بقلم: منى سليمان*
حظيت جولة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الخليجية التي استمرت خلال الفترة من (12-15) فبراير 2017 وشملت ثلاث دول (البحرين، المملكة العربية السعودية، قطر)، بإهتمام إقليمي ودولي رغم أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بيد أن هذا الإهتمام نابع من البيئة الإقليمية والدولية المضطربة التي أحيطت بالجولة، فملفات الشرق الأوسط جميعها شهدت مؤخرا تطورات هامة، فدول الربيع العربي تدخل في مراحل الحسم الأخيرة فالمعارك ضد تنظيم “داعش” الإرهابي في تقدم مستمر بعد السيطرة على شرق الموصل بالعراق، والحديث بات واضحا عن ضرورة التوصل لحل سياسي في (سوريا، اليمن، ليبيا) بعد إثبات فشل الحل العسكري المعتمد على دعم الفصائل المعارضة المسلحة التي كانت تتلقي الدعم بشتى صوره من دول الخليج وتركيا في الدول الثلاث وقدر بمليارات الدولارات. هذا في ظل تصاعد الدور المصري في ملفات ليبيا وسوريا وهي التي حذت منحى مخالفًا لهم منذ البداية تمثل في رفض دعم أى جهة ضد أخرى والتمسك ببقاء الدولة القومية الأمر الذي لم يرق لدول الخليج وتركيا. هذا فضلا عن إستمرار التدخلات الإيرانية بقوة في الشأن العربي بل والأفريقي أيضا فجولات التنافس (التركي الايراني ، والسعودي الايراني) لا تنته، ودوليًا مازال الغموض سيد الموقف فيما يتعلق بسياسات الرئيس الامريكي الجديد “دونالد ترامب”، الأمر الذي استغلته موسكو للتحرك سريعا لوضع أسس لإنهاء كافة الملفات العالقة في (الشرق الأوسط، بحر قزوين، أوكرانيا) بما يحقق مصالحها ومصالح حلفائها خلال الفترة الانتقالية بالبيت الأبيض. في ظل بيئة إقليمية ودولية مماثلة أختار “أردوغان” المثقل بملفات بلاده المتأزمة إقتصاديًا وهشة سياسيًا بعد فشل الانقلاب العسكري، ثلاث دول خليجية ليقوم بجولة فيها، وربما تلك الجولة هي الأهم بين كل جولاته السابقة فهو يقدم نفسه بأنه اليد الطولي والقائد الحامي للرياض التي تكاثر عليها الأعداء وكذلك الأمر للدوحة والمنامة فالجيش التركي لايستهان به مقابل الجيش الايراني الذي كان ومازال يهدد أمن واستقرار الخليج العربي، فما هي طبيعة العلاقات التركية الخليجية؟ وما نتائج تلك الجولة؟ وهل حققت اهدافها؟ هذا ما سنحاول ايضاحه فيما يلي:
أولا : جولة “أردوغان” .. ملاحظات أولية:
هناك بعض الملاحظات الأولية على جولة “أردوغان” الخليجية ومنها:
– الجولة شملت ثلاث دول خليجية هي (مملكة البحرين، المملكة العربية السعودية، دولة قطر) وأستثنت ثلاث أخريات هي (دولة الامارات العربية المتحدة، دولة الكويت، سلطنة عمان) وهذا بالرغم من العلاقات الوثيقة بين أبوظبي وأنقرة، الأمر الذي آثار حفيظة الأولي وظهر هذا جليا في ردود الفعل على الجولة، حيث كان من المنتظر أن تشمل الجولة الأمارات أيضا بيد أن هناك سببان لإستبعادها وهما التقارب المصري الإماراتي المتصاعد في مقابل الفتور بين القاهرة والرياض، والسبب الثاني هو استمرار الخلاف التركي الإماراتي حول وضع جماعة “الأخوان المسلمين” فمن المعروف أن “أردوغان” من أكثر المدافعين عنهم والمروجين لهم وهو العكس تمامًا بالنسبة للإمارات التي أعلنت الجماعة “إرهابية”. وهذا لا يشير إلى توتر في العلاقات التركية الإماراتية بل إلى إتساع مساحة الخلاف في أكثر من ملف إقليمي، هذا الخلاف الذي حرصت أنقرة على احتوائه عبر زيارة تعويضية قام بها رئيس الأركان التركي لأبو ظبي غداة إنتهاء الجولة الخليجية. كما حرصت أنقرة على استمرار التعاون الاقتصادي مع أبوظبي عبر استضافتها لأعمال اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين والتي اختتمت اعمالها في منتصف فبراير 2017 بعد الإتفاق على الانتقال بالعلاقات الاقتصادية إلى مستويات أكثر تقدماً وتنوعاً بين البلدين.
– الوفد المرافق “لأردوغان” في الجولة ضم عددًا كبيرًا من الوزراء ورجال الأعمال، بمختلف المجالات، وكان هذا أحد أهدافه منها وهو إعادة العمل بالقوة الناعمة مرة أخرى حيث إن أجندة العمل مع الدول الثلاث شملت موضوعات إقتصادية وتجارية وثقافية فضلًا عن السياسية والعسكرية.
– ضخ المزيد من الاستثمارات الخليجية للاقتصاد التركي مقابل تنازلات سياسية تقدمها أنقرة في ملفات إقليمية مشتركة الاهتمام على رأسها سوريا. يعد الهدف الأهم للجولة لاسيما في ظل تفاقم الأزمة الإقتصادية بتركيا، فالليرة التركية فقدت حوالي ثلثي قيمتها أمام الدولار الأمريكي في العامين الماضيين، وتراجع معدلات السياحة لنحو 35 %، وانخفض معدل نمو الإقتصاد التركي ليسجل أقل من (2.99 %) في الربع الأول من العام الحالي.
– بعث “أردوغان” عدة رسائل للداخل التركي من خلال جولته وهي:
- أنه مازال يتمتع بالعلاقات الطيبة مع دول هامة ومؤثرة إقليميًا ودوليًا، خاصة بعد الإستقبال الحافل والترحيب الكبير الذي حظي به في الرياض والدوحة، وهذا مقابل استمرار الإنتقادات الموجهة له من الدول الأوروبية ومنظمات حقوق الإنسان العالمية جراء عمليات الأعتقال والقمع والتضييق على حريات التعبير التي يمارسها في بلاده بعد فشل “الإنقلاب العسكري المزعوم”.
- أصطحب “أردوغان” معه رئيس الأركان التركي “خلوصي أكار” وأدى معه فريضة “العمرة” في الأراضي المقدسة وهي المرة الأولى التي يشاهد فيها الشعب التركي رئيس أركان الجيش يؤدي الفروض الدينية الإسلامية، مما يشير لنجاح “أردوغان” في تغيير الهوية العلمانية للقيادة العسكرية التركية وينذر بالمزيد من التغييرات التي يعتزم إجرائها على المجتمع التركي لتغيره بشكل مؤثر خاصة بعد الإستفتاء على التعديلات الدستورية المقبلة والمقرر إجرائها في أبريل القادم.
- استغل “أردوغان” الحوارات الصحفية التي أجراها مع عدد من وسائل الإعلام الخليجية في الترويج للإستفتاء على التعديلات الدستورية الجديدة وحث الشعب التركي على التصويت لصالحه، وكذلك أستمر في مطالبة الدول الخليجية بغلق مؤسسات حركة “الخدمة” داخلها، ورغم أنها شؤون سياسية داخلية ليس لها محل في جولة خارجية إلا أنه أستغلها جيدًا لتسويق أفكاره.
– تزامن مع جولة “أردوغان” الخليجية، جولة أخرى قام بها الرئيس الإيراني “حسن روحاني” (لسلطنة عمان والكويت) اللتان تم استثنائهما من الجولة التركية والأولى من أكثر الدول الخليجية القريبة من طهران، وهذه الزيارة وجهت رسالة ضمنية “لأردوغان” مفادها أن طهران لن تترك له الساحة الخليجية ليكون فيها لاعبًا منفردًا لأنها بمثابة الفناء الخلفي لها ومصدر تهديد مباشر لأمنها القومي ولذا ستظل دائما متواجدة فيها بالرغم من التوتر الخليجي الإيراني المستمر.
ثانيا: طبيعة العلاقات التركية الخليجية:
خلال العامين الماضيين شهدت العلاقات التركية الخليجية تطورات إيجابية تدفعها للتحالف المشترك، ورغم أن سلوك “أردوغان” السياسي يعتمد على تغير حلفائه وشركاءه سريعًا إلا أنه منذ تولي حزبه الحكم في 2002، حرص على استمرار علاقات جيدة جدًا مع الدول الخليجية ودعمها إقليميًا باستمرار، ففي سبتمبر 2008، أعلن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي تركيا “شريكًا استراتيجيًا” لهم لتكون الدولة الإقليمية الوحيدة التي تكتسب تلك الصفة.
وبالطبع حظيت الرياض بأكبر إهتمام تركي بإعبتارها أكبر الدول الخليجية ولدورها الإقليمي المتصاعد لاسيما بعد “ثورات الربيع العربي” وثقلها الإسلامي المؤثر، وقد شهدت العلاقات الثنائية تقاربًا ملحوظًا منذ تولي الملك “سلمان” الحكم خلفًا لأخيه الملك “عبد الله” في يناير 2015، وكان كلمة السر في ذلك التحول هو موقف “سلمان” المتعاطف مع جماعة “الأخوان المسلمين” القريبة من “أردوغان”، والأخير قد أدرك ذلك سريعًا وسعى لتعزيز علاقاته مع الملك “سلمان” فعقد معه 5 قمم في عامين فقط وهو أعلى معدل للقمم الرئاسية بين البلدين، كما بادر “أردوغان” بإعلان دعمه للتدخل السعودي العسكري في اليمن وللتحالف العسكري الإسلامي بقيادة الرياض، وقد عزز تحالف “سلمان – أردوغان” الفتور الذي أصاب العلاقات السعودية المصرية نظرًا لتغير القيادة الحاكمة بالرياض وتغير أولوياتها من محاربة الإرهاب لدعم بعض الجماعات المزدوجة الهوية المسلحة وهي التي احتارت في تصنيفها بعض الدول فالبعض يصنفها كجماعات إرهابية والبعض الآخر يصنفها كجماعات معارضة ومنها (المعارضة السورية المسلحة، جماعة الحوثيين، الأخوان المسلمين)، وكذلك رفض القاهرة المشاركة العسكرية في عملية “عاصفة الحسم” السعودية باليمن، فضلاً عن الاختلاف حول الملف السوري، هذه الخلافات بين القاهرة والرياض كانت محل إتفاق بين الرياض وأنقرة. وهو ما أكده “أردوغان” في المؤتمر الصحفي الذي عقده بمطار “أتاتورك” الدولي بمدينة إسطنبول قبيل بدء جولته حيث وصف علاقة بلاده بالرياض “بالإستراتيجية” وجدد التأكيد على تطابق وجهات النظر بين البلدين في ختام جولته، على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والتجارية، خاصة بعد ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين لنحو 8 مليارات دولار سنويا فضلا عن تدفق 250 ألف سائح سعودي لزيارة تركيا سنويا.
وفيما يخص العلاقات بين أنقرة والدوحة، فينطبق عليها ما تشهده العلاقات التركية الخليجية من تحالف وتعاون وتطابق في وجهات النظر لاسيما الموقف من جماعة “الاخوان المسلمين”، وفي ديسمبر 2014 أعلن عن تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي التركي القطري خلال زيارة أمير قطر “تميم” لانقرة بغية الإرتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين في مجالات الطاقة والاستثمار، خاصة شراء تركيا للغاز القطري المسال باسعار اقل من العالمية لسد احتياجات الاقتصاد التركي المتصاعدة من الطاقة. وفي مطلع عام 2015 شهدا تطورا هاما ولافتا، يتمثل في توقيع أول اتفاق تركي قطري لإقامة قاعدة عسكرية تركية بقطر لتكون تلك اولى القواعد العسكرية التركية بدول الخليج فضلا عن قواعدها العسكرية بالعراق، لتدشن أنقرة بذلك تواجدها العسكري والسياسي طويل الأمد بالمنطقة ولتنافس نظيره الإيراني والأمريكي.
وفيما يخص مملكة البحرين أولى محطات “أردوغان” الخليجية، فتشهد العلاقات بين البلدين دعم “أردوغان” المستمر للمنامة لمواجهة التدخلات الإيرانية المستفزة في الشأن الداخلي للمملكة الصغيرة لاسيما بعد الاحتجاجات التي شهدتها المملكة في فبراير 2011 بين الطائفة الشيعية والحكومة البحرينية، بيد أن العلاقات الاقتصادية مختلفة عن سائر دول الخليج نظرا لضآله الاقتصاد البحريني فهو ليس بحجم نظيره السعودي والقطري اللذان يضخان الاستثمارات بشكل مستمر لأنقرة.
مقابل ذلك كانت الدول الخليجية لاسيما السعودية وقطر في طليعة الدول التي دعمت “أردوغان” عقب الانقلاب العسكري المزعوم في منتصف يوليو 2016، واستجابت الرياض لمطالب أنقرة بغلق وتصفية المؤسسات التربوية والتعليمية لحركة “الخدمة” داخلها.
ثالثا: نتائج الجولة الخليجية :
يمكننا القول أن جولة “أردوغان” الخليجية قد نجحت في تحقيق أهدافها بشكل مبدئي، فعلى الصعيد السياسي .. جدد “أردوغان” تحالفه الإستراتيجي مع دول الخليج العربي التي هي بحاجة لحليف سني قوى يؤازرها مقابل التهديدات الايرانية الشيعية وهو بحاجة لدعمها الاقتصادي لبلاده كما أن عدد الملفات المشتركة تفرض على الطرفين ضرورة التعاون بجدية معا، ونجح الرئيس التركي في تعزيز مكانته الإقليمية كحليف قوى وزعيم سياسي إسلامي مؤثر لاسيما وأن أنقرة ستستضيف قمة المؤتمر الإسلامي المقبلة، كما أكدت المباحثات التي أجراها “أردوغان” في المنامة والرياض والدوحة على تطابق الآراء والمواقف السياسية حول مختلف القضايا الاقليمية ومنها القضية الفلسطينية لاسيما ضرورة الوصول لتسوية سلمية وفق حل الدولتين بموجب القرارات الدولية، والملف الليبي الذي شهد تراجعا في التاثير التركي والخليجي مقابل تولى القاهرة هذا الملف خاصة بعد التوقيع على الاتفاق الثلاثي بين (مصر، تونس، الجزائر) بشأن التسوية النهائية للأزمة. والملف السوري الذي شهد تراجعًا في حدة المواقف التركية والخليجية فبعد تمسكهم برحيل الرئيس السوري “بشار الأسد” فورًا، يدعون الآن لحل الأزمة وفق مؤتمر (جنيف1) والمبني على إنشاء هيئة انتقالية للسلطة ووقف إطلاق النار في عموم البلاد وإدخال المساعدات الإنسانية وربما مشاركة “الأسد” في المرحلة الانتقالية، وجدير بالذكر هنا أن التراجع السياسي التركي يقابله تقدم عسكري لعملية “درع الفرات” التركية في سوريا خاصة في ظل الاقتراب من السيطرة على مدينة “الباب” السورية الحيوية بالنسبة لأنقرة، هذا التدخل العسكري التركي المستنكر من الدول الغربية كان محل ترحيب خليجي وساهم في التقارب أكثر بين الطرفين، كما أن دول الخليج تعارض إنشاء كيان كردي مستقل شمال سوريا وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية الكردية فصائل إرهابية وهو ما يوافق الهوى التركي. كما جدد “أردوغان” دعمه لعملية “إعادة الأمل” في اليمن لتحقيق الشرعية وإيصال المساعدات الانسانية للمدنيين، وهو ما يوافق الرؤى السعودية التي تسعى لتحجيم النفوذ الإيراني في اليمن. ولم يعترض التوافق التركي الخليجي سوى وجود تخوّفات لدى بعض المسؤولين الأتراك من عودة ملف “الإخوان المسلمين” كملف خلافي بين تركيا وبعض دول مجلس التعاون، في حال أعلنت واشنطن “الجماعة” منظمةً إرهابية. مما ينذر بحدوث أزمة تركية خليجية، وتركية أمريكية حال تم ذلك. حيث يصر “أردوغان” على سلمية جماعة “الأخوان المسلمين” بالرغم من الدلائل القانونية المتعددة على تورطها في تنفيذ عمليات إرهابية كثيرة وباعتراف قيادتها لاسيما في مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013، في حين أنه يتهم حركة “الخدمة” بتنفيذ إنقلاب عسكري وأعلنها من قبل جماعة إرهابية بالرغم من غياب أى دليل مادي قانوني ملموس على ذلك مما يدل على ازدواجيته السياسية الفظة.
وفيما يتعلق بالتعاون الأمني، فهو مستمر بين الطرفين، حيث شاركت تركيا في 4 مناورات خليجية مشتركة خلال عام 2016 وستكرر التجربة كل عام، كما جددت القيادة الخليجية والتركية على تقديم كل طرف الدعم الازم للآخر أمنيا وإستخباراتيا لمواجهة الجماعات الإرهابية ومنها “داعش” و “القاعدة” في العراق وسوريا لاسيما في ظل حركة السياحة المتبادلة بين الطرفين، وأكدت أنقرة أن أمن واستقرار دول الخليج وعلى رأسها السعودية من أمنها وسلامتها.
وفيما يخص التعاون العسكري، فيشهد تطورًا ملحوظًا بعد مشاركة الرياض في مناورات تركية عدة منها “النور 2016، نسر الأناضول 4- (EFES 2016)”، ومشاركة تركيا في مناورات “رعد الشمال” السعودية، كما اتفقا على استمرار مشاركة المقاتلات الجوية السعودية في محاربة “داعش” عبر عمليات إنزال تقوم بها في قاعدة “إنجرليك” بجنوب تركيا. هذا فضلا عن الإنتهاء من إنشاء مصنع سعودي تركي مشترك للأجهزة اللاسلكية بغية التصدي للحروب الالكترونية. هذا فيما يستمر العمل في إنشاء القاعدة العسكرية التركية بقطر.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فقد قررت المنامة تنفيذ الإعفاء من رسوم تأشيرة تركيا فور الإنتهاء من الإجراءات المتعلقة بها مما سيعزز التبادي الاقتصادي والسياحي بينهما، بينما كشف وزير الطاقة القطري عن استعداد بلاده لإرسال الغاز المسال إلى تركيا متى شاءت دون تحديد لكميته. كما افتتح وزيرا الخارجية والاقتصاد التركيين “مولود جاويش أوغلو، ونهاد زيبكجي”، أول مستشفى تركي في الدوحة بشراكة تركية قطرية بقيمة استثمارية بلغت 83 مليون دولار.
وفيما يتعلق بالنتائج السياسية على المستوى الإقليمي .. فلم يكن مصادفةً أن التلاسن التركي الإيراني وأتهام أنقرة لطهران بنشر التشيع في العراق وسوريا جاء غداة إنتهاء الجولة الخليجية مباشرة، وما هو إلا ردًا تركيًا على الإتفاقات الإقتصادية الخليجية السخية مع أنقرة التي تم توقيعها خلال الزيارة، فبعد الاتفاق الثلاثي الذي وقع بنهاية عام 2016 حول سوريا وجمع بين إيران وتركيا وروسيا واستبعد أطراف إقليمية مؤثرة في الأزمة ومنها الرياض، نجد الآن أن أنقرة وطهران تتجادلان بقوة فهل سينتقل هذا الخلاف من التلاسن اللفظي والساحات السياسية لساحة المعارك في سوريا؟، هل يمكن أن تتواجه القوات التركية المشاركة في عملية “درع الفرات” عسكريًا مع القوات الإيرانية المتواجدة بسوريا؟ أو قوات ميليشيا “حزب الله” الذي وصفه “أردوغان” لأول مرة بأنه حزب إرهابي، في تصريح مباشر جاء “مجاملة سياسية” للرياض التي حل ضيفا عليها، و”مكايدة سياسية” لإيران حليفة الحزب. وفي المقابل نجد بوادر خلاف تركي روسي من جهة أخرى حول مفاوضات “الآستانة 2” السورية، هذا الخلاف سيعزز التقارب التركي الخليجي خاصة أن الرياض قد أنزعجت بشدة من التقارب التركي الروسي الذي استبعدها من المشهد السوري. فالتدخل الروسي القوي في الملفات العربية لاسيما في سوريا وليبيا لم يسر الرياض ولذا تسعى الآن لإعادة تأثيرها في الملفات الهامة كما كانت من قبل مستعينة بحليف قوى “كأردوغان” بعد استمرار الفتور في علاقاتها مع القاهرة.
وختاما، يسعي أردوغان لطرح نفسه حليفًا استراتيجيًا قويًا لدول مجلس التعاون الخليجي لاسيما السعودية وقطر، التي يعلم الجميع مدى التهديدات الأمنية التي تواجهها من قبل إيران والتنظيمات الإرهابية في ظل بيئة إقليمية ودولية غامضة ولم يتجلى شكلها النهائي بعد فمازال الشرق الأوسط يعاني من تداعيات ثورات الربيع العربي في ظل تنافس إقليمي بين تركيا وإيران، وتنافس دولي بين موسكو وواشنطن، فهل سينجح “أردوغان” في المعارك السياسية التي دوما يخسرها لصالح طهران؟ هذا ما ستكشف عنه الشهور القادمة.
*باحثة دكتوراة متخصصة بالعلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة.