تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (الزمان التركية) – رغم مرور عام كامل على أحداث الانقلاب الفاشل التي شهدتها تركيا في 15 يوليو/ تموز 2016، إلا أن العديد من جوانبها لا تزال مظلمة مجهولة، وتتكشف كل يوم حقائق جديدة تزيل الستار عن ملابسات هذا الانقلاب الغاشم، سواء كان من خلال تصريحات المتهمين بالانقلاب أثناء محاكماتهم أو تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه أثناء إلقائه خطابات حماسية على أنصاره.
لقد اعتمد زعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري في وصفه أحداث 15 تموز بـ”الانقلاب تحت السيطرة” على “عجز” السلطات من منع وقوع الانقلاب بالرغم من علم جهاز الاستخبارات الوطنية بالاستعداد للانقلاب في الساعة 14:30، وإخباره رئاسة هيئة الأركان العامة في 16:16 من يوم الانقلاب، الأمر الذي جعله هدفًا للرئيس أردوغان.
وها نحن باعتبارنا موقع “الزمان التركية” الناطقة بالعربية، نقدم لكم قصة الانقلاب الفاشل على لسان أردوغان، ثم نترك القرار إليكم لتصِفوه بأي وصف أردتم، في ضوء هذه المعلومات، أهو انقلاب عسكري حقيقي استهدفه أم هو انقلاب خَطّط له بالفشل وحقّق أهدافه منه بفضل حالة الطوارئ التي أعلنها بحجة هذه المحاولة الغادرة؟!
فقد قال أردوغان في البداية إنه علم بخبر الانقلاب من صهره وزير الطاقة برات ألبايراق في الساعة 16:30 من عصر يوم الانقلاب، ثم ناقض نفسه في تصريحات لاحقة زعم فيها أنه حصل على خبر تحرك مريب في صفوف الجيش في الساعة 21:30 من ليلة الانقلاب، وبحلول الساعة 22:00 حصل على معلومات مؤكدة من رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان.
وإذا كانت هذه المعلومات صحيحة، فإن سؤال “طالما أن أردوغان حصل على معلومات مؤكدة عن تحرك مريب في الجيش في الساعة العاشرة من ليلة الانقلاب، أي في وقت لم يكن أغلق فيه جسر البسفور من قبل الجنود، ولم تبدأ الطائرات الحربية في التحليق في أجواء العاصمة أنقرة… فلماذا إذًا انتظر حتى الساعة 00:24 ليظهر على الشاشة التلفزيونية ويعلن عن وجود محاولة انقلاب ضده؟” يحتاج إلى جواب مقنع، حيث إن سكوت حوالي ساعتين، وعدم تنبيهه قوات الأمن والشعب فتح الأبواب على مصاريعها أمام دفع العسكريين للخروج من ثكناتهم، ومن ثم حدوث مواجهات بينهم وبين المواطنين!
وبحسب سجلات النيابة العامة، فإن أول رسالة تنبيه واستعداد للوحدات العسكرية من أجل الانقلاب، أُرسلت من مقر قيادة الأركان العامة في الساعة 21:37 من ليلة الانقلاب، وفي الساعة 22:00 أغلق الجنود جسري البسفور والسلطان محمد الفاتح المعلقين، وبدأت الطائرات الحربية في التحليق بسماء أنقرة في الساعة 22:08. وفي الساعة 22:21 أرسل من قيادة الأركان العامة لجميع الوزارات تعليمات بفرض “الأحكام العرفية”.
لقد تضاربت كل التصريحات التي أدلى بها أردوغان حتى اليوم حول موعد علمه بالانقلاب؛ إذ كان قال فور وصوله مطار أتاتورك من فندقه بمدينة مرمريس ليلة الانقلاب: “أصدقائي الأعزاء، كما تعرفون، كان هناك تحرك في صفوف الجيش بعد الظهيرة”، الأمر الذي فسره الرأي العام بأن أردوغان علم بالانقلاب بعد ظهر يوم الانقلاب.
لكن في 18 يوليو/ تموز 2016، قال أردوغان في تصريحاته لقناة “CNN International”: “في تلك الليلة وصل إليّ الخبر حوالي الساعة 20:00 تقريبًا، وعلمت بوجود تحركات وتطورات في بعض المناطق، وعندها اتخذنا نحن أيضًا قرارًا بالتحرك والمبادرة”.
غير أن هذا التوقيت غيَّره أردوغان أيضًا وبعد ثلاثة أيام فقط، إذ قال خلال حوار صحفي مع وكالة رويترز في 21 يوليو/ تموز 2016 إنه تلقى اتصالاً هاتفيًّا من صهره وزير الطاقة ألبايراق حوالي الساعة 4 أو الرابعة والنصف، أخبره فيه بوجود تحركات عسكرية في منطقة “بيلر بكي” وإغلاق مداخل الجسرين المعلقين.
لم يكن ذلك رأي أردوغان الأخير حول توقيت علمه ببدء أحداث الانقلاب، إذ خرج أردوغان في 30 يوليو/ تموز 2016 على قناة “A Haber” التابعة لأحد أفراد عائلته وزعم أن الساعات والتوقيتات تشابهت عليه، وادعى هذه المرة أن صهره اتصل به حوالي الساعة 21:30 من ليلة الانقلاب.
وإذا ألقينا نظرة على تلك التصريحات، نجد أن أردوغان حصل على معلومات أولية عن الانقلاب في الساعة 21:30 ليلة الانقلاب من صهره، ثم حصل على معلومات مؤكدة عن الانقلاب من رئيس جهاز الاستخبارات بحلول الساعة 22:00.
ولكن أردوغان انتظر حتى الساعة 00:00 (والفارق ساعتان) ليعلن للرأي العام وجود محاولة للانقلاب ضده، وأدلى بتصريحاته الأولى في هذا الصدد في الساعة 00:04 من منتصف الليلة لمراسلي وممثلي وكالة الأخبار بفندقه في بلدة مرمريس السياحية التابعة لمدينة موغلا، غير أن هذه التصريحات لم تنشر على القنوات.
وأخيرًا، أي بعد ساعتين ونصف من علمه “المؤكد” بالتحرك العسكري في صفوف القوات المسلحة، قام أردوغان بإجراء مداخلته الشهيرة مع قناة سي أن أن ترك “CNN TÜRK” عبر تطبيق فيس تايام “FaceTime” في الساعة 00:24، وأعلن للرأي العام وجود محاولة للانقلاب على الحكوكة، ودعا الشعب للنزول إلى الشوارع.
انطلق مجموعة صغيرة من الجنود لإحداث انقلاب في تركيا، معظمهم كانوا من طلاب الأكاديمات العسكرية الذين يستخدمون رصاصات مطاطية بدلاً من الحقيقية وفق الأعراف، فقاموا أولاً بإغلاق الجسرين المعلقين في إسطنبول على حركة المرور. ثم ظهرت في الطرقات والشوارع عديد من الدبابات التي كانت محشوة بالقنابل المطاطية بدلاً من الحقيقية أيضًا، باعتراف صحيفة “يني عقد” الإسلامجية الخاضعة لأردوغان. وبعد ذلك توجه بعضهم إلى قصف مبنى البرلمان في خطوة مثيرة للشبهة لم تحدث في تاريخ الجيش التركي المعروف باحترافه في الانقلابات، وسقط حطام المبنى من الزجاج والخشب والخرسانة على جهته الخارجية بدلاً من الجهة الداخلية، مع أن القنبلة تأتي من الجهة الجانبية لمبنى البرلمان، بشكل مخالف لقوانين الفيزياء، وراحت طائرات حربية لضرب وقصف قصر أردوغان، لكنها عجزت عن ذلك ولم تصب إلا حديقة القصر فقط،م ع أن مساحته تبلغ 450 ألف متر مربع، وعلى الرغم من أنها متقدمة تقنيًّا وتحمل صواريخ ذات قنابل موجهة بالليزر.
هناك عجائب وغرائب عديدة حدثت ليلة الانقلاب لا يمكن أن يحصرها حجم هذا التقرير، تقودنا إلى أن أردوغان كان مَنْ أدار الانقلاب الفاشل بـ”ريموت كنترول”، واستخدم الجنود السذج الذين لم يكونوا يعلمون أنهم في مهمة الانقلاب من جانب؛ والمواطنين المدنيين الذين شحنهم بالكراهية والعداء من جانب آخر، ونظم مواجهة بين الطرفين لتضخيم رد الفعل أسفرت عن استشهاد 250 شخصًا، من أجل الحصول على الذريعة اللازمة لتنفيذ خطته في إعادة تصميم كل أجهزة الدولة وفق أهدافه.
وعلى ضوء المعلومات المقدمة أعلاه وفي ظل كشف المخابرات الغربية، وبوجه أخص المخابرات البريطانية، عن تخطيط أردوغان لإلصاق هذه المحاولة الانقلابية الغاشمة بحركة الخدمة من أجل اختلاق ذريعة وإطلاق حملة تصفية موسعة ضد المتعاطفين معها في أجهزة الدولة، من الممكن أن نخلص إلى أن “أردوغان وأتباعه قاموا بهذه التمثيلية الانقلابية بغية إحكام قبضتهم على المؤسسة العسكرية ووضعها تحت وصايتهم، وحتى يتسنّى لهم إقصاء المعارضين لهم في داخل السلك العسكري.
خلاصة القول: مثلما أن أردوغان أحدث “انقلاباً مضاداً” في اليوم التالي من بدء تحقيقات الفساد والرشوة في 2013، بادر إلى نسف جهازي الأمن والقضاء من ألفه إلى ياءه، بحجة تطهيرهما من أعضاء “الكيان الموازي”، ثم أنشأ بدلاً منهما جهازي أمنٍ وقضاءٍ “موازيين” تابعين له تماماً، وذلك من أجل التستّر على جريمة “الفساد والرشوة”، كذلك أقدم على “انقلاب مضاد” في صبيحة ليلة الانقلاب “المفبرك” في 2016 بمهارة عناصر شركة “صدات”الأمنية ومجموعات شبهة عسكرية تابعة له، أطاح بكل القادة العسكريين وأعضاء القضاء الأعلى، سواء شاركوا في الأحداث أم لم يشاركوا، بذريعة تنقية الجيش من عناصر “الكيان الموازي” أيضاً، ثم راح يعيّن مكانهم أتباعه المبايعين له وحلفاءه من القادة المدانين سابقاً في قضايا انقلابية مثل قضيتي شبكة وعصابة أرجينيكون والمطرقة.