بقلم/منى سليمان
أستيقظت منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من أزمات متعددة ومتصاعدة فجر يوم 5 يونيو 2017 على أزمة جديدة لا يعلم مداها أحد، حيث قررت أربع دول عربية (البحرين، المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية، جمهورية مصر العربية) قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وسحب السفراء منها وغلق المجال الجوي والبري والبحري معها، وعلى الرغم من توقع قرار خليجي-عربي ضد قطر بعد تصاعد الأزمة مؤخرًا بين الطرفين، إلا أن القرار كان مفاجئًا في حدته وسرعة تطبيقه وجماعية اتخاذه ومازال عدد الدول التي تنضم للمقاطعة يتزايد يوميًا، وأجمعت الدول الأربع في بياناتها على أسباب القرار التي تلخصت في ضرورة اتخاذ موقف حاسم من دعم قطر للجماعات الإرهابية “كداعش ، الإخوان المسلمين”، ووقف التدخلات القطرية في الشأن الداخلي الخليجي والعربي، كما عبرت عن أسفها لاتخاذ تلك القرارات واحترامها وتقديرها للشعب القطري، لما يربطها معه من أواصر القربى والنسب والتاريخ والدين. وتعد هذه الأزمة الأعنف في تاريخ دول مجلس التعاون الخليجي وربما ستصل لحد خروج قطر من المجلس أو إقصاء الأسرة الحاكمة بالدوحة التي تسببت سياساتها في أزمات متتالية في العلاقات الخارجية لقطر مع الدول الخليجية والعربية. ومازالت الدوافع الخفية لقرار المقاطعة تتكشف يومًا بعد يوم، ومن المؤكد أن تداعيات تلك المقاطعة ستحدد الكثير من مستقبل دولة قطر وستشكل طبيعة العلاقات العربية العربية خلال المرحلة القادمة، ويمكن إيضاح ذلك فيما يلي:
أولا: قرار خليجي عربي بمقاطعة قطر .. الأسباب والنتائج:
- الأسباب المعلنة للقرار:
بلغ عدد الدول التي انضمت لقرار مقاطعة قطر حتى الآن 9 دول هي (السعودية، مصر، الحكومة الليبية المؤقتة، البحرين، الإمارات، جزر المالديف، موريتانيا، جزر موريشيوس، جيبوتي) وقد قامت كل من الأردن والمغرب بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع الدوحة، والعدد مرشح للارتفاع مع مرور الوقت، حيث كشفت مصادر خليجية عن قرب انضمام الكويت للدول المقاطعة لقطر، حال استمرار تعنت موقف الأمير القطرى “تميم بن حمد” ورفضه للوساطة الكويتية لحل الأزمة، وقد أصدرت كل دولة بيانًا رسميًا مفصلًا يوضح أسباب المقاطعة التي شملت:
*القاهرة: في بيانها الرسمي أكدت أن المقاطعة جاءت “بعد الإصرار القطري على اتخاذ مسلك معاد لمصر، وفشل كافة المحاولات لإثنائه عن دعم التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم الاخوان الارهابي، وإيواء قياداته الصادر بحقهم أحكام قضائية في عمليات إرهابية استهدفت أمن وسلامة مصر، فضلا عن إصرار قطر على التدخل في الشئون الداخلية لمصر ودول المنطقة بصورة تهدد الأمن القومي العربي”. وليس خفيا العداء القطري الواضح للنظام السياسي المصري منذ ثورة 30 يونيو 2013، ودعمها المعلن للتنظيمات الإرهابية التي تسعى للإضرار بالأمن المصري. تلك التنظيمات التي تتخذ من ليبيا قاعدة للانطلاق وتنفيذ عمليات ارهابية بمصر مثل حادث “المنيا” الأخير.
*الرياض: في بيانها الرسمي أكدت ان المقاطعة جاءت “لحماية أمنها الوطني من مخاطر الإرهاب والتطرف، ولأسباب تتعلق بالأمن الوطني السعودي”. وهي الأسباب التي لم يكشف عنها البيان الرسمي بيد ان مصادر خليجية قد اكدت وجود دعم وتمويل قطري للعناصر الشيعية المتطرفة في محافظة القطيف السعودية بغية الاضرار بالامن القومي السعودي عبر إحداث اضطرابات داخلية، كما رصدت الرياض تحركا عسكريا قطريا على حدودها البرية وهو ما عجل باتخاذ قرار المقاطعة.
*أبو ظبي: المقاطعة جاءت “لاستمرار الدوحة في التلاعب والتهرب من الالتزامات والاتفاقيات خاصة اتفاق الرياض لإعادة السفراء والاتفاق التكميلي له 2014 ، ونقضها البيان الصادر عن القمة العربية الإسلامية الأميركية بالرياض تاريخ 21 – 5 – 2017 لمكافحة الإرهاب الذي اعتبر إيران الدولة الراعية للإرهاب في المنطقة”.
*المنامة: جاءت “بسبب إصرارها على التدخل في شؤونها والاستمرار في التصعيد والتحريض الإعلامي، ودعم الأنشطة الإرهابية المسلحة، وتمويل الجماعات المرتبطة بإيران للقيام بالتخريب ونشر الفوضى في البحرين”.
ومن جهتها نفت قطر كل الاتهامات المنسوبة لها من قبل الدول المقاطعة بدعم الجماعات الإرهابية، ووصفتها بأنها “إجراءات غير مبررة وتقوم على مزاعم وادعاءات لا أساس لها من الصحة. ولن تؤثر على سير الحياة الطبيعية للمواطنين والمقيمين، وأنها افتراءات وصلت حد الفبركة الكاملة”. وهذا البيان يتنافي مع الوثائق والبيانات الرسمية الصادرة من الدول المقاطعة وتثبت التدخل القطري في شأنها الداخلي، ودعمها للجماعات الإرهابية.
2- الدوافع الخفية للأزمة:
إعلان قرار المقاطعة لقطر جاء فجر يوم الخامس من يونيو وهذا التوقيت هو لغز في حد ذاته، ودليل علي أن تلك الدول لم تجد بدا من إعلان القرار في ذلك التوقيت لكي تستبق خطوات قطرية كانت تهدف للإضرار بالمنامة والرياض بعد الكشف عن تحركات عسكرية قطرية على الحدود السعودية البرية معها وكذلك بعد الكشف عن التدخلات القطرية لدعم الجماعات الشيعية في مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، وتعود الأزمة بين دول مجلس التعاون الخليجي وقطر لعام 2014 عندما استدعت ثلاث دول خليجية (السعودية والامارات والبحرين) سفراءها من الدوحة احتجاجًا على دعمها لجماعة “الاخوان المسلمين” وتدخلها في الشأن الخليجي، ثم تمت المصالحة بوساطة كويتية عبر إصدار إعلان الرياض والاعلان التكميلي له في منتصف عام 2015 بالفعل التزم الدوحة عدة أشهر بالمصالحة، ثم نقضتها كعهدها دائما، وتوالت الأحداث التي تراكمت حتى بلغ السيل الزبي من تكرار التصرفات القطرية المهددة للأمن القومي الخليجي والعربي، ومنها:
*الكشف عن دفع قطر مليار دولار لجماعات إرهابية بالعراق وسوريا مطلع عام 2017، وجاءت الصفقة كفدية لتحرير أعضاء في عائلتها الحاكمة كانوا في رحلة لصيد الصقور واختطفوا في العراق عام 2015. حيث دفعت مبلغ 700 مليون دولار لشخصيات إيرانية وميليشيات محلية تدعمها إيران، لتحرير القطريين الـ 26 بالعراق، وكذلك دفعت 300 مليون دولار لجماعات إسلامية بسوريا.
*التأكد من مساع قطرية لتغير النظام الحاكم بمملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، عبر دعم الجماعات الشيعية الماطرفة في المملكتين ولتي تتلق دعما مماثلا من قبل إيران، فقد تغاضت الرياض عن عبث قطر بالأمن القومي المصري والسوري والليبي واليمني ولكنها لا يمكن أن تسمح بالمساس بأمنها القومي أو أمن مملكة البحرين لأن ذلك معناه إحتلال إيراني للبحرين، لتوسع طهران من دائرة احتلالها للأراضي الخليجية بعد إحتلالها لـ 3 جزر إماراتية.
*الدوحة تقدم دعم لوجيستي ومادي لجماعة الحوثيين في اليمن، ولم تتعرض قواتها او جنودها في اليمن لاى حادث اطلاق نار، بعكس الامارات والسعودية التي فقدتا عشرات الجنود في استهداف مباشر لهم من قبل جماعة الحوثيين بعد حصول الاخيرة على معلومات عسكرية سرية من قطر.
*القاهرة والرياض قد ضاقت ذرعا بالسلوك الخارجي القطري الذي يعتمد دوما على الازدواجية ويفقد اى معايير من المهنية والمصداقية في التعامل مع القضايا الخارجية، حيث أن الدوحة منذ عام 1996 وتولي الامير الوالد “حمد” الحكم، تحرص على ايجاد علاقات جيدة مع كل طرف اقليمي وخصمه، فهي لها علاقات جيدة مع حركة حماس واسرائيل اليت تصنف الحركة كجماعة ارهابية، وتدعو للحفاظ على سيادة الدولة اللبنانية وتدعم حزب الله اللبناني الذي يهدد كيان الدولة، تدعو للوحدة الخليجية وتحافظ على علاقات جيدة مع ايران، تنضم للتحالف الدولي لمحاربة الارهاب وللحلف السعودي الاسلامي لمحاربة الارهاب في اليمن وتقدم دعم مادي ولوجيستي للجماعات الارهابية كالقاعدة وداعش الحوثيين.
*سلوك الدوحة الخارج يفي مجمله قد ساهم فى تغلغل إيران داخل المجتمعات الخليجية والعربىة مما يمثل تهديد لأمن واستقرار المنطقة، ولهوية الدول الخليجية من جهة أخرى.
والسبب الرئيسي في هذا التحول هو أن الدور الإقليمي القطري ونفوذ الدوحة قد أنتهى فعليًا في المنطقة بنهاية فترة الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما”، لأن الدوحة كانت عراب الجماعات الإرهابية والإسلامية في الشرق الأوسط، خاصة “الأخوان المسلمين” وكانت تحركاتها تحت سمع وبصر واشنطن التي أيدتها وكانت تسعى الاخيرة لتثبيت حكم “الإسلام المعتدل” بقيادة قطر وتركيا في المنطقة العربية حتى تتحكم فيها وتنشر الديمقراطية وتنهي الجماعات الإرهابية المتشددة والفكر المتطرف، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن فالجماعات الاسلامية كلها لا تعترف بالديمقراطية وفور وصولها للحكم بدأت في ممارساتها السلطوية والارهابية، مما دفع الشعب المصري للثورة عليها في 30 يونيو 2013، وسعت قطر بعد ذلك التاريخ لإسقاط الدولة المصرية بشتى الطرق لكنها فشلت وفي المقابل حاولت القاهرة بدورها إظهار حقيقة تمويل قطر للجماعات الإرهابية والعبث بالامن القومي العربي للدول الخليجية التي أبت آنذاك أن تستمع لصوت العقل، حتى بدأت قطر العبث بالأمن القومي السعودي والبحريني، وبدأت الدوحة بنقض إعلان الرياض للمصالحة، ثم نقض أعلان القمة الاسلامية الامريكة بالرياض في 21 مايو 2017 التي أجمعت على دعم إيران للجماعات الإرهابية .. فما كان من أمير قطر “تميم” سوى أنه أتصل هاتفيا مهنئًا الرئيس الإيراني “حسن روحاني” على إعادة إنتخابه مرة جديدة فور إنتهاء القمة الأمر الذي أستفز الرياض كثيرًا، ثم جاءت تصريحات “تميم” التي أهان فيها الملك السعودي “سلمان” وأتهم الدول الخليجية بالسعي للقضاء على حكمه وأصر على موقفه الداعم لطهران والجماعات الإرهابية، وكانت تلك التصريحات بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وأتخذ قرار المقاطعة. لأن قطر قد تمادت في دورها الإقليمي وهي لا تملك أى مؤهلات تاريخية أو جغرافية أو سياسية له، وتصورت أن دعمها للجماعات الارهابية وحفاظها على علاقات مع كافة الاطراف والخصوم المعادية لبعضها البعض، والعبث بالامن الخليجي سوى يمكنها من استمرار نفوذها الهش المبني على متغيرات اقليمية ودولية طارئة ولم يبن على أسس سياسية ثابتة.
3-النتائج السياسية والاقتصادية لقرار المقاطعة:
قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة يتضمن إغلاق السفارة القطرية في عواصم الدول التي أعلنت أنها مقاطعة وتنكيس الإعلام، وإنقطاع التواصل الرسمى والإستعانة بدولة ثالثة لرعاية مصالح مواطني الدولة التي قطعت العلاقات معها، كما تم انهاء مشاركة قطر في قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، وتعددت النتائج السياسية والاقتصادية لقرارات مقاطعة قطر ومنها:
- أُمهال الدبلوماسيون القطريون 48 ساعة لمغادرة دول المقاطعة وهي انته تبالفعل يوم 7 يونيو الجاري، والمواطنون القطريون فقد أُمهلوا 14 يومًا للمغادرة تنتهي في 19 يونيو الجاري.
- منع مواطني الدول المقاطعة من السفر لقطر أو الإقامة فيها أو المرور عبرها، وإغلاق كافة المنافذ البرية البحرية والجوية خلال 24 ساعة أمام الحركة القادمة والمغادرة إلى قطر.
- إغلاق كل المنافذ البحرية والجوية والبرية أمام الحركة القادمة والمغادرة من وإلى قطر، ومنع العبور لوسائل النقل القطرية كافة القادمة والمغادرة، على الخطوط القطرية والتى تعتبر رافدا اقتصاديا أساسيا لقطر، وتسيير رحلات أطول خاصة إلى أفريقيا، ما يقوض نموذج عملها المعتمد على مسافرى الترانزيت.
- التجارة البرية توقفت تماما 40% من صادراتها الغذ1ائية تمر عبر المنفذ الحدودي الوحيد مع السعودية، وتوقف صادرات الطاقة من البحرين والامارات لقطر التي تبلغ 200 مليون دولار سنويا، وكذلك صادرات المعادن من الإمارات لقطر التي تقدر بنحو نصف مليار دولار سنويًا.
- مع توقف التجارة البرية، حلم استضافة قطر لمونديال 2022 سيصادف عقبة كبيرة مع اعتماد قطر على الحدود البرية السعودية فى استيراد غالبية متطلبات البناء الضخمة التى يحتاجها المشروع.
- بعد فرض الحظر الجوى على قطر من جانب السعودية والإمارات والبحرين ومصر سيصبح منفذ قطر الوحيد إلى أوروبا هو إيران او تركيا، وهو ما سيزيد من تكاليف التشغيل وزيادة زمن الرحلة، وينجم عنه أيضاً خسائر جمة للاقتصاد القطرى تقدر بالمليارات.
- قطع العلاقات الدبلوماسية يعنى إغلاق سفارة قطر فى عواصم الدول المقاطعة وترحيل السفير والعاملين فى السفارة، وهو ما يعنى عدم إمكانية القطريين فى زيارة تلك الدول سواء للدراسة أو السياحة أو الاستثمار.
- هبطت سوق الأسهم القطرية ونزل مؤشر البورصة القطرية 7.5 % يوم 5 يونيو 2017، كما قدرت الخسائر المادية الاولية بنحو 8 مليار دولار.
ومازالت الخسائر مستمرة يوميًا بعد قرار المقاطعة التي مثل حصارا بحريا وبريا وجويا لقطر .
ثانيا: ردود الفعل:
1ـ الموقف القطري:
الموقف القطري الرسمي أصر على نفي كافة الاتهامات الموجه له لأن الهدف من قرار المقاطعة الخليجية والعربية معها “غير مبرر” وقائم على مزاعم وادعاءات لا أساس لها من الصحة، لفرض الوصاية على الدولة، وجددت التأكيد على أن إيران “تمثل ثقلاً إقليميًا وليس من الحكمة التصعيد معها”. (وبالفعل إيران دولة إقليمية هامة ولكن عندما تدعم الجماعات الشيعية المتطرفة بدول الخليج لقلب نظام الحكم هل من الحكمة استمرار التعامل معها وعندما تعمل على احتلال العراق وسوريا لتحقيق مصالحها هل من الحكمة عدم التصعيد ضد طهران؟). كما أكد وزير الخارجية القطري “محمد بن عبد الرحمن آل ثاني” إن بلاده تحمي العالم من خطر الإرهاب، وأن الاتهامات حول دعمها لجماعات متطرفة لا تستند إلى وقائع، وناجمة عن “فبركات إعلامية”.
أما فيما يخص موقف المعارضة القطرية فقد أصدرت بيانا تدعم فيه القرارات ضد الحكومة القطرية الحالية، وتدعو فيه للقبض على أمير قطر ومحاكمته بتهمة دعم الإرهاب وخيانة التحالف العربي في اليمن، ما تسبب في استشهاد وإصابة العشرات من أبناء الإمارات العربية المتحدة.
2- الاقليمية :
*تركيا: من المعروف التحالف الاستراتيجي بين الدوحة وأنقرة حيث تدعمان الجماعات الارهابية وتتبنيان نفس المواقف من ازمات سوريا والعراق، مما دفع الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” لانتقاد قرارات المقاطعة مع قطر، كما أنه اعلن عن عزمه القيام بوساطة لحل الأزمة. بيد أن الموقف التركي أتخذ بعدًا جديدًا بعد الكشف عن عزم البرلمان التركي تمرير قرار خلال ساعات بإرسال قوات عسكرية إلى قطر حيث اقترح أعضاء البرلمان من حزب “العدالة والتنمية” مناقشة تشريعين يتعلق الأول بالسماح بنشر قوات تركية في قطر والثاني يشرّع عقد اتفاق بين البلدين حول التعاون في مجال التدريب العسكري. حيث أقامت تركيا قاعدة عسكرية في قطر كجزء من اتفاق تم توقيعه بين البلدين عام 2014. وفي عام 2016 تمركز 150 جندي تركي فيها.
وهذا ينذر بإستعداد أنقرة الدفاع عن النظام الحاكم في قطر عسكريًا حال الإضرار به، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ستضحي تركيا بعلاقاتها الوثيقة بالسعودية والامارات لصالح قطر؟ وهل يمكن للإقتصاد التركي المتأزم أن يتنازل عن الاستثمارات الخليجية الضخمة لصالح نظيرتها القطرية فقط؟!
*إيران: تعد المقاطعة العربية هي فرصة لطهران لتوطيد علاقتها بالدوحة، وقد إستغلت إيران ذلك تمامًا عبر انتقاد القرارات العربية ودعوة دول الخليج لضبط النفس وحل الخلاف بالوسائل السياسية، كما أكدت استعدادها لشحن المواد الغذائية إلى قطر وفتح مجالها الجوي والبحري أمام حركة النقل من وإلى قطر. حيث يمكن أن تصل المواد الغذائية لقطر في غضون 12 ساعة من الموانىء الايرانية.
*إسرائيل: كشفت الأزمة حجم العلاقات الجيدة بين الدوحة وتل أبيب، حيث أكدت الاخيرة دعمها لصديقتها قطر في أزمتها وتعاونها معها، بل ودشنت حملة ألكترونية لدعمها عبر وسائل التواصل الإجتماعي الإلكتروني.
3- المواقف الدولية:
*الولايات المتحدة الأمريكية: أكد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” دعمه لقرارات مقاطعة قطر ووصفها بأنها ستكون مقدمة لوقف دعم وتمويل الجماعات الارهابية والفكر المتطرف، بينما نفي وزير الخارجية الامريكي “ريكس تيلرسون” والدفاع “جيمس ماتيس” تأثير القرارات سلبا على جهود على محاربة “الإرهاب”، وفي وقت لاحق نفت وزارة الدفاع الامريكية “البنتاجون” إغلاق قاعدة “العديد” العسكرية بالدوحة، ودعا كافة المسؤولين بواشنطن لحل الخلافات بين أطراف الأزمة.
*روسيا: رغم البعد الجغرافي لم تسلم روسيا من أيادي قطر الداعمة للجماعات الإرهابية خاصة في الشيشان التي أستهدفت الأمن القومي الروسي أكثر من مرة، مما دفع رئيس لجنة الدفاع والأمن فى مجلس الاتحاد الروسى “مجلس الشيوخ” فيكتور أوزيروف، لنفي حدوث تغييرات فى العلاقات بين روسيا وقطر، بيد أنه أكد على دراسة موسكو لكافة المعلومات حول الدعم القطرى للإرهاب الدولى.
*الاتحاد الأوروبي: دعت معظم دول الأتحاد وأبرزها فرنسا دول الازمة لاتباع الوسائل السياسية لحلها وتجنب تاثيرها على منطقة الشرق الاوسط. بينما دعا مجلس وزراء إيطاليا لإغلاق جميع مساجد البلاد الممولة من قطر، لتجنب تكرار حدوث عمليات إرهابية كما حدث ببريطانيا مؤخرًا.
ثالثا: السيناريوهات المستقبلية للأزمة:
الأزمة منذ إشتعالها وهي في تصاعد مستمر وترجح كافة الإحتمالات ولم يظهر أي طرف تراجعا عن موقفه قيد أنملة، وقرار عودة العلاقات مع قطر سيتم اتخاذه بشكل جماعي ولن تكون عودة العلاقات بشكل فردي فكما كان قرار المقاطعة بالإجماع سوف يكون قرار العودة بالاتفاق أيضًا. وهذا الاجماع الخليجي والعربي يضع العديد من السيناريوهات لنهاية الأزمة ومنها:
*السيناريو الأول: قبول قطر بالمصالحة وتنفيذ شروط الرياض والقاهرة:
بدأ أمير الكويت بالفعل جهوده لإحداث مصالحة بين أطراف الأزمة بيد أن الدوحة لم تستجب لها بالشكل الكاف حتى الآن، وربما بعد عدة محاولات كويتية يتم تغير الموقف القطري، كما اعلنت واشنطن وتركيا استعدادهما للتوسط لحل الازمة، وربما يكون هذا السيناريو أحد السيناريوهات المرجحة لحل الازمة، لوجود رغبة إقليمية ودولية في عدم التصعيد السياسي أو العسكري وما يحول دون تنفيذه هو رفض الدوحة للشروط التي أعلنتها الرياض والقاهرة للمصالحة وهي .. (قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران فورا، وقف بث قناة الجزيرة فورا، وقف التدخل فى الشؤون المصرية والخليجية الداخلية، الاعتذار الرسمي لدول الخليج عن إساءات “الجزيرة”، طرد جميع أعضاء حركة حماس والإخوان، وقف دعم التنظيمات الإرهابية، تسليم جميع قيادات الإخوان المطلوبين للقضاء المصري، التخلي عن جماعة الإخوان المسلمين والاعتراف بثورة 30 يونيو وما تتبعها من عزل محمد مرسي).
وقد نفي وزير خارجية قطر “محمد بن عبد الرحمن آل ثاني” علاقة بلاده بجماعة “الإخوان المسلمين” المدرجة ضمن المنظمات الإرهابية داخل مصر وعدد من الدول العربية، بيد أن الواقع عكس ذلك حيث أن معظم قياداتها مازالت متواجدة بالدوحة، وربما حال تمت المصالحة يتم نقلها لاربعة دول هي (تركيا، ماليزيا، السودان، بريطانيا).
*السيناريو الثاني: إقصاء الأسرة الحاكمة بقطر عبر إنقلاب أبيض:
تعرف قطر بأنها دولة الإنقلابات فقد حدث في تاريخ الإمارة الخليجية الصغيرة 6 إنقلابات سياسية من داخل الإسرة الحاكمة خلال أربعة عقود، وربما يكون هذا السيناريو الأقرب للتنفيذ إذا .. استمر الرفض القطري لجهود المصالحة، وحال استمر ظهور الإستياء داخل الأسرة القطرية الحاكمة وهي أسرة “آل ثاني” وكذلك استياء الشعب القطري من الانعكاسات الاقتصادية والتجارية الناجمة عن المقاطعة، حيث من المعروف ان الاسرة الحاكمة في قطر الآن لا تنحصر في الأمير “تميم” بل هو العنصر الرابع في الحكم ويسبقه والده “حمد آل ثاني” ورئيس الوزراء الاسبق “حمد بن جاسم” والوالدة” موزة بن المسند” ورغم تنازل “حمد” عن الحكم لصالح “تميم” في 2013. إلا أنه مازال المسيطر على الأوضاع بقطر وما يرتبط به من نخبة سياسية نافذة، وهذا الأمر آثار إستياء عناصر أخرى داخل العائلة الحاكمة التي تسعي الآن لتنفيذ إنقلاب أبيض عليهم لإعادة الأمور إلى نصابها خاصة بعدما تجاوز “تميم” أخوته الأكبر سنًا ولهم الحق القانوني في الحكم بدلًا منه. ومن أكثر الاسماء التي تم تداولها لتولى الحكم هو الشيخ الدكتور “سعود بن ناصر آل ثاني” المرشح الأبرز لخلافة الأمير “تميم” الذي تعتبره مصر والسعودية والامارات الوريث الشرعي للشيخ “احمد بن علي” اول امير لقطر بعد استقلال عام 1971، وأطيح به بإنقلاب أبيض على يد جد الأمير الحالي. وحال تم ذلك فان نظام الحكم الجديد بالدوحة سينتهج سياسات مغايرة تماما لكل ما سبق.
*السيناريو الثالث: إستمرار المقاطعة وتغير التحالفات بالمنطقة:
وهو أحد السيناريوهات المرجحة بقوة حال إصرار كل طرف على موقفه، فلن تقدم قطر اى تنازلات وكذلك الرياض والقاهرة، وهنا سيتم تبدل التحالفات بالمنطقة، بظهور محورين الأول يضم إيران وقطر والعراق ونظام حكم “بشار الأسد” بسوريا وهذا المحور ذي توجهات شيعية توسعية بإميتاز يسعة للعبث بالامن القومي للدول الخليجية والعربية، وسيرتبط بعلاقات قوية مع الجماعات المتطرفة والإرهابية بالمنطقة وسيحظى هذا المحور بمعاداة دولية مباشرة. وفي المقابل المحور الثاني ويضم كافة دول الخليج والدول العربية بقيادة مصر والسعودية وهو محور يحارب الارهاب ويحترم سيادة الدول وعدم التدخل في شأنها الداخلي. وسيحظى هذا المحور بدعم دولي لمحاربة الارهاب. والمعضلة هنا ستكون في موقع تركيا إلى اى محور ستنضم؟ أم ستختار الحفاظ على علاقات جيدة مع المحورين؟.
*السيناريو الرابع: تدخل عسكري خليجي عربي ضد الدوحة.
وهو سيناريو مستبعد جدا بيد أنه مطروح، في ظل رصد تحركات عسكرية قطرية وسعودية على الحدود البرية المشتركة بين البلدين، ويمكن أن يتم عبر قوات “درع الجزيرة” الخليجية او عبر تشكيل تحالف جديد تشارك فيه قوات برية إماراتية سعودية مصرية بغطاء جوي سعودي اماراتي، وحال تم هذا السيناريو فانها ستكون حرب اقليمية على ارض قطر الصغيرة والتي لا تحتمل معركة واحدة، فالدوحة الان تستضيف قوات من الحرس الثوري الايراني وفق اتفاق موقع بين الطرفين في 2010، كما تعتزم تركيا إرسال قوات عسكرية لها، وبذلك ستتم المواجهة بين القوات الايرانية التركية من جهة والمحور السعودي الإماراتي المصري من جهة أخرى، وهو الامر الذي من الصعب أن تسمح به واشنطن لانه يهدد قواعدها العسكرية في قطر.
وحتى يتم ترجيح أحد السيناريوهات السابقة، فأنه من المستبعد أن ترحل قطر كافة العمالة المصرية والعربية والخليجية بها تفعيلا لقاعدة “المعاملة بالمثل”، لأن تلك العمالة هي عمالة ماهرة ومدربة ومثقفة تقوم على إدارة “دولاب العمل” بالدولة القطرية ومن الصعب إستبدالها سريعا وسيختل عمل الدولة إذا أعادتهم. كما أنه من المتوقع حدوث عدة عمليات إرهابية في الدول التي أعلنت مقاطعتها لقطر كرد فعل على القرار وخاصة في مصر والسعودية. إن الأزمة مازالت في بدايتها وتداعياتها وإنعكاساتها مازالت تتشكل بيد أنها بكل تأكيد قد أنهت زمن العبث القطري بالشأن الخليجي والعربي.
*باحثة دكتوراة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، متخصصة بالعلاقات الدولية والشأن التركي.