صارت المنظمات الإرهابية هي التي تسيطر اليوم على حدود تركيا من الشرق والجنوب، بدلَ الدول المجاورة لها. ففي شمال العراق نجد أن الإدارة المحلية الكردية تنزع إلى قطع علاقاتها مع الحكومة المركزية في بغداد في أي لحظة، أمّا في الحدود السورية فنرى أن حزب الاتحاد الديمقراطي؛ امتداد حزب العمال الكردستاني في سوريا، هو مَن يبسط سيطرته على منطقة “روج آفا” الواقعة شمال سوريا، كما نلاحظ أيضاً حضوراً من حين لآخر لجبهة النُصرة وشبيحة الأسد في هذه المنطقة. ومن ناحية أخرى، فإن المنظمة الإرهابية المتطرفة المسمّاة بالدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام، التي دمّرت العراق وسوريا في الفترة الأخيرة، تلقي الرعب والذعر في المناطق التي تدخلها. كما أن المنظمة سيطرت مؤخّراً على مدينة الموصل في العراق.
وبقيت تركيا عاجزة حيال هذه التطورات، واكتفت بمشاهدة الأحداث عن بعد. وفي سؤال وُجّه إلى رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” حول احتلال الموصل، تلك البلدة المجاورة لنا، والتي تربطنا بها روابط تاريخية وعاطفية، كما هو الحال مع كركوك، أجاب قائلًا: “معلوماتي عن الأحداث لا تزيد عن معلوماتكم”.
وقد جاء في الخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء الآتي: “أجاب رئيس الوزراء أردوغان على أسئلة لفيف من الصحفيين في مجلس الأمة التركي. وفي إطار رده على سؤال وجّهه صحفي حول المعلوماتِ التي وصلت إليه، المتعلقةِ بالمفاعل الحراري في الموصل والحالة الأمنية لسائقي الشاحنات الأتراك الذين احتجزهم تنظيم داعش، قال أردوغان: “حتى الآن لم أحصل على معلومات نهائية، فأنا أيضًا عندي معلومات مشابهة لتلك التي لديكم. وفور حصول الأشخاص المعنيين على معلومات مؤكّدة وصحيحة سنقوم من جانبنا بالتحليل والتقييم اللازمين.”
وكما نرى فإن السياسة الخارجية لرئيس الوزراء أردوغان، المزعوم بأنها محبوكة بـ”العمق الإستراتيجي” قد أفلست، ولم تعد تقدم جديدًا. نشهد لحظات تاريخية على حدودنا، بيد أن المدهش في الأمر هو اطلاع أردوغان على مجريات الأمور مع هؤلاء الصحفيين في آن واحد.
ومن ناحيتنا، فلا يمكن أن نتصور أنّ أردوغان أو المخابرات التركية ليست على معرفة ببواطن الأمور للتطورات التي تشهدها مدينة الموصل. لذا علينا أن نواجه حقيقة أن تركيا أصبحت مركزًا للخدمات اللوجيستية التي تحدث في العراق وسوريا خلال فترة تسليم المنطقة إلى الإرهابيين.
وفي هذا السياق، يبدو أن ثمّة احتمالين في هذا الموضوع؛ فإمّا أن تكون تركيا أكثر سلبية وغير مؤثرة في هذه المنطقة على عكس توقعاتنا أو أن يكون لها دورٌ بالذات في زعزعة استقرار المنطقة. وعلى أية حال، فكلا الاحتمالين يشكلان خطرًا كبيرًا على أمن تركيا ومستقبلها.
إن المرحلة التي آلت إليها تركيا جعلتها جارة مع كل من جبهة النصرة وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري ودولة العراق والشام الإسلامية، وليس مع سوريا أو العراق. وبما أننا دولة عضوة في حلف شمال الأطلسي فإن هذه المنظمات الدمويّة المأجورة تعتبر جارة لحلف شمال الأطلسي أيضاً.
وبما أن الأمر كما وصفنا، وطالما أن صانعي السياسة الخارجية التركية جمّدوا العلاقات الديبلوماسية مع كل من مصر وسوريا وإسرائيل، ومن ثم يسعون اليوم لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، فإنه بإمكانهم في ظلّ الأحداث الأخيرة أن يؤسّسوا تلك العلاقات الدبلوماسية مع هذه المنظمات الإرهابية.
ومن الطبيعي جداً أن تتفاهم تركيا مع هذه المنظمات الدمويّة نظراً لأنها اكتسبت خبرة في هذا المجال بجلوسها على طاولة المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي..!