تركيا عالقةٌ بين مفهومَي الحِسّ والضمير، ومما يؤكد هذا التناقض أن تركيا هي البلد المسلم الوحيد في حلف شمال الأطلسي، كما أن سعيها للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي دليل آخَر على تأكيد تناقضها هذا.
وفي حين يدعم الحسُّ السليمُ الدولةَ التركيةَ في سعيها لهاتين العضويتيْن في الأجواء العالَميَّةٍ الجديدة، فإن شيئًا ما يتحتم على عقل وضمير الأمة فعله.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن ما تحتاج إليه تركيا ليس السعي وراء محور جديد للسلطة، ولا هذه الفتنة الداخلية. إن ما نحن في حاجةٍ إليه بالفعل هو أن نلتفت إلى جذورنا ونخلق انسجامًا وتوازُنًا بأن نهتمَّ اهتمامًا خاصًّا بالديموقراطية وسيادة القانون والتعاون والقيم العالَميَّة، فلا يمكننا أن نتقدم من خلال استعداء الناس وإيذاء بعضنا بعضًا. نحن بحاجة إلى التغلب على هذه الحلقة الفاسدة من الكراهية والعداء والغضب.[/box][/one_third]في كلٍ من أوروبا وتركيا اعتراضات كبيرة وآراء مخالِفة، لأن كلاًّ من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي منظمة مسيحية، أما هؤلاء الذين ينتقدون الأمر مشيرين إلى أن حلف شمال الأطلسي لم يعُد ذا أهميَّةٍ لتركيا وأن الاتحاد الأوروبي يلهو بتركيا، فهُم على حقٍّ جزئيًّا. مع ذلك، وبغَضِّ النظر عمَّا إذا كان هذا صحيحًا أو لا، فتركيا لا تستطيع أن تعتمد سياسات مخاطرة من شأنها أن تدفع بها إلى تَرْكِ المحور الغربي وتقدِّم نفسها زعيمةً للعالَم التُّرْكي والدول الإسلامية.
ويمثِّل حلف شمال الأطلسي، الذي يضمُّ الولايات المتحدة أيضًا، حاليًّا 70% من إنفاق العالَم على السلاح، فلا يمكن إذن للعالَمَيْن التركي والإسلامي أن يتجاهلا هذه الحقيقة ويحاولا إنشاء جبهةٍ ما.
ويمكنني من الآن سماع اعتراضات هؤلاء الذين يناهضون وجهة النظر هذه، غير أننا يجب أن نعترف باحتمالية أن يسبب هذا مشكلات خطيرة وأن جميع الدول القوية ستقف ضدّ جبهةٍ تركية إسلامية.
كما يجب أن تؤخذ حقيقة أخرى بعين الاعتبار، هي أن 57 دولة إسلامية تُنتِج فقط 7% من إجمالي الناتج المحلي العالَمي، وأن اثنتين وعشرين من أفقر 48 دولة في العالَم هي بلدان إسلامية. وعلى الرغم من أن كثيرًا من طاقة العالَم يُنتَج في بلدانٍ إسلامية، فإن إجمالي الناتج المحلي لـ57 بلدًا إسلاميًّا لا يساوي حتى الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا وحدها.
الأسوأ من ذلك أن العالَم الإسلامي يعاني الفقر والجهل والأُمِّيَّة، فالبلاد الإسلامية متخلفةٌ جدًّا في مجالات العلوم والتكنولوجيا والفن والهندسة المعمارية وعلم الجمال والبحث… ولا أحد يشعر بالخجل من اعتمادنا المفرط على الآخرين في العلوم والتكنولوجيا.
بالإضافة إلى ذلك، لا أحد في العالَم يرانا مصدرًا لأفكار وقِيَمٍ نبيلةٍ كالصدق والنزاهة والأخلاق والآداب والقيم الإنسانية العالَميَّة وسيادة القانون والحقوق الأساسية، في حين ينتشر الفساد والرشوة والخداع والكراهية على نطاق واسع في العالَم الإسلامي، والافتراءات شديدة الانتشار كذلك. إن الدول الإسلامية تتصارع مع المشكلات الداخلية، بما في ذلك الاشتباكات الطائفية والانقسامات العِرقية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن تركيا التي تقدِّم نفسها على أنها نموذج للعدالة والعلم والتكنولوجيا والسلام والاستقرار والديموقراطية وحقوق الإنسان، ستصبح منارةَ أملٍ لبلدان أخرى في العالَم الإسلامي، وإذا ما حدث ذلك فستكون تركيا نفسها ذات أهميةِ أكبر لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والسلام العالَمي كذلك.[/box][/one_third]فإذا لم تتمكن من حلّ المشكلات الخاصة بك في بلدكَ، فلن يمكنك أن تكون مؤثِّرًا في الخارج، وإذا لم نقرِّر الكفّ عن محاربة بعضنا بعضًا، وأن نتعامل مع غضبنا، وأن نتذكر أننا جميعًا إخوة، فسوف نستمرّ في تكرار نفس الكذبة على أنفسنا بأن لدينا مستقبلاً مشرقًا.
إن ما تحتاج إليه تركيا ليس السعي وراء محور جديد للسلطة، ولا هذه الفتنة الداخلية. إن ما نحن في حاجةٍ إليه بالفعل هو أن نلتفت إلى جذورنا ونخلق انسجامًا وتوازُنًا بأن نهتمَّ اهتمامًا خاصًّا بالديموقراطية وسيادة القانون والتعاون والقيم العالَميَّة، فلا يمكننا أن نتقدم من خلال استعداء الناس وإيذاء بعضنا بعضًا. نحن بحاجة إلى التغلب على هذه الحلقة الفاسدة من الكراهية والعداء والغضب.
لابدّ أن يندمج حِسُّ تركيا وضميرها، فضميرنا يقول “داووا جروحكم”. لذلك لا بد من توقُّف التمييز بين الأتراك والأكراد والسُّنَّة والعلويين والعلمانيين والمتدينين، ولكي نحقق ذلك فنحن بحاجة إلى إقامة حوار ومصالحة حقيقيَّيْن.
إن تركيا التي تقدِّم نفسها على أنها نموذج للعدالة والعلم والتكنولوجيا والسلام والاستقرار والديموقراطية وحقوق الإنسان، ستصبح منارةَ أملٍ لبلدان أخرى في العالَم الإسلامي، وإذا ما حدث ذلك فستكون تركيا نفسها ذات أهميةِ أكبر لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والسلام العالَمي كذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــ
جريدة تودايس زمان، 9 مايو 2014.