(زمان التركية)ــ ألقي موقع (أحول تركيا) الضوء على ارتفاع سعر صرف عملتي اليورو والدولار في تركيا مؤخرًا بشكل كبير، وما يشكله من خطر على الاقتصاد التركي، متخذًا من تصريحات كبير مستشاري الرئيس التركي في الشأن الإقتصادي دليلاً على تدهور قيمة الليرة.
دق كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس رجب طيب أردوغان ناقوس الخطر فيما يتعلق بالعملات المبالغ في قيمتها، واصفا إياها بـ “قنبلة موقوتة” تهدد الليرة التركية في ظل استمرار تدفقات “أموال المضاربة” من الخارج لغزو الاقتصاد التركي، على حد تعبيره.
وظهرت ملامح الذعر على جميل إرتيم وهو يحذر يوم الجمعة من استهداف أشخاص وصفهم بـ “قناصين اقتصاديين” للاقتصاد التركي، لكنه في الوقت ذاته لم يقدم أي حلول فورية لضمان أن المخزون المتنامي من أموال المضاربة – التي دخلت تركيا على هيئة تدفقات بقيمة عشرات المليارات من الدولارات لشراء أسهم وسندات قصيرة الأجل – لن يغادر البلاد بالسرعة التي دخل بها.
ويحذر المستثمرون في تركيا من أن السلطات التركية قد تلجأ إلى تصحيح الليرة بشكل مفاجئ بعد أن اعتمدت أكثر من اللازم على أموال المضاربة لتغطية عجز الحساب الجاري الذي اتسع إلى 5.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو العجز الأعلى بين دول الأسواق الناشئة. ومع قيام بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة – وهي خطوات تهدد بسحب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة ذات العوائد المرتفعة – فإن الحل، من وجهة نظر المستثمرين، يكمن في أن يقوم البنك المركزي برفع أسعار الفائدة وإبطاء معدل نمو الاقتصاد الذي أوشك على بلوغ ما يسمى بنقطة “الفوران” الاقتصادي بسبب الحوافز الحكومية والإعفاءات الضريبية.
وقال إرتيم، وهو أستاذ في الاقتصاد وخبير اقتصادي بارز، في مقال له في صحيفة “صباح” إن العملة المبالغ في قيمتها “تعود بالضرر على المنافسة في التجارة العالمية وقد تخلق مخزونا خطيرا من أموال المضاربة، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على الأمن الاقتصادي، وبالتالي تمثل قنبلة موقوتة في قلب الاقتصاد”.
وبينما لم يذكر إرتيم ما إذا كان يعتبر أن الليرة عملة مبالغ في قيمتها بعد أن وصل سعر صرفها إلى 3.92 مقابل الدولار – وهو ما يقارب أدنى مستوياتها في أسواق الصرف عندما كان يتم تبادلها بـ 3.97 ليرات لكل دولار في نوفمبر، قال إن تركيا يجب ألا تقع في فخ الضغوط التي تدفعها في اتجاه رفع أسعار الفائدة لتحول دون وقوع المزيد من الخسائر.
وبدلاً من ذلك، يقول إرتيم إنه على الحكومة معالجة العجز في الحساب الجاري من خلال إجراء إصلاحات اقتصادية عاجلة مما يقلل من اعتماد البلاد على الواردات ويعزز في الوقت ذاته الصادرات والمنافسة في الصناعة التحويلية.
وكتب “في الوقت الحالي، يعد التضخم وعجز الحساب الجاري أهم مشكلتين نحتاج إلى معالجتهما بسرعة…وقد أصبحا خطرا على الاقتصاد التركي نتيجة عمليات السوق الفاسدة غير الخاضعة للرقابة في قطاعات تساهم بشكل مباشر في زيادة التضخم، مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج وبنية السوق التي لا تساعد على التنافسية والغذاء.”
في غضون ذلك، يقول بعض المستثمرين الأجانب، مثل بنك يونيكريديت الإيطالي، إن قيمة الليرة أصبحت مبالغا فيها بالفعل، وفي ظل عدم لجوء الحكومة إلى رفع أسعار الفائدة، فإنهم يوصون العملاء بالتخلص منها وبيعها مقابل اليورو.
وكشفت بيانات نشرت هذا الشهر أن عجز الحساب الجاري التركي ارتفع إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 7.1 مليار دولار في يناير، ما يعني أن العجز المتداول على أساس سنوي قد وصل إلى 12.5 مليار دولار بعد أن قفزت الواردات بنسبة 38 في المئة. يأتي هذا فيما زادت التدفقات قصيرة الأجل التي تستخدمها تركيا لتغطية هذا العجز أكثر من ثلاثة أضعاف لتصل إلى 4.9 مليار دولار على أساس شهري ليصل إجمالي التدفقات الصافية خلال 12 شهرا إلى 27.6 مليار دولار، أي ما يعادل 55 بالمئة من العجز المتداول. وفي الوقت نفسه، انخفض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة طويلة الأجل إلى 288 مليون دولار، مقارنة بـ 437 مليون دولار في يناير 2017.
وزعم إرتيم أن الإصلاحات الاقتصادية التي يجري النظر فيها تشمل تعزيز إنتاج السلع الوسيطة التي يتم استيرادها عادة، إلى جانب “خطة إنمائية جديدة” لم يذكر المزيد من التفاصيل عنها، وهو ما سيساعد تركيا – بحد تعبيره – على تحقيق توازن تجاري أو حتى فائض تجاري مع بقية دول العالم بشكل سريع (باستثناء واردات الطاقة) وحل مشكلة عجز الحساب الجاري.
لكن المشكلة تكمن في أن العديد من الأتراك لا يثقون في فرص نجاح سياسات الحكومة، والدليل على ذلك هو ارتفاع حجم عمليات “الدولرة” في الاقتصاد التركي الذي يبلغ حجم ناتجه المحلي 844 مليار دولار، حيث يقبل المدخرون في تركيا على شراء العملة الأميركية بنهم متزايد لحماية أنفسهم من آثار التضخم والتدهور المستمر في قيمة الليرة.
ومع اقتراب البلاد أكثر وأكثر من انتخابات رئاسية وبرلمانية من المقرر أن تعقد في نوفمبر من العام المقبل على أبعد تقدير، حتى ولو أن العديد من المراقبين يعتقدون أنه قد يتم تقديم موعدها لهذا العام، لا تبدي الحكومة أي بادرة على نيتها تغيير سياساتها الاقتصادية.
بل على العكس، يقول إرتيم إن تركيا ستواصل تقديم قروض مخفضة للشركات الصغيرة والمتوسطة لمساعدتها على سداد الديون وزيادة استثماراتها.
كما ستقدم الحكومة أكثر من 100 مليار ليرة (26 مليار دولار) في صورة تخفيضات ضريبية وحوافز ودعم لأسعار الفائدة لصالح 22 مشروعا ضخما في أنحاء تركيا في مجالات عديدة، منها الطاقة والبتروكيماويات والصحة، حسب ما أوردته صحيفة صباح. علاوة على ذلك، قام البرلمان بتحديث قوانين ضريبة القيمة المضافة بهدف تشجيع الشركات التي تعاني ضائقة مالية على سداد قيمة التخفيضات الضريبية، فيما يجري العمل أيضا على برامج لتقديم الدعم المالي للمواطنين الراغبين في شراء المنازل.
لكن في حالة وجود قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، يتوقع من الشخص سيء الحظ الذي يحملها أن يتخذ إجراءات فورية لنزع فتيلها. وفي حالة تركيا، تنحصر هذه الإجراءات في رفع أسعار الفائدة وبسرعة.
لكن عوضا عن ذلك، يبدو أن الحكومة عازمة على تحفيز الاقتصاد أكثر وأكثر قبل الانتخابات دون أن يخالجها أي شعور بالقلق إزاء تدهور قيمة الليرة، وهو ما ينعكس في إرسالها إشارات متكررة مفادها أن البنك المركزي لن يتخذ أي إجراء بشأن أسعار الفائدة.
وقد يأمل أردوغان وإرتيم وباقي أعضاء الفريق الاقتصادي الحكومي في أن يسهم الانخفاض التدريجي لقيمة الليرة خلال الأشهر المقبلة في الاستمرار في دعم النمو الاقتصادي وجذب المزيد من تدفقات استثمارات الحوافظ المالية التي تعتمد عليها تركيا بشكل كبير. لكن التطورات الأخيرة تنبئ بأن هذا لا يعدو أن يكون محض أمنيات.
فحتى إذا وضعنا جانبا التشديد المتوقع في السياسات النقدية من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، لم تعد تركيا تمثل النموذج الأنجح في جذب الاستثمارات كما كانت يوما ما، فهي لا تواجه فقط عجزا ضخما في الحساب الجاري، بل وأيضا مخاطر سياسية تهدد استقرارها على المدى القصير.
وكما أشارت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في وقت سابق من هذا الشهر عندما خفضت تصنيفها الائتماني لتركيا من “Ba1” إلى “Ba2″، فإن أردوغان يقود تركيا إلى مسار استبدادي متصاعد، ما يجعل عملية صناعة السياسات النقدية والاقتصادية أكثر مركزية وأقل قابلية للتنبؤ بها.
ويتزامن ذلك مع ابتعاد تركيا أكثر وأكثر عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وبسبب عمليتها الأخيرة في شمال سوريا، تحولت تركيا إلى دولة “منبوذة” إلى حد ما داخل حلف شمال الأطلسي.
كما تفاقمت درجة التباعد بين تركيا والغرب بسبب توجه أنقرة لتوثيق علاقاتها مؤخرًا مع روسيا وإيران، لدرجة أن الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة تفكر حاليا في فرض غرامات بمليارات الدولارات ضد بنك حكومي في تركيا لمشاركته في التحايل على العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. ويمكن أن تمتد العقوبات لتشمل فرض حظر سفر على المسؤولين الحكوميين السابقين والحاليين المتورطين في هذا المخطط.
علاوة على ذلك، فإن خطط تركيا لشراء صواريخ إس -400 من شركات روسية مدرجة على قائمة العقوبات الأميركية يمكن أن يستفز السلطات في واشنطن لاتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية.
لذا، فإن هذه القنبلة الموقوتة قد لا تنفجر في وجه الحكومة التركية فقط في نهاية الأمر. فمع عدم رغبة البنك المركزي في رفع أسعار الفائدة – أو عدم قدرته على ذلك، فقد تطاله آثار الانفجار المتوقع جنبا إلى جنب مع الأجانب الذين ما زالوا يحتفظون بالكثير من الاستثمارات في أصول بالليرة التركية. وسيكون الوقت وحده كفيلا بالحكم على إيجابيات أو سلبيات هذه السياسات.