياستها تلك قبل فترة، وإن كانت تأخرت في ذلك، لكن يبدو أن نتائج السياسة المتبعة في سوريا ستظهر أمامنا في العديد من القضايا مثل اقتران اسم تركيا على الساحة الدولية بالجماعات الإرهابية، ومزيد من تهميش العلويين الذين ينظرون للنصيريين في سوريا بعين التعاطف.[/box][/one_third]ويرى السياسي الكردي أن سبب رفع اتحاد الجماعات الكردية (KCK) وتيرة التوتر في المنطقة مؤخرًا هو دعوة الحكومة التركية لاتخاذ خطوات جادة في إطار المفاوضات، وليس عرقلة عملية السلام. وأضاف أن ثقة الشعب في الحكومة بخصوص المفاوضات قد تزعزعت، مشيرًا إلى أن علاقة حزب العدالة والتنمية بالجماعة، التي أطلق عليها لقب “عصابة داعش”، لعبت دورًا مهمًا في هذه الوتيرة.
ويوضح تُرك، في إطار ادعاءات صادمة، الدعم الممنوح لتنظيم داعش الذي يحارب الأكراد في سوريا، فيقول: “إن الشعب الكردي رأى بأم عينه كيف عبرت عناصر داعش المسلحة من الحدود عبر بلدات نيزيب وجيلان بينار وآقجة قلعة الواقعة على الجانب التركي من الحدود السورية. كما انقلبت سيارة في جيلان بينار، وخرج منها أربعة من العرب يرتدون اللباس العسكري التركي. وهناك صور توضح أن رئيس بلدية جيلان بينار المنتخب عن حزب العدالة والتنمية يتجول في السوق بصحبة عناصر داعش؟! فهُم قدموا الدعم لداعش علانية في مواجهة الأكراد، فكيف لهم أن يتحدثوا عن عملية السلام من جهة، ويدعموا تنظيمًا معاديًا للأكراد من جهة أخرى؟ فالمساعدات الإنسانية التي تتحكم فيها الحكومة التركية لم تذهب للمناطق الكردية التي أدهشت المؤسسات الحكومية بانتقاداتها، على الرغم من كون الأكراد شركاء حزب العدالة والتنمية في مفاوضات السلام. هذا في حين قُدمت جميع الخدمات الصحية لعناصر داعش في تركيا”.
لقد راجعت الحكومة التركية سياستها تلك قبل فترة، وإن كانت تأخرت في ذلك، لكن يبدو أن نتائج السياسة المتبعة في سوريا ستظهر أمامنا في العديد من القضايا مثل اقتران اسم تركيا على الساحة الدولية بالجماعات الإرهابية، ومزيد من تهميش العلويين الذين ينظرون للنصيريين في سوريا بعين التعاطف.
ــــــــــــ
بقلم عبدالحميد بيليجي